بدا القرار الأميركي السعودي بوضع أعضاء مجلس شورى حزب الله، وفي مقدمهم السيد حسن نصرالله، على لائحة الإرهاب، بمثابة ردّ الفعل الأول على نتائج الانتخابات النيابية. الأسماء ليست جديدة على لوائح الإرهاب، لكن الجديد توقيت إصدار اللائحة. القرار أشبه برسالة لمن يريدون تأليف الحكومة، مفادها أن فترة السماح قد انقضت وأن الأولوية يجب أن تكون لمواجهة حزب الله لا التعاون معه!
بتوازٍ مشبوه مع الحراك الداخلي المرتبط بتشكيل الحكومة الجديدة، دخلت أميركا، ومن خلفها السعودية، على خط تأزيم الوضع السياسي في لبنان، من خلال وضع عدد من مسؤولي حزب الله، وفي مقدمهم الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله على لائحة الإرهاب. وقد تعمّد البيان الصادر عن وزارة الخزانة الأميركية، باسم مركز استهداف تمويل الإرهاب، الذي يضم إضافة إلى أميركا والسعودية كلاً من الكويت، البحرين، عمان، قطر والإمارات، الإشارة إلى أن القرار الذي يطاول أعضاءً في شورى الحزب، لا يميِّز بين الجناحين العسكري والسياسي في الحزب.
وبحسب بيان الخزانة، فإن المستهدفين هم: السيد حسن نصرالله، الشيخ نعيم قاسم، الشيخ محمد يزبك، حسين خليل، السيد إبراهيم أمين السيد، هاشم صفي الدين، طلال حمية، علي شرارة، حسن إبراهيمي وأدهم طباجة، إضافة إلى أربع شركات «مرتبطة بنشاطات داعمة لحزب الله». بيان الخزانة الأميركية تبنّته سريعاً رئاسة أمن الدولة السعودية، فأصدرت بياناً مطابقاً للبيان الأميركي، أعلنت فيه فرض العقوبات على الأشخاص والكيانات أنفسهم، علماً بأن غالبيتهم يخضعون للعقوبات الأميركية ــــ السعودية منذ زمن بعيد.
ويأتي هذا القرار، الذي لا مفاعيل عملية له، ليطرح أكثر من علامة استفهام بشأن المرحلة المقبلة. هل انتهت فترة التهدئة التي كانت قد فرضتها الانتخابات النيابية، والتي أدت إلى انكفاء نسبي للسعودية؟ وهل سلّم سعد الحريري أوراقه كلها للسعودية بعد انقضاء فترة السماح، بدليل دفعه بنادر الحريري إلى الاستقالة، ومن ثم إنهاء القطيعة التي دامت لأشهر مع رئيس القوات سمير جعجع؟ لا يخفى على أحد أن قرار العقوبات على قادة الصف الأول في حزب الله لا يؤثر في حياتهم، ولا في عملهم. فالحزب خارج النظام المصرفي، اللبناني والدولي. كذلك لا يملك قادته أي أصول خارج لبنان. وبالتالي، إن أثر هذه العقوبات سياسي لا أكثر، والمستهدف فيها ليس حزب الله، بل شركاؤه في الحكومة المقبلة. ما جرى يبدو خطوة أميركية لإفراغ نتائج الانتخابات النيابية من مضمونها، ومنح جرعة دعم للرئيس سعد الحريري في مسعاه لإعادة تموضعه السياسي، وعلى أعتاب مفاوضات تأليف حكومة جديدة، في مقابل حزب الله وحلفائه الخارجين من نصر نيابي كبير.
المقلق أن الأجواء المحيطة بالقرار الأميركي ـــ الخليجي تبدو شبيهة بفترة ما قبل 4 تشرين الثاني 2018، أي فترة ثامر السبهان، التي عمدت السعودية خلالها إلى تسعير خطابها المعادي والتركيز على نعت حزب الله بالإرهاب، وصولاً إلى أسر الحريري في الرياض وإجباره على إعلان بيان عالي النبرة ينتهي بالاستقالة.
ويهدف قرار مركز استهداف الإرهاب، بحسب وزير الخزانة الأميركي ستيفن منوشن، إلى تعطيل محاولات إيران وحزب الله لتقويض الاستقرار في المنطقة، كما يخص نصرالله بالإشارة إلى أنه «خضوعاً لإملاءات فرقة القدس في الحرس الثوري الإيراني، يساهم في إطالة أمد المعاناة الإنسانية في سوريا، كما يساهم في تأجيج العنف في العراق واليمن، واضعاً الدولة اللبنانية والشعب اللبناني تحت الخطر».
مجلس الوزراء مستمر
إلى أن يتم التأكد من أهداف الهجمة الأميركية الخليجية المستجدة على حزب الله وتأثيرها على الانتظام العام في لبنان، فإن الحكومة الحالية تسعى إلى استغلال الأيام الأخيرة من عمرها لتمرير عدد من القرارات قبل أن تتحول إلى حكومة تصريف أعمال في منتصف ليل 21 الجاري. وبعدما كان قد تردد أن جلسة أمس ستكون الأخيرة، يبدو أن المجلس سيستمر في الاجتماع حتى الرمق الأخير. ولذلك يتوقع أن يعقد جلسة يوم الاثنين المقبل لاستكمال جدول الأعمال، الذي أقر معظمه أمس، في ما بدا فَسحاً في المجال أمام الوزراء للعمل في فترة تصريف الأعمال لتنفيذ ما أقر، ولا سيما ما يتعلق بقطاع الكهرباء.
وبانتظار انطلاق عجلة التكليف والتأليف، تتوجه الأنظار إلى الاستحقاق الأول المتمثل بانتخاب رئيس المجلس النيابي ونائبه وأعضاء مكتب المجلس. ولما كانت رئاسة المجلس معقودة سلفاً للرئيس نبيه بري، فإن النقاش الحالي يتركز على اسم نائب الرئيس. وبعد أن أعلن النائب المنتخب شامل روكز أن مرشح التكتل هو النائب السابق لرئيس مجلس النواب إيلي الفرزلي، عادت مصادر عونية لتؤكد أن الأمر لم يحسم بعد، في ظل وجود مرشحين محتملين للتكتل هما الفرزلي والوزير السابق الياس بو صعب. لكن مع ذلك فإن حظوظ الفرزلي تبدو مرتفعة أكثر لاعتبارات عديدة، منها احتمال أن يعود بو صعب إلى الحكومة في حال التخلي عن مبدأ الفصل بين النيابة والوزارة ورغبة رئيس الجمهورية ورئيس المجلس النيابي في أن يتبوأ الفرزلي هذا المنصب، نظراً لخبرته الكبيرة.
في المقابل، برز أمس طرح اسم النائب المنتخب أنيس نصّار بصفته مرشح القوات للمنصب، بالرغم من تسليم الجميع بأن نيابة الرئيس ستؤول إلى الكتلة الأكبر في المجلس، أي «لبنان القوي». وقد تردد أن طرح سمير جعجع لاسم نصّار هدفه قطع الطريق على الفرزلي، لمصلحة ترشيح نائب آخر من التكتل وليس المنافسة جدياً على المنصب، وهو الأمر الذي لاقاه فيه الرئيس سعد الحريري في جلسة المصالحة التي عقداها في بيت الوسط أول من أمس.
لقاء «ممتاز» بين الحريري وجعجع
وكان جعجع قد أبدى، في الجلسة التي عادت فيها العلاقة بين الطرفين إلى سابق عهدها، عدداً من «الملاحظات حول كيفية إدارة المرحلة السابقة وضرورة إرساء توازن داخل الحكومة الجديدة والحفاظ على سياسة النأي بالنفس». ولفتت مصادر إلى أن تركيز جعجع صبّ على ملفات اجتماعية واقتصادية، لناحية حلّ ملفات تتعلق بالكهرباء وأزمة السير وطريقة العمل في الإدارة.
أما في ما يتعلق بجلسة انتخاب رئيس المجلس، فقالت مصادر قواتية إن «اجتماعاً استثنائياً ستعقده كتلة القوات مطلع الأسبوع لاتخاذ قرار بشأن تسمية الرئيس نبيه بري لرئاسة المجلس، إذ هناك انقسام بين رأيين: الأول يؤيد عدم التسوية، بشكل لا يؤثر على العلاقة الشخصية والسياسية مع بري كما حصل في عامي 2005 و2009، والثاني يربط هذا الموقف بالظروف الوطنية التي تستوجب تسميته ودعمه».