طبعاً لا تتحمّل الرؤوس الصغيرة التي طاولتها العقوبات في تيار المستقبل وحدها مسؤولية الترهل التنظيمي والشعبي. فهناك مسؤولية أكبر تقع على عاتق الكبار، على رأسهم سعد الحريري، وهو صاحب الفشل الكبير في ما آلت إليه الأمور
تيار «المُستقبل» على مفترق طُرق. الأزمة التي عصَفت به لن تنتهي بمجموعة قرارات اتخذها الرئيس سعد الحريري. الجميع ينتظر الدفعة الثانية. والأهم من ذلك، هو تحديد من سيكون في مرتبة الخلَف لكل الذين أُزيحوا، وانتهت مدّة صلاحيتاهم.
الآن بدأ الكلّ في تيار المستقبل يخرج من هول الصدمة، ويدخُل مرحلة الترقب. ترقّب ما ينتظر التيار من أعلى الهرم نزولاً إلى القاعدة، وقد تبيّن أن «أحداً ليس فوق رأسه خيمة». لكن يصّح التوقّف عند هذا التعبير الذي استعانت به مجموعة من المسؤولين المستقبليين على شاشات التلفزة، حينَ سئلت عن «المحاسبة» التي دخلت حيّز التنفيذ. ومن هذا التعبير، انطلق البعض للسؤال عن سبب تحييد الأمين العام للتيار أحمد الحريري عن مِقصلة الإعفاءات. فهو رأس الأمانة العامة التي تضم كافة المنسقيات. وكان المسؤول عن إدارة الماكينة الانتخابية من الناحية التنظيمية والتنفيذية.
حينَ استقال (أو أقيل) سليم دياب من وظيفته كمنسّق عام للتيار عام 2009 (بعد فضائح الانتخابات و7 أيار آنذاك)، كُلفت لجنة خماسية ضمّت كل من: هاني حمود، راشد فايد، بلال العلايلي، سمير ضومط وفايز مكّوك بمهام هيكلة التيار في ذلك الوقت. قررت آلية انتخاب عدد كبير من مسؤوليه وتعيين آخرين، كان أولها انتخاب أحمد الحريري مقرراً لها. باستثناء هاني حمود، ترّدد أعضاء اللجنة بداية في تعيين أحمد الذي جاء على شكل انتخاب، علماً أنه كان قد نجح في منصبه كمنسق في قطاع الشباب. أبدى الأربعة الآخرون تساؤلات وملاحظات، حول التعيين، كانت أقرب إلى اعتراض اصطدم بإصرار من الرئيس الحريري على هذا الخيار. ثم انطلق أحمد الحريري في تجربة إنتاج «كوادره» فسلّم عدداً من الشباب المقربين منه مراكز قيادية تابعة لـ«أمانته». لم تكن إدارة الرجل للمرحلة على قدر تطلباتها. لا يتعلّق ذلك بقدراته الذاتية، وحسب. فظروف التيار السياسية والمالية التي رافقت تسلّمه المهام التنظيمية كانت أكبر من قدرة أي قيادي على استيعابها. وقد تعاظمت مع غياب الرئيس سعد الحريري عن البلاد سنوات. غياب ولّد أجنحة داخل التيار، وعصيان الكوادر، واعتبار كل طرف نفسه زعيماً. حتى (أحمد) في مكان ما، اتهم بإنشاء حزب خاص له، وخلق حالة مستقلّة.
بعد الانتخابات البلدية في أيار 2016، وفرض المجتمع المدني نفسه في بيروت، ظّن أحمد الحريري أن استنساخ التجربة داخل التيار، يُمكن أن يحّقق نتيجة. بعد التجديد له كأمين عام في المؤتمر العام الأخير للتيار، ظهر جنوح باتجاه وجوه شبابية لتسلم المهام التنظيمية، سرعان ما اتضح في الانتخابات النيابية عدم قدرتها على إدارة هذه العملية، وقراءة الوقائع على الأرض ولا النتائج. أضف إلى ذلك، ضعفها في أن تكون على تماس مع القواعد الشعبية. أكد ذلك حاجة التيار إلى استعادة بعض الوجوه القديمة الملمّة بخبايا الانتخابات، وتعيينهم كمستشاريين خلف الفريق الشبابي، من سليم دياب إلى خالد شهاب وصالح فروخ وآخرين… كانت خطوة «ناقصة» بحسب مستقبليين يعملون على تقييم ما جرى. لأن تطعيم الفريق الشبابي بهذه الوجوه لم يوّحد الماكينة الانتخابية، بل جزأها. وأصبح كل فريق يعمل لمصلحة جهة في التيار أو لمصلحته. طبعاً «لا يُمكن إعفاء أحمد الحريري من المسؤولية، لكنه لا يتحمّل وحده تبعات الهزيمة»، يقول المدافعون عنه، مضيفين: «أحمد الحريري لم يكُن باستطاعته وحده أن يرقّع مرحلة طويلة من الفوضى داخل التيار قبل أشهر فقط من الانتخابات. إلا أنه بذل أقصى جهد ممكن. ففي مدينة طرابلس حيث كانت الإحصاءات كلها تتحدث عن تقدّم للرئيس نجيب ميقاتي، وعن قدرة الوزير السابق أشرف ريفي على حجز حصة نيابية له، حصد التيار نتيجة مرضية وإن لم تكُن كما أرادها». هذه النتيجة تردّها المصادر نفسها إلى «الجولات التي قام بها أحمد الحريري في طرابلس، فساعدت المستقبل إلى حدّ ما على تعويض بعض الخسارة»، مشيرة إلى أنه «حلّ مكان المنسقيات التي أثبتت فشلاً ذريعاً في استنهاض القواعد الشعبية». لكن الأمر في بيروت كان مختلفاً: «في العاصمة لم يستطع أحمد الحريري إحداث أي فرق».
المشكلة الأساسية كما يشرحها المدافعون عن أحمد تتعلق باتخاذ القرارات «التي تتخطى الأمين العام، وتتجاوزه في أحيان كثيرة». ما حصل نهاية الأسبوع الفائت دليل على آلية اتخاذ القرار في «المستقبل». لم يُنجز أحد عملية تقييم للانتخابات النيابية. على العكس من ذلك. فبعد يوم واحد من احتفال الرئيس سعد الحريري بما سماه «الانتصار» الانتخابي، قرر إعفاء عدد من المنسقين من منصبهم، وحل جهاز الانتخابات. وبالطبع، لم يُستشر الأمين العام ولم يسأله أحد رأيه.
حتى الآن، لا قرارات جديدة في الأفق. أو الأصح لا يمكن أحداً في تيار المستقبل أن يعلم ما هي الخطوات الجديدة التي ينوي الرئيس الحريري اتخاذها. لذلك يعيش كثر خوفاً غير مسبوق من أن تطاولهم «العقوبة المسلكية». ويتهامس مسؤولون في التيار بمعلومات عن أن أحمد الحريري لن يكون بمنأى عن الإطاحة به في غضون أسابيع. ويتحدّث بعضهم عن أن رئيس التيار أراد اعفاء الأمين العام من منصبه يوم السبت الفائت، «إلا أن تدخل النائبة بهية الحريري حال دون ذلك». هذه الرواية ينفيها مستقبليون آخرون، مؤكدين أن والدة أحمد حاولت الاتصال بابن شقيقها يوم السبت، من دون أن تتمكّن من ذلك، وأن قرار الإبقاء على أحمد في منصبه، مرحلياً، اتخذه سعد الحريري من تلقاء نفسه، ومن دون تدخل من أحد.