لا يريد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن يعكّر صفو صيام العرب والمسلمين، ولا يريد أن يكشف عن خطّة السلام "صفقة القرن"، ويرد أن يؤجل إعلانها إلى ما بعد عيد الفطر أي لمنتصف حزيران المقبل وربما يمتد الأمر إلى نهاية الشهر.
تحاول الولايات المتحدة الأمريكية تصفية القضية الفلسطينية من مدخل التسوية، ففي 14 أيار الجاري نقلت الولايات المتحدة سفارتها إلى القدس وهذا يعني أن القدس خرجت من دائرة التفاوض وأصبحت كأمر واقع عاصمة لـ"إسرائيل"، ففي أي اتفاقيات أو تفاوضات قادمة لن تكون القدس موضع تفاوض لأن أمرها قد حُسم بنقل السفارة.
وهذا ما أكده جاريد كوشنر كبير مستشاري الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حيث صرّح خلال افتتاح السفارة بأن الإدارة الأمريكية تعتبر بأكملها أن القدس عاصمة لـ"إسرائيل".
أما عن حق اللاجئين الفلسطينيين بالعودة إلى أرضهم ووطنهم فسقط باتفاقية "أوسلو" 1993، الذي على أساسه اعترفت "إسرائيل" بمنظمة التحرير الفلسطينية ولم تعترف حتى الآن بالشعب الفلسطيني ولا بدولته"، وبالتالي لن تعترف بحق عودته.
وفي سياق متصل، مبادرة السلام العربية التي قدمها ملك السعودية الراحل، وأضاف على بنودها الرئيس اللبناني إميل لحود، بند عودة اللاجئين؛ لم تعد تلقى أذناً صاغية من الإدارة الأمريكية و"إسرائيل"، وبعد 15 عاماً لم يطرأ على المبادرة أي تقدم، وأيضاً في الواقع العربي والشعبي حق العودة لم يعد له أي مكان.
يجد دونالد ترامب الساحة مفتوحة أمامه لممارسة أقصى الضغوط على الفلسطينيين لحملهم على الإذعان، فالسعودية ودول الخليج شريك أساسي في "صفقة القرن"، ورغم أن بنود الصفقة لم تعلن إلى الآن لكن عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية أحمد مجدلاني كشف أن بنودها قد نُقلت إلى السلطة الفلسطينية بواسطة السعودية، وأحد أهم بنودها إنشاء حلف إقليمي في مواجهة النفوذ الإيراني في المنطقة تكون "إسرائيل" جزءاً منه.
والصحافة الغربية تعجّ بالتسريبات التي تفيد عن استعانة كوشنر بولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان الذي قدّم التسهيلات المالية والسياسية للرئيس الأمريكي ترامب من أجل تصفية قضية القدس واللاجئين، حيث مارس "بن سلمان" الضغوط على القيادة الفلسطينية كي لا ترفض المقترحات الأميركية حول القبول بضاحية أبو ديس عاصمة للدولة الفلسطينية بديلاً من القدس الشرقية.
ومن الناحية العملية، قدّم وعد "بلفور" 1917 الذي قطعت فيه الحكومة البريطانية تعهداً بإقامة دولة لليهود في فلسطين خدمة كبيرة لليهود وللأمريكيين، وكذلك وعد عبد العزيز الذي جاء في نصه: "أنا السلطان عبد العزيز بن عبد الرحمن بن فيصل السعود أقر واعترف ألف مرة، للسيد برسي كوكس مندوب بريطانيا العظمى، لا مانع عندي من أن أعطي فلسطين للمساكين اليهود".
وبعدها جاء وعد محمد بن سلمان الذي أطلقه عن أحقية "الإسرائيليين في أرض ووطن"، هو فلسطين. وبهذه الوعود الثلاثة تكون الولايات المتحدة و"إسرائيل" والسعودية قد أنهت حق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى أرضهم.
صفقة "القرن" تعتبر المرحلة الأخيرة لتصفية القضية الفلسطينية، وللأسف الشديد يبدو أن هناك طرفاً عربياً وربما فلسطينياً أيضاً قد وضع بيضه كله في سلة الإدارة الأمريكية ولن يستطيع التراجع، وتبقى المواجهة مفتوحة أمام خيارات كثيرة، فمنذ عام 1917 وحتى عام 2018 تبيّن أن الخيار الأجدر هو المطالبة بفلسطين كاملةً وهذا لا يتحقق إلا بالقوة وبالمقاومة، فما أخذ بالقوة لا يستردّ إلا بالقوة.
المقالات الواردة في الموقع تعبر عن آراء أصحابها ولا تعبر عن رأي إدارة الموقع