من الساعة الصفر منتصف ليل غد الأحد، تبدأ ولاية مجلس النواب الجديد. الأربعاء المقبل ينشئ هيئة مكتبه بانتخاب رئيس له ونائب للرئيس، إلى خمسة أعضاء آخرين هم أمينان للسرّ وثلاثة مفوضين. من ثم تباشر مرحلة تغيّر سطحها من دون القعر
عندما سئل الرئيس نبيه برّي هل يذكّره البرلمان المنتخب بذاك الذي ترأسه، للمرة الأولى عام 1992، أجاب: «كان مجلس 1992 الأول في العالم من حيث النشاط الذي قام به خلال ولايته سواء في عدد جلسات التشريع أو جلسات المناقشة العامة والاستجوابات والأسئلة والأجوبة. خرجنا من انتخابات 1992 وسط مقاطعة مسيحية كبيرة، حتّمت على المجلس الجديد الحركة والأداء بإفراط من أجل تأكيد شرعيته التي طعن البعض فيها، وطرحت المقاطعة علامات استفهام من حولها».
يضيف: «أمامنا الآن ورشة جديدة مع كمّ من مشاريع القوانين في أدراج المجلس. لكن الأساس استعجال تأليف حكومة جديدة. لا نريد أن نصبر كما في المرات السابقة سبعة أو ثمانية أشهر حتى تبصر النور. تأخير تأليف الحكومة أكثر من الوقت الذي تحتاج إليه يطيّر كل المؤتمرات الدولية التي ذهبنا إليها أخيراً وعدنا بنتائج إيجابية، خصوصاً مؤتمر سيدر».
على مرّ انتخابات العقدين ونصف العقد المنصرمة، بدءاً من أولها عام 1992، لم يسبق أن شهدت انتخابات هيئة مكتب المجلس اشتباكاً سياسياً بين الكتل. بعض أسباب المرحلة تلك حتى عام 2005 دور سوريا، إذ ألقى بثقله على الاستحقاق، بعدما تيقن من إمساكه بغالبية ثلثي المجلس المنتخب. طوال 13 عاماً ترأس برّي البرلمان، وإيلي فرزلي نيابة الرئاسة، مع تقاسم الكتل الرئيسية حصص هيئة المكتب. في انتخابات 2005، أمكن الانقلاب السياسي الذي أحدثته قوى 14 آذار، وقلب موازين القوى الداخلية على اثر اغتيال الرئيس رفيق الحريري، تقويض التقليد: وضعت يدها على نيابة الرئاسة بفريد مكاري مع خسارة فرزلي مقعده، وأمسكت بالغالبية، وتقبّلت تقاسم هيئة المكتب، ووقفت عاجزة عند أبواب الرئاسة. تكرّر الأمر في انتخابات 2009. بذلك أمست تسمية مكاري مرتين على التوالي قرار تكتل المستقبل وحده، بذريعة مبرّرة أنه أكبر الكتل النيابية.
بعد انتخابات 2018، تحاول نيابة الرئاسة اختزال مجمل الاشتباك السياسي في أول الطريق في سلسلة استحقاقات متتالية، وحصرها ــــ للمرة الأولى منذ عام 1992 ــــ بين يدي فريقين مسيحيين يتسابقان في الصراع على مناصب السلطة، هما التيار الوطني الحر وحزب القوات اللبنانية. قدّم برّي لرئيس الجمهورية ميشال عون، بعيد إعلان نتائج الانتخابات، الحجة المعقولة انسجاماً مع سابقتي 1992 و2005: لتكتل لبنان القوي تسمية مرشحه للمنصب بأحد اثنين من أرثوذكسييّه المعلنين، فرزلي ـ الأكثر ترجيحاً ـ أو الياس بوصعب. ردّت القوات اللبنانية بترشيح أحد نوابها أنيس نصار. لا يعدو الترشيح والترشيح المضاد إلا رأس جبل الجليد الذي ينتظر لاحقاً تأليف الحكومة بين الفريقين المسيحيين القويين، وقد خرجا من الانتخابات بحصص وازنة وضعت سلفاً التمثيل المسيحي بين أيديهما. كلاهما كبّر كتلته على نحو يعزّز ما أتاحه تأليف أولى حكومات العهد طبقاً لمضمون تسوية 2016، وهو أنهما المعنيان مباشرة بالتمثيل المسيحي فيها. باتا الآن جزءاً لا يتجزأ من نتائج انتخابات نيابية أعادت تحديد الأحجام وإلغاء وجود النواب المسيحيين المستقلين أولاً، وانتزعت من الكتل ذات الغالبية الإسلامية امتياز توزير مسيحيين في عدادها ـــــ وقد تضاءلوا ــــ يعود إلى مطلع عهد اتفاق الطائف ثانياً، ووضعت باكراً مصير التأليف أمام مشكلة مسيحية وشيكة تبدأ بنيابة رئاسة الحكومة ولا تنتهي بحقائبها السيادية والمدرارة والهامشية ثالثاً.
ثمة ما يمكن أن يحتاج إليه البرلمان الجديد في افتتاح دورته.