ليس خافياً على أحد أن شعور البيئة الحاضنة للمقاومة بخطر الاستهداف المزدوج (الإرهاب والعدو الإسرائيلي) أدى دوراً في التجيير الكثيف للأصوات لمصلحة حزب الله في دوائر الجنوب والبقاع وبيروت وبعبدا وجبيل. حتى إن جزءاً من البيئة اليسارية، من خلال استشعاره هذا الخطر، أعطى صوته للمقاومة لاقتناعه بخياراتها السياسية. لكن ذلك لا يلغي وجود مسؤولية تقع على النائب على صلة بـ«كاريزما» حضوره في دائرته، فضلاً عن قرار الناخب بمحاكمة سلوك نواب على مدى تسع سنوات. فالانتماء الحزبي أو الحركي وحده لا يعوض الحضور الخدماتي، ولا إرادة ممثل الناس للتواصل معهم.
تظهر نسب الاقتراع لكل من حزب الله وحركة أمل على حدة، أن الحزب حصد في النبطية نسبة 52 في المئة من الأصوات، مقابل 33.5 في المئة لمصلحة أمل. ونال في بنت جبيل نسبة 53 في المئة من الأصوات مقابل 22 في المئة لحركة أمل. وفي مرجعيون حاصبيا، حصد 40 في المئة من الأصوات مقابل 24 في المئة للحركة. فتكون النسبة الإجمالية نيلهما معاً ما نسبته 83.2 في المئة من الأصوات. لا يلغي ذلك ضرورة قراءة الأرقام لما تحمله من دلالات سياسية وإنمائية متصلة بدور النائب وحضوره في دائرته. هذه الأرقام التي بيّنَت أن أصوات حزب الله، باستثناء الرئيس نبيه بري في صور والزهراني، شكلت رافعة لمرشحي أمل.
غير أن مصادر حركية مركزية لم تخف بأن رئيس الحركة أبدى انزعاجه من تفاصيل الأرقام التي أفرزتها صناديق الاقتراع وترتبط بخلل ما على مستوى أداء بعض المرشحين في دائرتهم الانتخابية.
يؤكد البعض أن القاعدة الخضراء، سواء المنتسبة أو المؤيدة، «تعمدت، في حالات معينة، تجيير أصواتها التفضيلية لنواب الحزب كتعبير عن جملة اعتراضات داخلية، أبرزها أن رئيس الحركة لم يف بوعد أطلقه في وقت سابق بأن يجري تعديلات بنسبة 50 في المئة من التمثيل النيابي، لكن التغيير لم يطل سوى نائب صور السابق عبد المجيد صالح الذي استبدل بالوزيرة عناية عز الدين «بهدف إدخال التمثيل النسائي». وهذا التغيير الوحيد لم يخل من الجدل
برغم مباركة كثر لتمثيل المرأة بحسب ما وعد بري في وقت سابق، إلا أن البعض انتقد أن يكون الإنصاف النسائي تحديداً على حساب صالح الذي يمثل رمزاً من رموز الرعيل الأول لحركة المحرومين الذين واكبوا مؤسسها الإمام السيد موسى الصدر وحافظ في سلوكه ومسيرته على مبادئ «حركة المحرومين»، علماً بأن العديد من الأصوات تصاعدت داخل الحركة تطالب بعدم التجديد لعدد من النواب «بسبب بعدهم عن القاعدة وتقديمهم نموذجاً في السلوك يناقض سيرة الحركة التي أسسها الصدر». أما تبديل هاني قبيسي بمحمد خواجة عن أحد المقعدين الشيعيين في دائرة بيروت الثانية، فكان «أساسه إعادة ابن بلدة زبدين إلى مربعه الرئيسي في النبطية بعد شغور أحد المقعدين الشيعيين المحسوبين على أمل في القضاء بسبب الظروف الصحية للنائب السابق عبد اللطيف الزين. وعليه، لا يحسب كثير من الحركيين لقيادتهم فضل التغيير والتجديد في ممثليهم الذين دخل بعضهم في سنته النيابية السادسة والعشرين!
غير أن قبيسي، يقطع الطريق على هذه التحليلات، ولا سيما التي «تحاول الاصطياد في الماء العكر بين الثنائي الشيعي». يؤكد أن ماكينات الحزب والحركة اتفقت على توزيع الأصوات بالطريقة التي تدعم وتعزز مشروع المقاومة وتؤمن حضوراً سياسياً لحمايتها بمواجهة التحديات». ويستطرد قائلاً: «هذا مشروعنا السياسي نريد أن نحميه. وإذا كانت المقاومة بخير كلنا بخير. والتفضيلي للمقاومة تفضيل لنا لأننا جزء لا يتجزأ منها».
توزيع الأصوات بالطريقة التي تحدث عنها قبيسي، جعل الفارق في الأصوات التفضيلية، بينه وبين زميله في قضاء النبطية محمد رعد أكثر من 13 ألف صوت. هل الحركة تبرعت بأصواتها، أم أن بعض الحركيين وغير المنتسبين فضّلوا الحزب على أمل؟ يجيب قبيسي: «لم تكن قاعدتنا التنافس على التفضيلي، بل التكامل على مستوى الجنوب من أجل رفع الحاصل. وبالتالي، أصبحنا كما قال بري أمام معادلة قانون أكثري أتاحت لنا الفوز في المقاعد كلها». ويشدد قبيسي على أن «بعض الشباب الحركيين فضّلوا المقاومة. لا لخلافات واعتراضات داخلية، بل لأن الناس انقادوا عاطفياً للمقاومة المهددة إقليمياً وعالمياً وأرادوا المساهمة في الدفاع عنها».
ليست الفوارق التفضيلية كبيرة بين نواب الحزب وأمل فقط. في الجنوب الثانية، برز فارق لافت بين بري وزميليه في قضاء الزهراني. نال بري 42137 صوتاً تفضيلياً. أما النائب علي عسيران فنال 2203 مقابل 43746 عام 2009 وميشال موسى 4162 مقابل 43648 عام 2009، علماً بأن ماكينة حركة أمل أوعزت إلى المنتسبين والمناصرين بتوزيع الصوت التفضيلي بين الثلاثة. هنا يبرر قبيسي بالقول: «الناس فضلوا تلقائياً بري من دون الالتفات إلى حسابات أخرى. والأهم أنه لم يكن من حاجة لتوزيع التفضيلي بعدما أثبتت مؤشرات ما قبل الانتخابات أن اللائحة المنافسة الوحيدة لن تؤمن الحاصل».