قاعدة التنف في كفة موازية لتفاهم جنوب سورية… شرط أن يتسلّم الجيش السوري الحدود
القوات تضع الحريري بين خيارات: الاعتكاف أو تصريف الأعمال أو حكومة أقطاب فيها جعجع
العقد الحكومية في المالية والداخلية والتمثيل الدرزي والسني قابلة للحلحلة… وفق قاعدة التمثيل
كتب المحرّر السياسي – البناء
تقدّم المشهد السوري مجدّداً على الملفين الإيراني والكوري الشمالي، مع تبادل المقترحات الأميركية والروسية علناً، فبعد نشر مبادرة نائب وزير الخارجية الأميركي ديفيد ساترفيلد وما تضمّنته من إقرار بحتمية انتشار الجيش السوري حتى الحدود مع الأردن، وفتح المعبر الحدودي وسحب آلاف المسلحين إلى إدلب، مقابل تأكيد أميركي وأردني على عدم انتشار قوات إيرانية أو من حزب الله في المنطقة الحدودية، أجاب وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف علناً، مؤكداً ما سبق تأكيده مع تفاهم منطقة خفض التصعيد بأنّ الجيش السوري وحده سينتشر على الحدود ومنطقتها، مضيفاً أنّ القضية التي يجب حلّها هي مصير قاعدة التنف الأميركية التي يشكّل تفكيكها عاملاً مساعداً على التهدئة آملاً أن يظهر الأميركيون نيّة حسنة للمساعدة على بلوغ التفاهم.
التفاوض يبدو الطريق المطروح حالياً لتأمين استعادة الجيش السوري مناطق سيطرة الجماعات المسلحة في الجنوب بعد الإعلان عن الاستعداد لخوض المواجهة العسكرية إذا فشل التفاوض، ومثلها تجري الأمور في شمال غرب سورية، حيث الجيش السوري يستعدّ لدخول مناطق ريف حماة الشمالي وريف إدلب الجنوبي، والأتراك يعدون بإبعاد الجماعات المسلحة عن الطريق الدولي لعشرات الكيلومترات لتأمين فتحه وصولاً للحدود التي يفترض أن ينتشر الجيش السوري وتتولّى المؤسسات السورية الحكومية تسلّم المعبر الحدودي مع تركيا في نهايتها.
لبنان يواصل مساره الدستوري وقد بلغ النقطة الأشدّ تعقيداً، رغم النيات الإيجابية التي تؤكد الحاجة للإسراع بتشكيل الحكومة وتذليل العقبات التي تعترضها، فالواضح كما قالت مقدّمة نشرة أخبار «أم تي في» بلسان «القوات اللبنانية» أنّ الاستعصاء يحكم التشكيل من دون أن تكشف عن حقيقة موقف «القوات» كسبب لهذا الاستعصاء بالتأكيد حاملة للرئيس المكلف سعد الحريري بشارات سلبية واضحة أقرب للتهديد منها للتحليل والاستكشاف، لتقول إنّ الرئيس المكلّف بين خيارات مواصلة تصريف الأعمال لفترة طويلة أو الاعتكاف، أو السير بخيار وحيد يخرج التشكيلة الحكومية من المطالب والمطالب المقابلة ويكون رداً على التحديات يتمثل بحكومة أقطاب، مستعيدة حكومة ما بعد مؤتمرَيْ لوزان وجنيف ومشاركة الرئيس كميل شمعون والشيخ بيار الجميل والرئيس نبيه بري ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط إلى جانب الرئيسين رشيد كرامي وسليم الحص في حكومة أقطاب مصغرة، وتسويقها كطاولة حوار دائمة يتخذ فيها القرار أصحاب القرار، ورأت مصادر مطلعة ربطاً بين طرح حكومة الأقطاب وما قاله الرئيس الحريري عن طرح البعض لحكومة من ستة عشر وزيراً، والأقرب هو أربعة عشر وزيراً وفقاً للتوزيع الطائفي والمذهبي، وقالت المصادر يبدو بذلك إنّ «القوات» هي صاحبة الطرح، في محاولة لملاقاة حصر التمثيل الدرزي بتوزير وليد جنبلاط، والتمثيل السني برئيس الحكومة ووزير من المستقبل والرئيس نجيب ميقاتي، وحلّ معضلة التمثيل المسيحي، بثلاثة موارنة هم جبران باسيل وسمير جعجع وسليمان فرنجية، وتساوي التمثيل القواتي مع التيار الوطني الحر أرثوذكسياً مقابل وزير كاثوليكي يختاره رئيس الجمهورية ووزير أرمني للطاشناق، مقابل تمثيل شيعي بثلاثة وزراء معلوم سلفاً توزيعهم بين حركة أمل وحزب الله بشخصيات قيادية من الصف الأول. وفيما وجدت المصادر أنّ هذا الطرح الحكومي لا يتناسب مع مرحلة ما بعد الانتخابات، ويقول ببساطة إن لا قيمة لكلّ العملية الانتخابية، كأنّ البلاد تخرج من حرب أهلية وتحتاج لحكومة تمسك خطوط التماس وتحلّ الميليشيات، لا حكومة تستند إلى ما قالته صناديق الاقتراع.
ورأت المصادر أنّ حكومة ثلاثينية بزيادة إثنين للعلويين والأقليات إذا اتفق على تمثيلهم تشكل موضع الإجماع إذا حُلّت عقدة تمثيل «القوات» وتهديدها بإنتاج أزمة حكومية، وإنّ هذه الحكومة يمكن أن تنطلق من مسودّة التمثيل الحكومي الراهن، كما يبدو ميل رئيس الحكومة المكلف، لتدخل التعديلات على هذه المسودة، وفقاً للقاعدة التي ستعتمد في تمثيل الكتل النيابية، ونسبية توزيعها وفقاً لعدد المقاعد النيابية، مستبعِدة إمكانية ولادة حكومة لا تلحظ التعدّدية داخل الطوائف التي أثبتت الانتخابات سقوط حصرية تمثيلها بطرف واحد أو تقاسم ثنائي بين طرفين، وهذا التفاهم على قاعدة التمثيل يفتح باب حلحلة العقد في التمثيل السني والدرزي ومسيحيّي الثامن من آذار وفي طليعتهم تيار المردة وحلفاؤه، وكذلك نوعية تمثيل الحزب السوري القومي الاجتماعي.
مسار التأليف والعقد مسيحية
أوحت المشاورات غير الملزمة التي أجراها الرئيس المكلف سعد الحريري في المجلس النيابي أمس، بأن لا عقد تعجيزية تعرقل التشكيل طالما تمّ الاتفاق بين الرؤساء الثلاثة على عناوينها العامة، أي أن تكون وحدة وطنية وثلاثينية أو 32 كحد أقصى لتمثيل الأقليات وعلى القواعد التي تحكم توزيع الحصص والحقائب المستندة الى قانون النسبية والتناسب بين الأحجام النيابية والتمثيل الوزاري مع مراعاة التوازن الطائفي والسياسي. لكن وفق المعلومات فإن العقد الرئيسية تنحصر في الساحتين المسيحية والدرزية. ومن المرجّح أن يزور الحريري رئيس الجمهورية العماد ميشال عون في الساعات المقبلة لإطلاعه على أجواء المداولات وللتشاور معه في موضوع تشكيل الحكومة.
ونقلت مصادر الرئيس المكلف لـ «البناء» ارتياحه إزاء المشاورات مع الكتل النيابية الذي لمس منها نية جدية لتسهيل التأليف ولم تخرج مطالب الكتل عن المألوف رغم شهية الاستيزار التي ظهرت عند معظم الكتل. ومن الطبيعي أن يرفع كل طرف سقف مطالبه للحصول على حصة أكبر، وبرأي المصادر فإن الحريري سيعكف على دراسة المطالب ويضع تصوراً أولياً للتشكيلة ويعرضها على رئيس الجمهورية. وفي حال لم تبرز أي مطالب جديدة معرقلة فإن عملية التأليف ستأخذ مسارها الطبيعي ولن يطول أمد خروج الحكومة الى النور بعكس ما حصل في الحكومة الماضية، مشيرة الى أن «كل العقد قابلة للحل». وقالت مصادر كتلة المستقبل لـ»البناء» إن «المستقبل متمسك بجميع الحصة الوزارية السنية، لكن في حال رست الأمور في نهاية المطاف على توزيعة تفرض أن يتخلى المستقبل عن وزير سني لصالح رئيس الجمهورية، فإنه لن يعارض ذلك مقابل الحصول على وزير مسيحي انطلاقاً من أن تيار المستقبل عابر للطوائف»، مشدّدة على أن «التيار يؤيّد حكومة وفاق وطني، كما أنه يفصل النيابة عن الوزارة ويعمل، لأن تتمثل المرأة في الحكومة».
وفي التوازنات السياسية داخل الحكومة، واستناداً الى نتائج الانتخابات فإن فريق 8 آذار التقليدي سينال ثلث الحكومة أي 11 وزيراً إذا كانت ثلاثينية أو يوضع الوزير الحادي عشر في عهدة رئيس الجمهورية وبالتالي يبقى الثلث الضامن عند الرئيس، أما حاصل حصة 8 آذار والتيار الوطني الحر ورئيس الجمهورية فتشكل أكثرية الحكومة، بينما لن تقارب حصة 14 آذار من دون النائب وليد جنبلاط الثلث في حين كان هذا الفريق يملك أكثرية نيابية كبيرة في المجالس النيابية والحكومات بين العامين 2005 و2009.
وكان يوم المشاورات بدأ بلقاء بين رئيس المجلس النيابي نبيه بري والرئيس المكلف، وقد أظهرت حصيلة المشاورات مطالبة كتلة «المستقبل» بتمثيل عادل للمناطق وبحكومة ثلاثينية بالحدّ الأقصى وباعتماد المداورة وتفعيل المشاركة النسائية.
وطالبت كتلة «التنمية والتحرير» التمثل بـ4 وزارات من بينها حقيبة سيادية ومحسوم بأنها المالية من خلال ذكر الكتلة «التزام الدستور ووثيقة الوفاق الوطني»، فيما أكد وزير الزرعة غازي زعيتر من المجلس النيابي بأن الوزير علي حسن خليل باقٍ في وزارة المال، فيما رفض تكتل «لبنان القوي» تكريس أي حقيبة لأي طرف، برز طلب الوزير جبران باسيل الذي قد يخلط أوراق اللعبة الحكومية إذ طالب باسيل بالحصول على المالية او الداخلية، كما طالب بوضع سياسة وطنية لمعالجة أزمة النزوح، مع تأكيده أن التمثيل الوزاري يجب أن ينطلق من نتائج الانتخابات». وفي سياق ذلك، نقلت قناة «أو تي في» عن مصادر في «التكتل» تأكيدها «الفصل يبن حصتي التكتل ورئيس الجمهورية في الحكومة »، في ما بقي مبدأ الفصل بين النيابة والوزارة محطّ نقاش وخلاف داخل التيار الوطني الحر. وأكد النائب شامل روكز في حديث تلفزيوني «أنني مع فصل النيابة عن الوزارة وكلام الرئيس ميشال عون سيد الكلام، ويمكن كثير أن يكون القرار لدينا فصل النيابة عن الوزراة». وأما اللافت فهو ترجمة شهية حزب «القوات اللبنانية» على الوزارات، بتمسك تكتل «القوات» بحصة موازية لتمثيل التيار الوطني الحر». وقال النائب جورج عدوان «نتعهّد أن نكون حصّة رئيس الجمهورية في الحكومة، لأننا لعبنا دوراً أساسياً في انتخابه»، مشيراً الى أن «مَن يحاول عزل القوات يرفض إرادة الناس ويرفض محاربة الفساد ويرفض السيادة». وكانت مصادر «القوات» هدّدت بكشف وثيقة تظهر توقيع الرئيس عون عليها مضمونها تقاسم الحصص بين التيار والقوات. غير أن النائب الياس بو صعب ردّ بالقول: «إننا مع مراجعة الاتفاق مع القوات اللبنانية لنرى من أخلّ به، إن كان في السياسة أو كتلة العهد»، مشيراً إلى أنه «يحق لهم المطالبة بموقع نائب رئيس الحكومة، ولكن لا يمكنهم القول إنه لهم تحصيل حاصل، فربما أخطأوا بالتعبير ورئيس الجمهورية هو مَن يبتّ بهذا الموضوع».
كما استقبل الحريري الكتلة القومية الاجتماعية وتحدّث النائب أسعد حردان بعد اللقاء، فقال: «نريد حكومة ترعى الشأن الاجتماعي والاقتصادي في لبنان وتكون شريكة مع المواطن، مع رجال الأعمال والعمال ليكون ثلاثي هذا التكوين هو قاعدة الاستقرار الاجتماعي في لبنان، لذلك نريد أن يكون عنوان الحكومة يطمئن المواطنين ويطمئن أصحاب الدخل المحدود في إطار الرعاية الاجتماعية. وهذا الجانب فيه الكثير من موجبات أساسية وأسباب موجبة، وكيف نطرح اللامركزية الإدارية وبالكاد البلديات نراها ونتابعها. وطرحنا على الرئيس الحريري أنه تجب إعادة تفعيل دور وزارة البلديات، لأن أمامها مسألة مهمة جداً هي موضوع اللامركزية الإدارية. وطرحنا أيضاً موضوع الانتخاب في الاغتراب، لجهة إعادة العمل بوزارة المغتربين وإعادة تفعيلها لتستطيع القيام بواجباتها لمتابعة قضايا الاغتراب، كما هناك بند أساسي اسمه الإنماء المتوازن وفقدانه يتسبّب بأحداث، وتجب إعادة تفعيل العمل بوزارة التصميم والتخطيط بحيث تكون هذه الوزارة موجودة على طاولة مجلس الوزراء».
وللمرة الأولى في تاريخ تشكيل الحكومات في لبنان طالبت كتلة «الوفاء للمقاومة» بـ«وزارة وازنة هي من حقنا». ما تعني ترجمة وعد الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله بأن مشاركة حزب الله في الحكومة ستكون فعّالة من باب مكافحة الفساد وبناء الدولة واعتبارها «العقوبات الاقتصادية شأناً خارجياً».
وأكد النائب محمد رعد بعد اللقاء أننا «أكدنا استعدادنا للتعاون الإيجابي مع الحريري، وعرضنا لبعض شؤون البلاد لا سيما على المستوى الاقتصادي». أكدنا ضرورة اعتماد وزارة التخطيط العام للبلاد».
وتمسّك «التكتل الوطني» بـ «المشاركة في الحكومة عبر مقعدين مسيحي ومسلم لكون التكتل عابراً للطوائف»، ومطالبته «بحقيبة الاشغال او الطاقة او الاتصالات مع حقيبة أخرى خدماتية». كما تمسكت كتلة «ضمانة الجبل» برئاسة النائب طلال ارسلان بـ«تمثيل درزي صريح احتراماً لنتائج الانتخابات».
أما اللافت والذي خرج عن رتابة المشهد، فكان اللقاء الذي يحصل للمرة الأولى والذي يحمل أبعاداً سياسية فهو بين الحريري والنائب جميل السيد الذي طالب بتكامل بين الدولة والمقاومة في البيان الوزاري، وبإسناد حقيبة العدل إلى «فريقنا السياسي كنوع من رد الاعتبار لما تعرّضنا له لأن هذه الوزارة شهدت تركيب شهود الزور»، وقال السيد: «رأيت استعداد ولطافة رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري في الاستشارات، وكأنه قال صفحة ماضية وانطوت بيننا».
وحافظ الرئيس الحريري في ختام استشاراته على تفاؤله، فقال «الكل متوافق على تسريع التشكيل بسبب التحديات»، مضيفاً رداً على سؤال عن حصة رئيس الجمهورية «للجميع الحق بالمطالبة بما يريد ولا شك في أن للرئيس حصة وأعتقد ألا أحد يريد وضع العصي في الدواليب. أنا متفائل واشكر الجميع على التعاون». واعتبر ان لا شيء يعيق التأليف والمشاورات بدأت وسنصل الى تفاهم وأرى ضرورة للتسريع قدر ما يمكننا ومن الضروري الوصول الى تفاهمات ويجب أن نعوّل ونبني على الإيجابيات للوصول الى حكومة في اسرع وقت».
وفي انتقاد للكتل دونما استثناء غرّد رئيس اللقاء الديمقراطي وليد جنبلاط عبر تويتر قائلاً: «من التقاليد العريقة في عملية تشكيل الوزارات، تضاف اليها حصة الرئيس والصهر والعديل ولبنان القوي والجمهورية القوية والخرزة الزرقة والمصالحة والوسط المستقل والمردة وقلب القرار والتحرير والوفاء والضمانة وحدة بعبدا ونواب الأرمن والكتائب. اعذروني اذا كنت قد نسيت أحد وممثل فتوش».