انتهت استشارات تأليف الحكومة. ومن كان متفائلاً بتأليف سريع زاد تفاؤله. رئيس الحكومة الذي يغادر إلى الرياض، يبدو واثقاً من قدرته على حلحلة العقد التي تعترضه، وهو لن يتأخر قبل أن يضع رسماً أوّلياً لتشكيلته التي يراهن على إبصارها النور قبل زيارة الرئيس الفرنسي للبنان بعد شهر رمضان
استشارات عام 2018 ليست ككل ما اختبره الرئيس سعد الحريري من استشارات نيابية لتشكيل حكومة سابقاً. بدت استشارات أمس مرهقة له سياسياً وشخصياً. دفعةً واحدة، التقى كل من ناصبهم العداء في السنوات الماضية، إما لأنهم منافسون داخل الطائفة أو لأنهم من حلفاء سوريا، ومنهم من اتهمهم يوماً بالمشاركة في جريمة اغتيال والده. وجد نفسه يجالس الجميع ويسايرهم ويستمع إليهم وإلى نصائحهم ومطالبهم. من إيلي الفرزلي إلى جميل السيد فأسامة سعد وجهاد الصمد، إلى خصومه الذين سلّفوه تسميته لتشكيل الحكومة: الرئيس نجيب ميقاتي، عبد الرحيم مراد، فيصل كرامي، الحزب القومي…
في لقائه مع السيد، بدا عليه الارتباك أمام عدسات المصورين. لكنّ عزاءه أن اللقاءات بروتوكولية، ولا تأثير لها على مجرى التأليف، الذي انطلق فعلياً فور انتهاء الاستشارات. أولى المهمات جوجلة الأحجام الحكومية، على أن تليها الحقائب فالأسماء. العقد الأبرز تطال الحصتين المسيحية والدرزية. في الحصة السنية لا عقبات فعلية، حيث يُتوقع أن يوافق الحريري سريعاً على التخلي عن شرط حصول تكتله على المقاعد السنية الستة جميعها. سيسهل عليه أن يتخلى عن مقعد واحد، لكن المعضلة ستكون في التخلي عن مقعدين واحد لـ8 آذار وآخر لرئيس الجمهورية، وهو ما يبدو أنه لا مفر منه. وتشير مصادر الرئيس المكلف إلى انفتاحه على تكرار تجربة التبادل مع عون، فيحظى الأخير بمقعد سني، مقابل إعادة توزير غطاس خوري من كتلة الحريري. وإلى أن تتضح وجهة التوزير، يكثر الحديث عن انتقال وزير الاتصالات إلى الداخلية، على أن يحل محله في الأولى مستشاره نبيل يموت.
وحدها الحصة الشيعية لن تشهد أي إشكال، على الأقل في تحديد الأحجام الحكومية، إذ صار الحريري لا يمانع في تلبية مطلب حزب الله وحركة أمل بالحصول على ست حقائب حكومية، كما لا يبدو أن حقيبة المالية ستكون محل خلاف مع الرئيس المكلف، وإن طالب بها التيار الوطني الحر، وفق مبدأ المداورة وعدم حصر حقائب معينة لطوائف محددة. أما وزارة التخطيط التي طالب حزب الله باستحداثها، فوجودها يحتاج إلى قانون يصدر عن مجلس النواب، وإلى ذلك الحين، فإن اقتصارها على وزارة دولة، لا يعني موافقته على استبدال الحقيبة الأساسية التي يسعى إليها بها. وإضافة إلى مطالبة الحزب بحقيبة أساسية، يبدو أنه حسم قراره بتوزير ثلاثة حزبيين. يبدو ذلك رداً مباشراً على الربط بين لوائح الإرهاب الأميركية والسعودية وتشكيل الحكومة. النائب محمد رعد لم يترك مجالاً للشك. تهكّم بعد الاستشارات على هذا الربط، مؤكداً أن تأثيره خارج لبنان… في أميركا.
مشكلة المشاكل ستكون في توزير طلال أرسلان الذي طالب بحقيبة لنفسه، بوصفه ممثلاً لكتلة «ضمانة الجبل»، «احتراماً لنتائج الانتخابات النيابية». تيمور جنبلاط من ناحيته دعا إلى اعتماد المبدأ نفسه. فبالنسبة إلى اللقاء الديموقراطي، احترام نتائج الانتخابات النيابية يعني حصول اللقاء على الحصة الدرزية كاملة. كيف سيتعامل الرئيس المكلف مع هذه العقدة؟ لا يبدو واضحاً بعد، وهو حكماً سيكون محرجاً في تخطّي موقف رئيس الجمهورية المصرّ على توزير أرسلان، وكذلك في تخطّي القرار الاشتراكي، الذي أقفل زمن وهب الوزارة كما النيابة لأرسلان تحت شعار وحدة الجبل، خاصة في ظل رفع الكتلة لسقف التحدي، إلى حدّ قول مصادر جنبلاط إنه في حال أصرّ عون على توزير أرسلان، فلا مانع من أن يمنحه مقعداً درزياً رابعاً، من الحصة المسيحية، في استعادة لما قام به الرئيس بري مع الوزير فيصل كرامي في حكومة الرئيس نجيب ميقاتي عام 2011، عندما منَح «مقعداً شيعيا» لوزيرٍ سنّي.
هذه العقدة، كما سعي الجميع إلى أن يتمثلوا في الوزارة، تجلت أمس في تغريدة أطلقها وليد جنبلاط هزأ فيها من عملية تشكيل الحكومة ومن المطالب المنفوخة للأطراف، معتبراً أن من التقاليد العريقة في تشكيل الحكومات إضافة «حصة الرئيس والصهر والعديل ولبنان القوي والجمهورية القوية والخرزة الزرقة والمصالحة والوسط المستقل والمردة وقلب القرار والتحرير والوفاء والضمانة ووحدة بعبدا ونواب الارمن والكتائب». أضاف: «اعذروني إذا كنت قد نسيت أحداً وممثل فتوش».
تكتل «لبنان القوي» (التيار الوطني الحر وحلفاؤه) أعاد المطالبة بزيادة عدد الوزراء إلى 32 لكي يتمثل العلويون والسريان، لكن موقف الحريري عبّرت عنه عمته بعد انتهاء لقاء كتلة المستقبل مع الرئيس المكلف. فقالت النائبة بهية الحريري إن المطلوب أن تكون ثلاثين أو أقل. عملياً، لن يفتح الحريري على نفسه باباً للريح. فتكريس هذا العرف ليس لمصلحته، ويعطي مجاناً وزيرين لخصومه، خاصة أنه يدرك أن أي وزير علوي لن يكون إلا حليفاً لسوريا، كما أن الوزير السرياني سيكون من حصة رئيس الجمهورية.
مطلب العونيين بالحصول على المالية أو الداخلية قد يكون محقاً، فالتكتل لم يسبق أن نال أياً من هاتين الوزارتين منذ عودته إلى الحياة السياسية، لكن دون ذلك خطوط حمراء لا تنتهي. أوّلها أن حقيبة المالية لن تؤول لغير «أمل»، وإن لم يكشف الرئيس نبيه بري بعد إن كان سيبقى علي حسن خليل على رأسها أو لا. لكن الأكيد أنه صار لأمل وحزب الله تصور واضح لكيفة إدارة الوزارة، ولا سيما استعادة الصلاحيات المنصوص عنها في قانون النقد والتسليف والتي آل الكثير منها إلى حاكم مصرف لبنان بفعل الأمر الواقع.
بعد الاستشارات، كان واضحاً أن «لبنان القوي» يتجنّب الحديث عن عدد الوزراء الذي يريده. وهو، بحسب مصادره، لم يتطرق إلى الأمر في اللقاء مع الحريري. وحساسية الأمر جعلت النائب الياس بو صعب يعترض على خبر أورده الموقع الإلكتروني لتلفزيون LBCI، ويشير فيه، نقلاً عن مصادر التكتل، إلى أنه طالب بستة وزراء يضاف إليهم ثلاثة وزراء من حصة الرئيس، علماً بأن موقع التيار عاد وأورد النفي.
ليس واضحاً إن كان الإصرار على النفي يعود إلى رغبة التيار في ترك أفق التفاوض مفتوحاً، لكن مصادره تؤكد أن الأمر عائد إلى قرار بترك أمور التأليف تسير في إطارها الدستوري، وانتظار التصور الأوّلي الذي سيخرج به الرئيس المكلف لعدد الحقائب وتوزيعها. وبالرغم من أن الوقت لا يزال مبكراً، إلا أن بورصة التوزير عند التيار فتحت، حيث تردد أن من الأسماء المطروحة النواب جبران باسيل وإبراهيم كنعان والياس بو صعب، إضافة إلى رئيس مجلس إدارة بنك سيدروس فادي عسلي (سنّي) ومستشارة وزير الطاقة ندى بستاني.
يستشعر حزب القوات الخطر، خاصة أن «لا مصلحة في استثناء قوة أساسية تمثيلية في الحكومة». لذلك، ومن على منبر مجلس النواب، أعاد جورج عدوان التذكير بورقة النوايا الموقّعة مع التيار، لا سيما من بوابة أن «تمثيل القوات اللبنانية يجب أن يوازي تمثيل التيار الوطني الحر». وأكثر من ذلك، قال: «نحن نتعهد بأن نكون حصة رئيس الجمهورية في الحكومة المقبلة، والجميع يعلم الدور الذي لعبناه في انتخابه». وفيما تُطالب القوات بحصة من 6 وزراء، يرد العونيون بالقول إن حصتها ستكون مساوية لحصة التيار، أي 3 وزراء لكل منهما، على أن يحظى حلفاء التيار الـ11 في التكتل بحصة وزارية أيضاً، فضلاً عن حصة رئيس الجمهورية.
مع ذلك، يبدو الحريري مقتنعاً بأنه قادر على حل مسألة عدد وزراء «القوات»، فيما يبدو أن الأخيرة ستعضّ على الجرح وتتخلى عن نيابة رئاسة الحكومة، التي يتوقع أن تكون من حصة رئاسة الجمهورية، ويمثله فيها نجاد عصام فارس أو الياس بو صعب.
في المقابل، طالب «التكتل الوطني» (المردة وفريد الخازن ومصطفى الحسيني وفيصل كرامي وجهاد الصمد) بمقعدين مسيحي ومسلم، تكون إحداهما سيادية والأخرى خدماتية. كما طالبت كتلة الوسط المستقل بوزارة، على ما قال النائب جان عبيد بعد الاستشارات (تردد أن الرئيس نجيب ميقاتي طرح أسماء عبيد ونقولا نحاس وخلدون الشريف للتوزير، بحيث يحدد الاسم حسب طائفة المقعد الوزاري الذي تحصل عليه الكتلة).
أما الكتائب، فلم يحسم مشاركته في الحكومة، بانتظار تبلور صورتها، علماً بأنه إذا توزّر فسيكون بوزارة دولة. وتمنى عبد الرحيم مراد أن يكون للبقاع الغربي حصة وزارية.
بولا يعقوبيان ما كادت تدخل إلى الاستشارات حتى خرجت. بالكاد اجتمعت مع الحريري لدقيقتين، دعت بعدها إلى تشكيل حكومة مصغرة يكون ربعها من النساء.
أما الحريري، فقال في ختام اليوم الطويل إن «الجميع كان متوافقاً على أن علينا التعجيل في التشكيل بسبب التحديات الإقليمية والاقتصادية التي نواجهها في البلد»، مؤكداً القدرة على الوصول إلى تفاهمات.