صدقت نبوءة كثير من اللبنانيين. المقدم سوزان الحاج خارج القضبان، ولو بعد حين. أمام القضاء اللبناني الضحية والجلّاد سواسية. وتأبى السياسة أن تترك زوجة شقيق النائب هادي حبيش حبيسة بجناية شائنة. استشراف المستقبل هنا سهل. لن يكون هناك سوى حلقة ضعيفة، هو شاب لبناني عمره ثلاثون سنة كان يعمل بالأجرة مقابل ٨٠٠ ألف ليرة شهرياً

من كان يُصدِّق أنّ القرصان الإلكتروني إيلي غبش صديقٌ عزيز لنجل الزعيم الليبي الراحل معمّر القذّافي، هنيبعل القذّافي؟ لقد شاءت الصُدَف أن يتجاور الاثنان معاً في زنزانتين متلاصقتين. يتقاسمان الذكريات والطعام، وأحياناً، الهاتف الذكي في سجن فرع المعلومات في ثكنة المقرّ العام لقوى الأمن الداخلي. الـ«خبير» المتخصص في صدّ الهجمات الإلكترونية واستعادة الحسابات المقرصنة، والذي حوّلته المقدّم سوزان الحاج إلى «قرصان»، يحمل في جعبته الكثير، ولا سيما أنّ السيرة الذاتية لهذا الشاب لا تختلف عن أي شاب لبناني آخر. فماذا كانت نقطة التحوّل التي قلبت حياته رأساً على عقب؟

في قرية صغيرة اسمها «البحيرة»، بين إهدن ومزيارة في قضاء زغرتا، وُلِد إيلي غبش عام ١٩٨٨. في هذه القرية بدأ إيلي العمل في عمر الرابعة عشرة. «صبي أرغيلة» كانت المصلحة التي بدأ بها مشواره المهني، قبل أن ينتقل إلى تصوير الأعراس في العطل الصيفية. تنقّل الشاب «الطيّب والمرِح» كما يصفه عارفوه، بين عدد من المهن. ومنذ صغره، كان مهووساً بالبرمجة، فدرسها لاحقاً في إحدى الجامعات الخاصة، لكنه لم يكمل دراسته، إذ كان يعتبر نفسه ملمّاً بالاختصاص أكثر مما يرد في المناهج. لكنه كان يهتم بالدورات التخصصية في هذا المجال، فخضع لعدد منها، بعضها في مجال أمن الشبكات. عمِل في قناة الـ«mtv» لفترة قصيرة قبل أن يتطوّع في الجيش اللبناني. ارتدى غبش البزة العسكرية لثلاث سنوات، سافر خلالها إلى الولايات المتحدة الأميركية للمشاركة في دورة لخفر السواحل، وتمكن من اجتيازها بتفوّق. يقول أحد أقاربه لـ«الأخبار» إنّ إيلي أُحبِط في المؤسسة العسكرية، فتقدم بطلب تسريحه مرات. «هرب» إيلي من الجيش، وبقي من دون عمل، قبل أن يفتتح متجراً لبيع قطع الكمبيوتر مع أحد أصدقائه. وفي تموز ٢٠١٥، شاهد على مواقع التواصل الاجتماعي جريمة قتل جورج الريف من قبل أحد مرافقي رئيس مجلس إدارة مصرف «سوسيتيه جنرال» أنطون الصحناوي، فقرر «الثأر» من الأخير عبر «إنزال» الموقع الإلكتروني للمصرف عبر تبطيئه. وبالفعل، نجح إيلي في ذلك، لكن مكتب مكافحة جرائم المعلوماتية تمكن من توقيفه ليُسجن نحو شهر. خرج من السجن وبدأ رحلة البحث عن عمل بعد إقفال محلّه جراء تراكم الديون عليه. وفي تلك الأثناء، اتّصلت به المقدم سوزان الحاج، رئيسة المكتب الذي أوقفه، عارضة عليه العمل في «مكافحة جرائم المعلوماتية». لم يكن العرض مغرياً: 800 ألف ليرة شهرياً بدوام عمل رسمي من الثامنة صباحاً إلى الثانية ظهراً. الوظيفة «هاكر»، لكنه سيسجّل عامل تنظيفات متعاقد مع قوى الأمن. عمِل غبش مع الحاج لمدة لا تتعدى ستة أشهر نهاية عام ٢٠١٥ ومطلع العام التالي، قبل أن ينجح في إيجاد عمل كمدير قسم الأمن الإلكتروني في شركة متخصصة في أمن المعلومات. فرصة العمل هذه حصل عليها بالصدفة بعدما تمكن من استعادة ملفات مقرصنة لصاحب هذه الشركة. هكذا ترك غبش «مكتب جرائم المعلوماتية» في قوى الأمن الداخلي، لكنه بقي يتعاون مع سوزان الحاج. كانت تتصل به طالبة إليه العمل على بعض الملفات. كذلك طلبت إليه أن يعمل على استقدام أجهزة تتيح لها التنصّت على كافة أجهزة الدولة. وقد وعدت الحاج غبش بإدارة شركة في دبي تعنى بالتأمين «السايبري» ستدرّ عليهما المال الكثير. لذلك، انكب على إعداد دراسة مفصّلة للأجهزة التي يحتاجها. وفي تلك الأثناء، تمكن من فتح خط للعمل بصفة مخبر سري مع جهاز أمن الدولة. كان يقبض مبالغ تراوح بين ألف دولار وأربعة آلاف دولار عن كل مهمة. كان يزوّد الجهاز بمعلومات عن خلايا إرهابية تعمل لتنظيمي جبهة النصرة و«الدولة الإسلامية».

إيلي غبش كان عسكرياً في الجيش وعمل في القرصنة مع قوى الأمن وأمن الدولة


بعد إطاحة الحاج من منصبها رئيسةً لمكتب مكافحة جرائم المعلوماتية في قوى الأمن الداخلي (مطلع تشرين الأول 2017)، طلبت من غبش، بحسب إفادته، القيام بعدد من الخطوات التي تُظهر أن «الأمن الإلكتروني» في البلاد اهتزّ. طلبت منه، على حد قوله، التواصل مع مجموعة القراصنة الشهيرة «أنونيموس» لإصدار شريط مصوّر يتضمّن تهديداً واضحاً للدولة اللبنانية، فضلاً عن مطالبتها بتنفيذ عدد من الهجمات الإلكترونية. وبحسب المحادثات المضبوطة بين الحاج وغبش، كان الأخير ينصاع لها تماماً. وعندما دعته إلى الإيقاع بالممثل عيتاني، استجاب لها. فبرك الملف، ثم زوّد أمن الدولة بتفاصيله، ليجري توقيف عيتاني يوم 23 تشرين الثاني 2017.
بعد أكثر من شهرين على توقيف الممثل المسرحي، طلب قاضي التحقيق العسكري الأول رياض أبو غيدا من فرع المعلومات توضيح بعض القضايا التقنية في ملف التحقيق مع عيتاني. وبعد التدقيق، توصل محققو «المعلومات» إلى الاشتباه في غبش. أوقفوه، وواجهوه في «الأدلة التقنية»، فاعترف بفبركة الملف لزياد عيتاني، وقال إن الحاج كلّفته. على هاتفه، عُثِر على محادثات وتسجيلات صوتية لمراسلات بينه وبينه الحاج التي أوقِفت نهاية شباط الفائت، ليُطلق سراح عيتاني مطلع آذار.
يوم أمس، صدر القرار الظني في القضية: زياد عيتاني بريء؛ إيلي غبش متهم بفبركة ملف التعامل مع العدو للأول، وسوزان الحاج متهمة بالتدخل بالجريمة المنسوبة إلى غبش. أخلي سبيل الأخيرة، ليبقى غبش، الحلقة الأضعف، خلف القضبان.

المصدر: رضوان مرتضى - الاخبار