«اتخذ النائب المنتخب ميشال ضاهر صفة الإدعاء الشخصي أمام مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي بيتر جرمانوس ضد كل من رجل الأعمال المقتدر سامر الجميل سوري الجنسية والصحافي رضوان مرتضى ومحمد البزال بتهمة الافتراء والتشهير والتنسيق في ما بينهم، طالباً كشف داتا الاتصالات وكشف الرشاوى التي دفعت في هذا الهدف من خلال رفع السرية المصرفية عن حساباتهم». (الوكالة الوطنية للإعلام، يوم أمس)
على طريقة الجبناء، يتلطى النائب المنتخب خلف حصانته، ليشهّر بالصحافيين. وهذا، لم يحتج لأي وقت أو تدريب لينضم إلى الجوقة إياها: في بلاد لا محاسبة فيها، يجرؤ سياسي، لا نعرف كيف جمع أمواله، وتدور شبهات موثقة حول علاقته التجارية مع إسرائيليين لسنوات (راجع «الأخبار» يوم 13 نيسان 2018)، يجرؤ على اتهام صحافيين بالرشوة، لسبب وحيد، وهو أنهم قاموا بعملهم. سأله أحدهم (الزميل محمد نزال وليس البزال) عن الشبهات، وحفظ له حق الإدلاء برأيه والدفاع عن نفسه. لكن نائب الأمة، قرر سلوك الطريق الأسهل، أي اتهام الصحافيين بتلقي الرشوة. أحد أكثر السياسيين شهرة في شراء أصوات ناخبين، وفي بذخ المال الانتخابي، لا يجد ما يرد به على الشبهات المثارة حوله سوى تهمة الرشوة. هو خارج دائرة المساءلة والشبهة. هو المعصوم الذي لا يجوز أن نسأله لماذا كنت زميلاً لإسرائيلي في مجلس إدارة شركة قررت العمل في «إسرائيل» يوم كنتَ عضواً في مجلس إدارتها مالكاً لحق الفيتو على قراراتها. طرح السؤال، ومطالبة القضاء بالتحرك، يعنيان في رأيه، أن ثمة من دفع رشوة للصحافي ليسأل. هو محق، كونه معتاد على هذه الصلة بالبشر. الناس بالنسبة إليه يُباعون ويُشترون. هو يعبّر هنا عن نظرته إلى نفسه، راشياً أو مرتشياً، لا فرق.
لا يفهم هذا «السياسي» المعنى الحقيقي للعلاقة بين الصحافة والشخصيات العامة، وتحديداً منهم أولئك الذين يرشّحون أنفسهم لتولي مناصب عامة. على أحد ما أن يشرح له الأمور: أنت، مسيو ميشال، أجير عند الشعب اللبناني. دعك من خرافات أن النائب ممثل للأمة وليس موظفاً وكل ما يقوله النواب عن أنفسهم. أنت، كجميع المسؤولين الذين يتقاضون مالاً عاماً، أجير عند الشعب الذي يدفع الضرائب. أنت تتقاضى أموالاً من الخزينة العامة. ولهذه الوظيفة شروط، منها أنك عرضة للنقد، وللتشهير، وللسؤال، وللتهكم، وللسخرية. وعليك دوماً أن تخضع، خضوعاً تاماً، لمساءلة الناس والصحافة، لا أن ترمي من يسألك بالتهم، متلطياً خلف حصانتك النيابية!
أنت تتهم زميلين بتلقي رشوة؟ حسناً. هما مستعدان لكشف حساباتهما المصرفية، وتقديم تقرير تفصيلي بمداخيلهما وبديونهما (مع أقاربهما من كافة الدرجات). هل أنت مستعد للقيام بالمثل؟ أكيد لا. هل ستبرر للناس من أين جمعت ثروتك يا ملك التشيبس؟
اسمع مسيو ميشال. علاقتك بالإسرائيلي درو نيف، ومشاركتك في قرار فتح شركتك (السابقة) فرعاً في الأراضي المحتلة، لطخة عار ستلاحقك، حتى تخرج علناً، وتشرح للناس صدقاً، لا كذباً ولا تحايلاً، حقيقة ما ارتكبتَ، ثم تعتذر. وهذه اللطخة ستلاحق أيضاً زملاءك الذين يتعاملون مع الأمر كما لو أن شيئاً لم يكن، وأن جرماً لم يُرتكب. لطخة عار ستلاحق أيضاً حُماتك السياسيين والقضاة الساكتين عن هذا الأمر. اخرج إلى العلن، وبرّر فعلتك، ثم اعتذر، واصمت. أما اتهامك صحافيين بتلقي رشوة، فله نتيجتان: الأولى، دعوى قضائية ضدك، سيرفعها المعنيون على رغم حصانة الجبناء؛ أما النتيجة الثانية، فأننا سنستمر بمتابعة شؤونك، والتنقيب في ملفاتك، والإصرار على نشر كل ما يهم الرأي العام منها، وبخاصة إذا كان بخطورة التعامل التجاري مع إسرائيليين.
كلمة أخيرة للقضاء. يوم 13 نيسان 2018، نشرت «الأخبار» تحقيقاً عن ميشال ضاهر، تضمّن تفاصيل عن الاشتباه في تعامله التجاري مع إسرائيليين. بعد ذلك بأيام، تقدّمت «حملة مقاطعة داعمي «إسرائيل» في لبنان» من النيابة العامة التمييزية بإخبار يتضمّن ما ورد في تحقيق «الأخبار». النائب العام التمييزي، القاضي سمير حمود، أحال الإخبار على مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية. ماذا فعل الأخير؟ لا شيء. هو أيضاً أجير لدى الشعب، ويجب عليه، وعلى من هم أعلى منه سلطة، أن يوضحوا لنا سبب عدم تحريكهم الإخبار، لكي لا يقع سوء الظن، فيقول البعض (والعياذ بالله) إن القضاء يأتمر بأمر السياسة، وأن عدم التحقيق متصل حصراً بكون حلفاء مسيو ميشال هم أنفسهم الذين عيّنوا هذا القاضي في منصبه. ففي هذه الحالة، يُصبح الارتياب مشروعاً، بالقاضي نفسه، وبالقضاء برمّته، على رغم مَن فيه مِن قضاة نزيهين كثر.