كلّما أمعن الباحث في قراءة نتائج الانتخابات الصادرة عن وزارة الداخلية على موقعها الإلكتروني، كلما اكتشف المزيد من الأخطاء المرتكبة. وإذا كنا قد عرضنا في مقالنا السابق («لجان القيد لم تفهم النسبية») لأخطاء في عملية احتساب النتائج، نعرض هذه المرة لأخطاء مثيرة للاستغراب بسبب بديهيتها تتعلق بأعداد الناخبين.
شكوك كثيرة في آلية الفرز والاحتساب
يظهر الجدول المرفق حجم الفروقات بين عدد الناخبين الوارد في جداول النتائج التفصيلية وكيفية احتسابها في كل دائرة على الموقع الالكتروني للوزارة (http://www.interior.gov.lb/AdsDetails.aspx?ida) وقد بلغت 4,252,937، وبين عدد الناخبين المدرجين على لوائح الشطب بحسب الوزارة عينها والذين وزعتهم قبل شهر من الانتخابات (3,746,483)، إذ يصل الفارق إلى 506,454 ناخباً.
(بلال جاويش)
يصعب فهم سبب الوقوع في خطأ مماثل ينجم عنه هذا الفرق الشاسع في أعداد الناخبين، خصوصاً أن الوزارة حصلت على أكثر من 50 مليار ليرة بدل نفقات انتخابية وأتيح لها شراء كل ما تحتاج إليه من تجهيزات تقنية وبرامج كومبيوتر، فلماذا يرتكب خطأ بديهي بهذا الشكل؟ وأي برنامج هذا الذي يرتكب خطأ بهذا الحجم؟ وهل الأرقام الإضافية واردة من لجان القيد واكتفت الوزارة بنشرها على موقعها الإلكتروني، أم أن الخطأ هو من الوزارة نفسها؟
إن خطأ مماثلاً يتيح تصديق كلّ ما يثار من شكاوى عن ضياع أصوات من هنا، أو تزوير من هناك. ذلك أنه حتى لو لم تكن هناك نية للتلاعب بالنتائج، يمكن القول إن وجود أخطاء مماثلة أمر يدعو إلى عدم الثقة بسلامة النتائج. ولجان القيد مدعوة إلى توضيح آلية احتساب النتائج، وإعادة الفرز في حضور مندوبين عن الأحزاب والقوى السياسية والمرشحين للتأكد من سلامة العمل.
الأوراق الملغاة
ملاحظة ثانية لا تقل أهمية تتعلق بفشل الحملة الدعائية لشرح آلية الاقتراع، والتي أنفق عليها أيضاً مبالغ كبيرة، فهو ما يكشفه حجم الأوراق الملغاة والذي يصل إلى 38,909، ما نسبته 2.1 في المئة من عدد المقترعين الإجمالي وهو رقم مرتفع جداً، خصوصاً إذا قارناه بالأوراق الملغاة في استحقاق العام 2009 ووصل عددها إلى 11,884 بنسبة 0.7 في المئة من المقترعين. أي أن الأوراق الملغاة تضاعفت ثلاث مرات.
تزداد أهمية هذه الملاحظة، إذا قدّرنا قيمتها الانتخابية. ففي حال كانت الانتخابات تجرى على مستوى لبنان، لكان الحاصل الانتخابي العام وصل إلى 14,541 وهذا يعني أن الأوراق الملغاة حققت ما نسبته 2.7 (حاصلان وكسر أكبر) أي ما يعادل ثلاثة مقاعد نيابية.
يبيّن هذا الكم من الأوراق الملغاة تقصير الوزارة في شرح آلية الاقتراع وعدم تسهيل شرحها من قبل المعنيين. إذ لم توزّع الوزارة نماذج عن ورقة الاقتراع للمرشحين، أو المعنيين، لكي يشرحوا للناخبين كيف ستجري العملية الانتخابية، إلا قبل أيام معدودة من الاستحقاق على رغم المطالبات المتكررة بها. لذا عمد كثير من المرشحين إلى شرح آلية الاقتراع على ورقة مختلفة عن التي اعتمدت. كما أن الحملة الدعائية كانت قاصرة، على رغم جماليتها. لم يكن مفهوماً مثلاً كيف يمكن لإعلان عن البوظة أن يشرح للناخب ما الذي يتوجب عليه فعله خلال عملية الاقتراع؟ كما ليس مفهوماً لماذا تكون الانتخابات عرساً وطنياً وكأننا نجري انتخابات للمرة الأولى؟ وكيف تكون حملة انتخابية شهدت كلّ هذا الكم من التحريض والكلام الطائفي عرساً؟ ولماذا شرحت العملية الانتخابية، في الفيديوات الترويجية، على نماذج غير مطابقة لما سيعتمد؟