في خضمّ التحضيرات للاستحقاقات الدستورية والحكومية والمشاورات الناشطة للوصول بها إلى بر الأمان، ظلّت الأوساط اللبنانية على كلّ مستوياتها منشغلة بقراءة أبعاد تداعيات التصعيد الأميركي والخليجي ضد «حزب الله» والمتمثل بفرض عقوبات على قياديين فيه، وكذلك على شركات بتهمة تمويل الإرهاب، ومراقبة مدى تأثيراتها على الساحة اللبنانية عموماً والانطلاقة النيابية والحكومية الجديدة التي ستكون بدايتها الأسبوع المقبل خصوصاً. فيما بَرز دولياً أمس لقاء في سوتشي بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيرِه السوري بشّار الأسد. وقال ديميتري بيسكوف السكرتير الصحافي لبوتين إنّ الأخير هنّأ الأسد بالنجاح بمكافحة الإرهاب، وشدّدا على «ضرورة تهيئة ظروف إضافية لعملية سياسية كاملة الشكل في سوريا». فيما أكّد الأسد «استعداده لبدء عملية سياسية في البلاد».
كان جديد التصعيد الأميركي ضد «حزب الله» أمس إعلان وزارة الخزانة الأميركية فرض عقوباتٍ على شخصين و5 مؤسّسات على صِلة به.

وقالت الوزارة في بيان لها «إنّ العقوبات تفرَض على عبدالله صفي الدين، ممثّل «حزب الله» في طهران وابنِ عم الأمين العام للحركة حسن نصرالله، وكذلك على رَجل الأعمال اللبناني محمد إبراهيم بزّي، الذي عملَ لمصلحة «حزب الله» وإيران».

وأدرَجت الوزارة 5 شركات، مسجّلة في دول أوروبا وغربِ أفريقيا والشرق الأوسط، ومرتبطة بصفي الدين وبزّي.

واتّهم وزير الخزانة الأميركي ستيف منوشين بزّي بـ«الضلوع في تبييض الأموال وتهريب المخدرات». وأشار إلى «أنّ بزّي كان يتعاون مع رئيس غامبيا السابق يحيى جامي الذي فرَضت الولايات المتحدة عقوبات عليه في عام 2011.

وحسب بيان وزارة الخزانة، فإنّ بزّي «كان يقدّم الدعم والمساعدة المالية والمادية والتقنية والخدمات المالية لـ»حزب الله»، وهو من أبرز المسؤولين عن التعاملات المالية للحزب الذي اكتسَب ملايين الدولارات من خلال نشاطه. كما تعاملَ بزّي وصفي الدين مع البنك المركزي الإيراني الذي سبقَ للولايات المتحدة أن فرَضت عقوبات عليه».

وتضمّنت العقوبات المفروضة على صفي الدين وبزّي والشركات الخمس، تجميد كافة الأصول التابعة لها في الولايات المتحدة وحظر أيّ تعاملات معها.

توقّعات تشنّجات

وإلى ذلك توقّعت مصادر وزارية «أن ينعكس التصعيد الأميركي الخليجي ضد «حزب الله» تشنّجاتٍ، ليس على تشكيل الحكومة بمقدار ما سينعكس على الإعداد مسبَقاً لبيانها الوزاري، لأنّ القضية هذه المرّة ليست قضية اسماء وحقائب، بل اسماء وحقائب وسياسة.

فصدور العقوبات في هذه اللحظة السياسية المحلية والاقليمية والدولية جاء بمثابة رسالة بأنّ المشاريع الإنمائية والاستثمارية الواردة في مؤتمر «سيدر 1» وغيرها من المساعدات، قد تصبح مرتبطة بشكل الحكومة وببيانها الوزاري، خصوصاً إذا استمرّ وجود الحزب في الحكومة. قد يساهم ذلك في تخفيف الشروط التي سيضعها الحزب.

وهي رسالة الى من يشكّلون الحكومة، أكانوا في الرئاسة الاولى أم الثانية، تقول لهم مَهْلاً، أياً كانت المتغيرات النيابية لا تستطيع أن تؤثّر على موقع لبنان في المجتمعَين الدولي والعربي، وبالتالي لا تستطيع ان تُترجم في الحكومة لا مقاعد، ولا سياسة عامة».

ورأى المصدر «أنّ إحراج الرئيس سعد الحريري سيؤخّر الحكومة أو سيُعدّل في تشكيلها لكي تأتي وسطية، وسيفرض على البيان الوزاري السير بين الألغام والنقاط». وقال: «إذا اعتقد أحد أنه يستطيع أن «يُشقلب» سياسة لبنان رأساً على عقب لأنه أخَذ كم مقعد زيادة أو بالناقص فهذا أمر لم يعد وارداً».

ووفق مصادر سياسية متابعة، فإنّ العقوبات «ستُحرِج الحريري بالتأكيد، لأنه سيكون امام مشكلة جديدة مع المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الاميركية في حال ترَأسَ حكومةً يشارك فيها «حزب الله» الذي صنّفته واشنطن ودولُ مجلس التعاون الخليجي بأنه بشقّيهِ العسكري والسياسي «منظمة إرهابية».

وترى المصادر أنّ الحريري الذي استقبل أمس السفير الايراني محمد فتحعلي، يسعى من خلال التغييرات الادارية في تيار «المستقبل» الى إبعاد من هاجَموا المملكة بُعيد استقالته، فلا يمكن أن يتحدّى الدول العربية والدول الغربية التي يعوّل على دعمها السياسي والاقتصادي من خلال توزير «حزب الله».

كذلك فإنّ «القوات» وتيار «المستقبل» اللذين وعَدا المملكة بسياسة استيعاب رئيس الجمهورية و«التيار الوطني الحر» واجتذابهما الى منطقةٍ وسط بينهما وبين «حزب الله» سيكونان محرَجين في المشاركة في حكومة تغطّي الحزب بدلاً من حكومة تُحجّمه وتُقلّص من دوره ومِن الغطاء الممنوح له، خصوصاً في ظلّ معلومات عن نصائح إقليمية تلقّاها كلّ من الحريري وجعجع بوجوب ترتيبِ الامور بينهما وبين كلّ منهما ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط وحزب الكتائب والمستقلّين الذين يُعتبَرون من صلب ١٤ آذار على الرغم من عدم تمثيلهم في مجلس النواب».

«حزب الله» لـ«الجمهورية»

في هذا الوقت، أكّد مصدر في «حزب لله» لـ«الجمهورية» أنّ القرارات والعقوبات ضد قيادة الحزب «لن يكون لها أيّ تأثير على آلية العمل السياسي الراهن المتمثلة بانتخاب رئيس مجلس نواب ونائبه وهيئة مكتب المجلس، ولا على الاستشارات النيابية، ولا حتى على تشكيل الحكومة المتوقّع». واعتبَر «أن لا قيمة لهذه القرارات ولا مفاعيل سياسية لها، وهي لن تجد صدى عند الشعوب والدول الحرّة في المنطقة والعالم».

وأضاف: «لقد اتُّهِمنا ووُضِعنا على لوائح الإرهاب في الماضي بسبب التزامنا بالمقاومة ضد العدو الإسرائيلي وتحرير أرضنا من رجسِه ودعمِنا لحركات المقاومة ضد الاحتلال وعدوانه، واليوم نُتهَم مجدداً بسبب مقاومتِنا الجادة ضد الإرهاب التكفيري في المنطقة وتحقيقنا نجاحات كبيرة في مواجهته وتحقيق محور المقاومة انتصاراتٍ مهمّة في أكثر من منطقة.

ومِن المفارقات تزامُن صدورِ هذا القرار مع الانتصارات الواسعة التي حقّقتها المقاومة وحلفاؤها وأصدقاؤها في الانتخابات اللبنانية، الأمر الذي أزعجَ الولايات المتحدة الأميركية وحلفاءَها وأتباعَها فعبّروا عن سخطهم بهذا البيان الذي لن يكون له أيّ تأثير على اللبنانيين المتمسكين بوحدتهم وتنوّعِهم وآليات عملهم السياسية».

الوضع المالي… والعقوبات

وارتدت زيارة حاكم مصرف لبنان رياض سلامة لرئيس الجمهورية العماد ميشال عون أمس أهمية استثنائية بالنظر إلى الأوضاع المالية المستجدّة المقلِقة. وأوضَح سلامة أنه بَحث مع رئيس الجمهورية «السبل الأفضل الواجب اعتمادُها لمعالجة مسألة ارتفاع أسعار الفوائد العالمية وأسعار النفط». وأوضَح «أنّ البحث تطرّق أيضاً إلى التطورات التي استجدّت في العقوبات الاميركية بعد انضمام دول الخليج إليها.

وفي هذا السياق، هناك قلقٌ حيال الضغوطات التي قد تتسبّب بها تطوّرات مستجدة، على المالية العامة. إذ بعد إعلان الرئيس الأميركي الانسحابَ من النووي الايراني، تعرّضَت سندات اليوروبوند اللبنانية في الاسواق العالمية لضغوطٍ أدّت الى تراجعِ أسعارها بنِسبٍ لا يُستهان بها.

ومن ثم جاءت مسألة ارتفاع أسعار الفوائد على الدولار عالمياً، والتي من شأنها ان تزيد منسوب الصعوبات المالية بسبب ارتفاع كلفة الاقتراض في لبنان، بالإضافة الى ارتفاع اسعار النفط، والتي ستؤدي الى زيادة العجز في الخزينة لدعم الكهرباء. وأضيفَت الى هذه العوامل السلبية، قضيةُ العقوبات التي فرَضتها الولايات المتحدة ودول الخليج على كيانات وأشخاص في «حزب الله».

كلُّ هذه العوامل تأتي في توقيتٍ حسّاس، قد يتحوّل كارثةً في حال انعكست أجواء التصعيد على الوضع السياسي، وأدّت الى تأخير ولادة الحكومة الجديدة الموعودة.

الاستحقاق النيابي

في هذه الأجواء، تتكثّف الاستعدادات لإنجاز الاستحقاق النيابي المتمثل بانتخاب رئيس مجلس النواب ونائبه وهيئة مكتب المجلس، لتنطلقَ بعدها المشاورات الرئاسية تمهيداً للتكليف فالتأليف.

وكانت سبحة انطلاقِ ترشيح رؤساء الكتل النيابية للرئيس نبيه بري لرئاسة المجلس النيابي الجديد قد كرّت. فبعدما رشّحه الرئيس نجيب ميقاتي وكتلة «الوفاء للمقاومة»، قال النائب المنتخب طوني فرنجية من عين التينة أمس إنه سيكون أوّل المؤيدين لبري. أمّا تكتّل «لبنان القوي» وكتلة «المستقبل» فسيحدّدان موقفَهما الثلاثاء المقبل.

«بيت الوسط ـ المختارة»

وفيما الإيجابيات تُظلل جبهة «بيت الوسط» ـ معراب، علمت «الجمهورية» أنّ محاولات تجري حالياً لإعادة وصلِ ما انقطع بين «بيت الوسط» والمختارة، يقودها النائبان غطاس خوري ووائل ابو فاعور. وتفيد المعلومات أنّ حواراً بدأ بالفعل عبر الوسيطين لكنّه لم يصل الى نتائج بعد، وأنّ أيّ لقاء بين الحريري والنائب وليد جنبلاط مرتبط بنتائج هذا الحوار.

وفيما تؤكّد أوساط جنبلاطية «أنّ السلوكيات التي رافقت الانتخابات صارت وراءنا»، تلفت إلى «أنّ الحوار ما زال في بداياته والنقاش مستمرّ ويستند الى تجربة السنتين ونِصف للحكومة لناحية الأداء والإنتاجية والعلاقة الثنائية بين الطرفين وتوازن السلطات واتّفاق الطائف». وتذهب الأوساط الى حدّ التأكيد «أنّ هناك موازين قوى جديدة يجب أن تُؤخَذ بالاعتبار خصوصاً خلال مشاورات تأليف الحكومة وأن لا يكون هناك أيُّ تجاوز للقوى التي كرّسَت الانتخابات حيثيتها».

وتشدّد أوساط جنبلاط على «أنّنا لن نقبل الإضعافَ أو التهميش أو المحاصَصة على حسابنا. ونيلُ حصتِنا وفق حجمنا خط أحمر، ولن نقبل بالتنازل تحت أيّ ظرف».

هكذا، وفي حكومة من 30 وزيراً، يطالب جنبلاط، وفقَ أوساطه بثلاثة وزراء دروز يُسمّيهم هو بنفسه، وفي حال المطالبة بوزير درزي من حصتِه سيُطالب جنبلاط في المقابل بوزير غير درزي. أمّا في حكومة من 24 وزيراً فسيتمسّك بوزيرَين درزيَّين، من دون التوقّف عند نوعية الحقائب «لكن بالطبع لن نقبل بالفتات ولن نرضى بوزارات هامشية». 

قلق على المصير

إلى ذلك، قال البطريرك الماروني الكاردينال مار بشاره بطرس الراعي خلال ترؤسِه اجتماعاً في الصرح البطريركي في بكركي للمؤسسات المارونية، «ينبغي أن نخطوَ خطوةً الى الأمام، فيما شعبُنا يتطلّع الى هذا الكرسي البطريركي، وهو في حال قلقٍ على المصير بسبب الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والمعيشية. شعبُنا يعاني البطالة والفقر والحرمان، وشبابُنا وقوانا الحيّة تهاجر وتفرغ الوطن إلى بلدان تحترم الإنسان، وتفسِح له في المجال ليحقّق ذاته، ويُحفّز مواهبَه وقدراته.

وما يؤلم شعبَنا كثيراً هو الركود الاقتصادي في كلّ قطاعات الاقتصاد، لسببين أساسيَّين، بالإضافة الى عدمِ الاستقرار في العالم العربي، وهما: غياب خطة اقتصادية واعية ومسؤولة تؤمّن النموّ، والفساد المتزايد الظاهر في نهبِ المال العام».

المصدر: الجمهورية