انتقل سعد الحريري من مربع الـ 108 أصوات نيابية سمّته لتأليف حكومة العهد الأولى في عام 2016 إلى مربع الـ 111 صوتاً في حكومة ما بعد الانتخابات النيابية، لتنحصر عدم التسمية بكتلة الوفاء للمقاومة (13 نائباً)، والنواب: جميل السيد، جهاد الصمد، أسامة سعد وبولا يعقوبيان
مرت الاستشارات النيابية الملزمة لتكليف رئيس الحكومة العتيدة بسلاسة متناهية، على الرغم من ضغط برنامج مواعيدها بيوم واحد بعدما كانت تتم في أغلب الأحيان، على مدى يومين، في مؤشر واضح على وجود إرادة رئاسية ووطنية جامعة بعدم تضييع الوقت والمسارعة الى إنهاء الاستشارات والمشاورات والانكباب على تركيب «البازل الحكومي» وفق الأحجام الحقيقية وغير المضخمة لكل المكونات السياسية.
وفي قراءة لمصدر مواكب للمسار الحكومي، أن معظم المؤشرات تظهر بأن الحكومة لن تواجه صعوبات، فقد باتت لديها أكثرية وازنة وواسعة، ومن لا يريد أن يكون جزءاً من التركيبة الحكومية الوفاقية يضع نفسه خارجها، «إنما ما سمعناه علناً أو في الاجتماعات المغلقة يؤشر الى رغبة الجميع في المشاركة في ورشة بناء الدولة».
وما يراه المصدر نقطة «في غاية الأهمية»، أن من راهنوا على خلاف حركة أمل والتيار الوطني الحر استناداً الى التوتر الذي ساد العلاقة بين الرئيس نبيه بري والوزير جبران باسيل في مرحلة الانتخابات النيابية، «قد سقط رهانهم وتدحرج تباعاً، بدءاً من اللقاء الثنائي في بعبدا الذي جمع الرئيسين ميشال عون ونبيه بري، الى انتخاب بري، وصولاً الى حرارة اللقاء التي لمسها الجميع عندما صعد بري الى بعبدا بعد انتخابه، واجتمع الى عون حيث كان الأخير في استقباله عند باب مكتبه، فأدى بري له التحية العسكرية ليتبادلا القبلات ويخرج بري بكلام واضح عن «صفحة جديدة من التعاون المطلق».
أما التمثيل في الحكومة، فيقول المصدر نفسه، «سيخضع لقواعد تشكيل الحكومات، أي أن التمثيل بالحكومة للكتل الأكبر مع عدم استبعاد أي مكون، بما فيها الكتل الصغرى التي ستتمثل حسب حجمها، مع عدم الخضوع للابتزاز، فالحكومة اتفق على أن تكون حكومة وحدة وطنية موسعة، أي تضم الجميع، لكن بوزارات تتناسب مع الأحجام الطبيعية»، ويشدد المصدر على أن «لا نية بإقصاء أحد أو الدخول في مقايضة على حساب أحد، كما أنه ليس مسموحاً ابتزاز الرئيس المكلف».
يضيف «إذا سارت الأمور كما هو مرسوم لها، وفق قاعدة التوافق الوطني، فمن غير المستبعد أن تتشكل الحكومة في غضون أسبوعين»، ويؤكد أن معايير التأليف «باتت واضحة ولا تحتاج الى أي اجتهاد من أي نوع كان، فهناك تكتل لبنان القوي وكتلة تيار المستقبل وحزب الله وحركة أمل وكتلة الجمهورية القوية وكتلة اللقاء الديموقراطي وباقي الكتل، وكلٌّ واحد من هذه كلها سيتمثل حسب حجمه الحقيقي وليس المنفوخ».
يشدد المصدر على أن الأفرقاء المعنيين «لن يخضعوا لأي فيتو أو شروط مسبقة، ولا أحد لديه حق الفيتو، والتمثيل بالحجم الطبيعي وبلا مبالغة، والرسالة واضحة للجميع بأن تسريع الاستشارات هدفه الانتهاء من تشكيل الحكومة سريعاً، والأهم أن العلاقة بين الرؤساء الثلاثة ممتازة، وهذا عنصر مساعد جداً للتأليف»…
اما عن امتناع حزب الله من خلال كتلة الوفاء للمقاومة عن التسمية، فإن المصدر يرى أنه بمجرد عدم تسمية الحزب لشخصية غير الحريري «فهذا مؤشر إيجابي وموقف مبدئي وليس قطعياً، لأن عدم التسمية كان متلازماً مع إبداء التعاون وتأكيد المشاركة في الحكومة مع مقترح باستحداث وزارة للتخطيط».
واللافت للانتباه هو حرص رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع على الحضور إلى القصر الجمهوري، وهو ليس نائباً، وقد عقد خلوة مع رئيس الجمهورية قبل أن يلتقي عون كتلة الجمهورية القوية، الأمر الذي وضعه المصدر في خانة «استشعار القوات احتمال أن يصيبها في الحكومة ما أصابها في هيئة مكتب المجلس، فكان لا بد من تدخل جعجع مع رئيس الجمهورية لتثبيت الحضور القواتي في الحكومة، وهو سمع ما يطمئنه في هذا المجال».
والمؤشر الإيجابي الآخر الذي يصب في خانة الحريري حصراً، حسب المصدر، أنه حاز كل أصوات النواب السنّة في العاصمة بيروت (نواب كتلته والنائبان فؤاد مخزومي وعدنان طرابلسي)، مضافاً إليها معظم أصوات كل نواب بيروت، باستثناء أمين شري، وبولا يعقوبيان التي ظهرت مرتبكة بعدما سبق أن أعلنت أنها لن تسمي أحداً، ومن ثم لتقول إن تسميتها للحريري ستكون مشروطة، لتنتهي الى عدم التسمية التزاماً منها بقرار «تحالف وطني».
إذاً، أفضت الاستشارات، طوال نهار أمس، إلى نيل الحريري 111 صوتاً، وقد استدعي للمشاركة في اجتماع الرئيسين عون وبري في بعبدا، ثم غادر بري، ليستمر الاجتماع بين عون والحريري، بالتزامن مع صدور بيان رئاسي رسمي بتكليف الحريري تشكيل الحكومة الجديدة. وقال بري للصحافيين إن الحريري نال 111 صوتاً «نتيجة التوافق الحاصل، وهناك ضرورة للإسراع في تأليف الحكومة لأن الوضع الاقتصادي ملحّ ويتطلب ذلك. وعلى هذا الأساس، تم التوافق على إجراء المشاورات في المجلس النيابي ابتداءً من صباح الاثنين، على أمل أن تنتهي في اليوم نفسه، وتبدأ عملية تأليف الحكومة إن شاء الله، وهي ستكون حكومة وحدة وطنية وموسعة».
وبعد انتهاء اللقاء الثنائي بين عون والحريري، تحدث الأخير الى الصحافيين فأعلن مدّ يده لجميع المكونات، وقال إن كل الكتل النيابية الوازنة «تجمع على ضرورة تشكيل حكومة وفاق وطني بأسرع وقت ممكن، نظراً إلى الأخطار الإقليمية المتزايدة حول بلدنا، والأوضاع الاقتصادية والمالية الضاغطة داخلياً»، وأكد أن الحكومة الجديدة، «مدعوة لمواصلة تثبيت الاستقرار السياسي وتعزيز مؤسسات الدولة والنهوض بالاقتصاد لإيجاد فرص العمل أمام اللبنانيين، والشباب منهم بشكل خاص. بكلام آخر، لمتابعة المسيرة التي انطلقت مع تشكيل الحكومة المستقيلة، والبناء على إنجازاتها العديدة، وترسيخ الالتزام بسياسة النأي بالنفس وإقامة أفضل العلاقات مع الأشقاء العرب». وشدد على الحد من الفساد وإطلاق عجلة الاقتصاد، وقال: «لن أوفر جهداً في العمل على تشكيل الحكومة بأسرع وقت ممكن، ومواصلة العمل لحماية استقرار لبنان وأمان اللبنانيين، ضمن ثوابت احترام اتفاق الطائف والدستور ونظامنا الديموقراطي».