في الشكل، يبدأ اليوم الحراك الحكومي مع البرنامج الطويل للمشاورات النيابية غير الملزمة، بين رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري وجميع الكتل والنواب المستقلين في مجلس النواب. في المضمون، يصح القول إن الحراك الحكومي بدأ حتى من قبل تكليف الحريري الذي يُتوقع منه أن يتجاوز سبع عُقد تواجه التأليف، مع تأكيد غالبية المعنيين أن الحكومة ستُبصر النور في غضون أسابيع قليلة.
في اليومين الماضيين، رُميَت تشكيلات وزارية كثيرة، كما رُميَت صيغ للحصص السياسية لمعظم الكتل النيابية، فضلاً عن «العهد». إذا وُضعت كلها جانباً، وإذا نأى المتشائمون بأنفسهم عن التأليف، أين يمكن أن تبرز بعض «العقد السياسية» التي يمكن أن تعرقل مسار التأليف؟
أولاً، العقدة المسيحية: يصح القول فيها إنها الأبرز، لاعتبارات عدة، منها تنوع التمثيل المسيحي وعدم حصريته، فضلاً عن حصة العهد، وعمرها من عمر كل حكومات ما بعد الاستقلال، ولا سيما حكومات الجمهورية الثانية.
إذا كانت الحكومة المرتجاة هي حكومة وحدة وطنية، فإن ذلك يقود حتماً إلى البحث عن أوسع تمثيل مسيحي، بحيث تكون معظم الكتل التي فازت في الانتخابات ممثلة حكومياً. وإذا تم اعتماد معيار الثلاثة نواب، قاعدة للتمثيل الوزاري، فإن هذه المعادلة تسري مسيحياً على أحزاب التيار الوطني الحر (18 نائباً حزبياً و11 للعهد بينهم ثلاثة نواب يمثلون الطاشناق)، القوات اللبنانية (15 نائباً)، الكتائب (ثلاثة نواب)، المردة (ثلاثة نواب)، الحزب السوري القومي الاجتماعي (ثلاثة نواب مسيحيين هذه المرة)، كتلة المستقبل (ثلاثة نواب مسيحيين هم هادي حبيش وهنري شديد ونزيه نجم).
إذا قرر رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري شطب كل مكوّن يقل عن أربعة نواب، يكون قد حرر نفسه، أولاً من تسمية وزير مسيحي، وبالتالي، قطع الطريق أمام تمثيل القوميين والكتائب، أما المردة، فلا يمكنه تجاوزهم لأنهم بانضمام فريد هيكل الخازن، صاورا يمثلون كتلة من أربعة نواب مسيحيين، بالإضافة إلى تحالفهم مع ثلاثة نواب آخرين هم فيصل كرامي وجهاد الصمد ومصطفى الحسيني.
يمكن كسر هذه المعادلة إذا قرر رئيس الحكومة أن يستثني نفسه منها، بإصراره على أن يتمثل بوزير مسيحي على الأقل، باعتبار ذلك حقاً من حقوق رئيس الحكومة المكلف، فيكون قد قطع الطريق على الكتائب التي لن تجد إلا الرئيس نبيه بري يتضامن معها، ومن بعدها الحزب القومي الذي سيستنجد، في حالة كهذه، بحلفائه جميعاً، ولا سيما حزب الله، للفوز بمقعد وزاري، وعندها، سيكون حزب الله محكوماً هذه المرة بجواب افتراضي: من حقك أن تتمثل كحزب، لكن ليس من الحصة الشيعية هذه المرة. هل يتطور موقف الحزب لاحقاً إلى حدّ القول إنه لا يشارك في حكومة لا يتمثل فيها الحزب القومي، أم يعتبر أن أولوية التأليف، وبشروط الحد الأدنى، قد تجعله يصرف النظر عن مشاركة القوميين في الحكومة؟
تبقى هناك عدة نقاط مرتبطة بما يسمى «العقد المسيحية»، أولاها، ماذا إذا قرر سليمان فرنجية أن يسمي فريد هيكل الخازن وزيراً مارونياً عن «التكتل الوطني» وليس وزيراً ينتمي إلى تيار المردة، هل يوقّع رئيس الجمهورية مرسوماً حكومياً كهذا؟
ثانية العقد، متصلة بالنسب والتناسب، بين التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية: إذا كان التيار يرى أن من حقه أن يتمثل بستة وزراء (الكتلة الأكبر مسيحياً)، ويصرّ على عدم إعطاء القوات اللبنانية أكثر من «حجمها الطبيعي»، أي ثلاثة وزراء في الحد الأقصى، وليس بينهم بطبيعة الحال موقع نائب رئيس الحكومة (المحسوم على الأرجح للنائب إلياس بو صعب)، ولا أي حقيبة سيادية (لا الدفاع ولا الخارجية على قاعدة أن الداخلية ستبقى في عهدة تيار المستقبل)، هل يمكن أن يمضي رئيس الحكومة بحكومة إذا قررت القوات أن لا تشارك فيها احتجاجاً على الحصة التي ستعطى لها (مقاعد وحقائب)؟
ثالثة العقد مرتبطة بحصة التيار الوطني الحر والعهد: من يضع الحد الفاصل بين الحصتين، خصوصاً أن العهد يتمثل عملياً بالكتلة النيابية للتيار، لا بل إننا للمرة الأولى منذ الطائف حتى الآن أمام معادلة «رئيس الجمهوري القوي»، أي الرئيس الذي يمتلك كتلة نيابية وازنة وأساسية. فهل ما يسري على الياس الهراوي وإميل لحود وميشال سليمان يسري أيضاً على ميشال عون، أم أنه صار للرئاسة مضمونها المختلف الآن؟ وهل يمكن أن تتعدى حصة العهد المقاعد المسيحية (استنساخ تجربة ميشال سليمان أيضاً)؟
رابعاً، العقدة الدرزية: إذا صحت فرضية أن «تركيب» كتلة للنائب طلال أرسلان هدفها ضمان توزيره في الحكومة الجديدة، من ضمن حصة رئيس الجمهورية، فإن ذلك سيثير إشكالية مفتوحة أصلاً: هل هناك من يريد اللعب بـ«البيت الدرزي»، وبالتالي الإخلال بتوازنات الجبل؟ وماذا لو قرر وليد جنبلاط أن لا يتمثل في الحكومة إذا حُرم من حق تسمية الوزراء الدروز الثلاثة؟ وهل يملك العهد فائضاً من المقاعد المسيحية، حتى يعرض على جنبلاط مقعداً وزارياً مسيحياً؟
خامساً، العقدة الشيعية: لا عقدة شيعية حقيقية في ظل توافق حزب الله وحركة أمل على اقتسام المقاعد مناصفة، لكن ما يصح هنا، ويسري على باقي المكونات، سيكون مرتبطاً بطبيعة الحقائب التي سيحصل عليها الطرفان، خصوصاً في ظل مطالبة حزب الله بأن يتمثل هذه المرة بشكل مختلف عن السابق. حتى إن الحديث عن قبول الحزب بجوائز ترضية من نوع وزارة دولة لشؤون مكافحة الفساد أو وزارة دولة لشؤون التخطيط، يبدو حتى الآن، في معرض الاجتهاد أكثر منه تعبيراً عن موقف الحزب الحقيقي. طبعاً، أسهم في تذليل العقدة الشيعية، بشكل مبكر، التسليم للرئيس نبيه بري ببقاء وزارة المال ضمن حصة الطائفة الشيعية.
سادساً، العقدة السنية: بطبيعة الحال، سيكون للرئيس الحريري أن يسمي أغلبية الوزراء السنّة، لكنه يواجه معضلة عشرة نواب سنة أفرزتهم الانتخابات النيابية من خارج لوائحه، إلا إذا استثنينا منهم النائب الاشتراكي بلال عبدالله حليف تيار المستقبل انتخابياً. هؤلاء يحق لهم نظرياً أن يتمثلوا بوزيرين في الحد الأقصى، وبوزير في الحد الأدنى، فهل سيقبل رئيس الحكومة بذلك؟ وماذا إذا اشترط رئيس الجمهورية أن يكون له الحق في تسمية وزير سنّي من خارج هذا الفريق الذي فاز في الانتخابات النيابية؟
سابعاً، عقدة «الفيتوات»: في الحكومة السابقة، أدى «الفيتو» على الوزير علي حسن خليل إلى تثبيته في وزارة المالية. لذلك، لم يتجرّأ التيار الوطني الحر على وضع «فيتو» على اي اسم في العلن. يسري ذلك أيضاً على العهد، لكن ثمة سؤال، ماذا إذا صحت فرضية «الفيتوات»، وآخرها تهديد الوزير الياس بو صعب المبطّن للوزير ملحم رياشي بوضع «فيتو» على ترشيحه للحكومة، من خلال تغريدته التي قال فيها «كان أفضل لو صام الشاطر عن الكلام حفاظاً على نجاحه بملف مهم، لكن وبعد ما قرأناه اليوم أقول غلطة الشاطر بألف». تسري عقدة «الفيتوات» أيضاً على الحريري، خصوصاً في ضوء ما نقل عنه قبل أربعة أيام من أنه لن يضع تشكيلة وزارية فيها وزير ينتمي إلى «سنّة 8 آذار»!