وتحتل ذاكرة التحرير القلوب.. تهبنا، في كل ايار، أياماً من فرح لا يطويها نسيان ولا تقل بهجتها مهما تراكمت السنين. ١٨ عاما على التحرير، والعز المكتوب على كل جبين عاد يومها، في قوافل الانتصار التي بالزغاريد وبالدموع وبالأرزّ وبالأدعية دخلت القرى آمنة بسلام، وقبّلت طهر التراب الوفيّ.. وبادلها التراب كل الحب.. "الحمدلله لي تحررنا"، تلك الصرخة التي ما زال صداها يتردد في قلوبنا، تختصر زمن الاحتلال وحكايات المقاومة وصيحة النصر الأبيّ.. لهفة الايدي في معتقل الخيام ما زالت تشهد ان الحرية مصير المقاومين، مهما استبد الوجع ومهما علا منسوب القهر.. رائحة الجدات التي عانقت الاحفاد بعد غياب.. القبلات التي طبعتها الشفاه على اعتاب البيوت.. ذل العملاء الفارين وعلى رأسهم "انطوان لحد" وطوابير "البهدلة" التي ترجو العدو اذنا لها بالعبور الى الارض المحتلة.. كل هذه المشاهد ما زالت حاضرة في الوجدان.. تعيدنا الى ألق الايام التي طبعت فينا شعورا بفائض الكرامة، حصّننا ضد كل ما يمكن ان يمس بفطرتنا الوطنية.. فمن عاش تلك الايام بحق، عاش حصيناً من رجس المساومة على الحرية، أبيًّا وممتنًا لكل يد حملت السلاح، وبالدم كتبت تحرير جبل عامل.

سنين مرت على التحرير، الذي كرت بعده سبحة الانتصارات، وما زالت القرى تعبق بعطر الشهداء كلما التفتت بيوتها ناحية فلسطين، او نظرت الى جهة سوريا بعين ملؤها الرجاء والثقة بأن النصر حليف الحق.. يخيّل اليك ان للبيوت كفوفاً ترفع الدعاء الممزوج باليقين اننا على اعتاب تحرير فلسطين.. ليكون التحرير تاما وكاملا، وان الجرح السوري قيد الالتئام.. 

الجنوب المحرر، جبل عامل الذي كالقلب بين ضلوع فلسطين وسوريا، يبلغ اليوم عامه الثامن عشر من الحرية المضرجة بالصبر، وبالعنفوان.. الممزوجة بعرق مر كالندى فوق شتلات التبغ.. العالية كأسوار مدينة بُنيت لتنتصر.. الغالية، الغالية كضحكات الفرح اذ ملأت الدنيا ضجيجا ذات مواكب العودة الى الارض المحررة.. العميقة، كبسمات الشهداء يحفظها النسيم وقلوب الامهات.. 

عيد التحرير، "بحبر الدم انكتب". لذلك هو عيد اعيادنا،وشمعة افراحنا، ورمزنا الاجمل.. وساحتنا التي عبرها نرفع الصوت شاكرين ممتنين لكل يد قاومت، لكل زند رسم بالتعب حكايات الصبر، لكل قلب احيا ليله بالنظر جهة عامل ووعده بالحرية.. عيد التحرير، حجتنا على العالم اجمع، بأن حرية الارض مسألة نفرضها بالقوة، بالقوة فقط.. وجبل عامل يشهد!

المصدر: خاص شاهد نيوز

المقالات الواردة في الموقع تعبر عن آراء أصحابها ولا تعبر عن رأي إدارة الموقع