"اعداء الثقافة، الجهلة، كارهو الحياة" بعض من الصفات التي تفنّن الكثيرون في اغداقها علينا يوم قلنا ان زياد الدويري قد ارتكب جرم التطبيع.. لم نقل يومها "جرم العمالة"، ليس حرصا على مشاعر "الجمهور" الذي صفّق للدويري، بقدر ما هو حرص على ثقافتنا من استسهال تعبير "العميل"، وحرص على انفسنا في بلاد ما عدنا ندري وفق أي معايير تظنّ بعمالة احد او ببراءة اخر..
زياد الدويري، خرج من معركة الاتهام بالتطبيع رابحا.. وقف امام حرم المحكمة محاضرا بالعفة، بفصاحة لافتة، مزايدا علينا جميعا بحب الوطن.. الوطن كما يراه هو طبعا وليس كما يراه ابناء الارض التي قاومت وانتصرت وهزمت العدو الصهيوني، الذي نزل الدويري ذات "فيلم" في ضيافته..
كاد الدويري ان يتهمنا جميعا بقلة الوقاء للوطن، ولولا الحياء، لطلب منا مغادرة هذه البلاد كوننا لا نجيد حبها على طريقته، وكوننا، لسنا مثله، لم تسمح لنا ثقافتنا بارتكاب خطيئة التعاطي مع الصهيوني على اساس كونه مجرد "آخر" وجب قبوله.
ربما، لم يتسنّ للدويري وامثاله الاطلاع على ثقافتنا، على طريقتنا في حب الحياة حد منحها من اجل الحرية والكرامة، وربما لم يسمح له وقته ان يقرأ شيئا عن تاريخ هذه البلاد، عن معنى الشهادة فيها، عن خصب ترابها المجبول بعرق الذين ثقافتهم هي الفطرة الاسمى، وبدم الذين عشقوا البلاد حد الذهاب الى الموت دفاعا عنها..
تذرّع بجواز سفر فرنسي سمح له بالتسلل عبر ثغرة قانونية في النص الذي يمنع اللبناني من الدخول والاقامة في الاراضي المحتلة والتعامل مع سلطات الاحتلال تحت اي ذريعة، عاد محملا بجائزة وغضب علينا! لم يستحِ، فثقافة المستعمر تحرّم الحياء، وتهجّن معاني الحياة.. لم يستح وفعل ما شاء.. ولما اكتشف ان فعلته مرّت مرور المتسللين من ثغرات القوانين، اعاد الكرّة في لقاء منحه المخرج المثقف العظيم لصحيفة "يديعوت احرنوت"ًثم نفى الامر عبر قوله: "عند عرض فيلمي قضية رقم 23 في الولايات المتحدة، في الفترة السابقة لحفل توزيع جوائز الأوسكار، كان يوجد زحمة صحافيين، لكنني لم أعطِ بعلمي ومعرفتي أيّ حديث لصحيفة إسرائيلية". لم يستحِ، المثقف الجهبذ، من القول بعدم معرفته لمن يصرّح.. لم يخجل من دمانا ومن الوطن الذي قال انه رضع حبه من امه، فقال: "لقد دعَوت في أكثر من حديث صحافي إلى محاربة التطرف الإسلامي وتنظيف البيت العربي، وسأظل أقول هذا الكلام"..
بطبيعة الاحوال، وبغياب اية محاسبة سيظل الدويري على ما هو عليه.. وسنظل نحن، ابناء حب الحياة، حاملي ثقافة الكرامة الوطنية والفطرة الخالية من كل شوائب التطبيع والمطبعين، سنظل نشير اليه وامثاله، وسنظل بكل ما اوتينا من وعي ومن حب للأرض، نردد كلما لمحناه: ان لم تستح فافعل ما شئت والتاريخ بيننا حكم وشاهد!
المقالات الواردة في الموقع تعبر عن آراء أصحابها ولا تعبر عن رأي إدارة الموقع