يترقّب الجميع داخلياً عودة الرئيس المكلّف سعد الحريري من السعودية التي كان قد سافر إليها مساء أمس الأوّل، وذلك لبدءِ مشاوراته السياسية وتذليلِ العقد من أمام حكومته العتيدة، وأبرزُها عقدة التمثيل المسيحي فيها، الناجمة من الخلاف على الأحجام والأوزان، ومطالبة «التيار الوطني الحر» بحصّةٍ لرئيس الجمهورية منفصلةٍ عن حصّتِه، ومعارضة «القوات اللبنانية» هذا المطلب، متمسّكةً بأن تكون حصّتها موازية لحصّة «التيار». إضافةً إلى العقدة الدرزية في ظلّ إصرار «اللقاء الديموقراطي» على أن يكون صاحبَ التمثيل الدرزي الكامل في الحكومة الجديدة، وتأكيده أنّ له 3 وزراء في حكومة ثلاثينية، فضلاً عن عقدةِ التمثيل السنّي بعد إعلان الحريري عن حصّة جديدة له، غيرِ حصّة تيار «المستقبل». وأخيراً وليس آخراً عقدة المداوَرة في الحقائب وتوزيع الحقائب السيادية.
وفي ظلّ هذه الأجواء طمأنَ رئيس الجمهورية العماد ميشال عون إلى «أنّ لبنان مقبلٌ على مرحلة سياسية متقدّمة بعد إنجاز الاستحقاق الانتخابي وتشكيلِ حكومة من شأنها أن تعزّز الاستقرار السياسي»، وأملَ في أن يتمكّن الحريري «من أن يضمّ في الحكومة كلَّ الأطراف الوطنية للمشاركة في مواجهة التحدّيات المرتقبة».

الراعي

وفي هذه الأثناء، قال البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي من باريس إنّ «مِن أولويات الحكومة المقبلة إجراء الإصلاحات. ولذلك، نطالب بحكومة خارج كلّ الألوان، حكومة تكنوقراط، ولكنّ الاتجاه والظاهر هو حكومة تناتُش مصالح».

المعادلة الثلاثية

وفي خضمّ الاستعدادات للمرحلة السياسية الجديدة وقبل الاتّفاق على طبيعة الحكومة، وعلى رغم تأييد الجميع تأليفَ «حكومة وحدة وطنية» تُجنّب البلاد تداعيات ما يَجري حولها، والاتفاق على مضمون البيان الوزاري، قفزَت إلى الواجهة مجدّداً «المعادلة الثلاثية»، أي «جيش وشعب ومقاومة»، حيث وصَفها «حزب الله» بلسان نائب أمينِه العام الشيخ نعيم قاسم بـ»أعظم معادلة في لبنان»، ورأى «أنّ كثيرين يحاولون تقليدَها ويفشَلون في التقليد، فيضَعون كلماتٍ في المعادلة لا تنسجم مع الكلمات الأصلية، سرعان ما تسقط». وقال: «مهما حاوَلوا أن يتمسّكوا بثلاثية فارغة من المضمون فإنّها ستبقى وينكشِفون، لأن لا قابلية لأن يجوِّفوها بعدما روَتها دماء المجاهدين والشهداء». واعتبَر أنّ هذه المعادلة «أحدثَت توازنَ الردع، والمقاومة جاهزة وتُطوّر إمكاناتها، وهي ركنٌ من أركان المعادلة، والشعب يحتضن ويؤازر وهو ركنٌ ثانٍ، والجيش يَعمل بعقيدة الدفاع عن الحدود وحماية الاستقلال وهو الركن الثالث».

«القوات»

وعارضَت «القوات» مجدّداً هذه المعادلة، مشيرةً إلى أن لا عودة إلى «الثلاثيات». وقالت مصادر فيها لـ»الجمهورية»: «الكلام عن البيان الوزاري سابقٌ لأوانه، فنحن في مرحلة تأليفِ الحكومة وفي مرحلةٍ تستدعي نقاشاتٍ سيتولّاها الرئيس المكلّف بدعمِ رئيس الجمهورية، وحواراً بخلفية إيجابية بنّاءة للوصول إلى تشكيلة تُجسّد تطلّعات اللبنانيين وتعكسُ نتائج الانتخابات». ورأت في «الكلام عن معادلات ثلاثية في هذه المرحلة وكأنّ المقصود منه وضعُ عصيّ في دواليب التأليف»، مشيرةً الى أنّ «البيان الوزاري ينتقل الحديث عنه بعد التأليف مع تشكيل لجنة وزارية تتولّى هذه المهمّة»، وشدّدت على أنه «لن يكون هنالك إمكانية للعودة إلى المعادلة الثلاثية». وقالت المصادر نفسها: «حزب الله» حرّ في أن تكون هذه معادلته، لكنّها لن تكون معادلة الحكومة اللبنانية، بكلّ بساطة، لأنّ الحكومة الحالية لا تتبنّى في بيانها الوزاري المعادلة الثلاثية، وبالتالي لا عودة إلى زمنِ الثلاثيات، بل نحن في زمن التأكيد من خلال البيانات الوزارية على حضور الدولة وفاعليتِها، ويجب على البيان الوزاري المقبل أن يذهب نحو مزيد من تأكيد هذا الدور بعيداً من أيّ عبارات أو نصوص أو جُمل ملتبسة».

«الكتائب»

في هذا الوقت برَزت أمس زيارة رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميّل إلى عين التينة للتشاور مع رئيس مجلس النواب نبيه بري في مواضيع عدة، أبرزُها موضوع اللجان النيابية وتأليفُ الحكومة، متمنّياً على بري إعطاءَ أولويةٍ كبيرة لموضوع اللامركزية الإدارية، ومبدِياً اعتقاده بأنّ «التحدّي الأكبر للحكومة المقبلة هو التحدّي الاقتصادي». سائلاً: «هل يكون لديهم الجرأة لاتّخاذ قرارات صعبة تتعلّق بإقفال مزاريب الهدر والفساد؟».

وعلمَت «الجمهورية» أنّ حزب الكتائب «يخشى الآليات المعتمَدة في تأليف الحكومة، وهي آليّات لا تتّفق مع نصوص الدستور، وتقوم على محاولة ابتكارِ سوابق سرعان ما تتكرّس أعرافاً تُفرِغ الدستور من مضامينه الناظمة لإنتاج المؤسسات وعملِها وصلاحياتها وفاعليتها والعلاقة المتوازنة في ما بينها». ويرى الحزب «في بدعةِ حصّة رئيس الجمهورية التي ألحِقت قبل أيام ببدعة حصّة رئيس الحكومة ومِن قبلها بتكريس بعض الحقائب الوزارية لبعض الطوائف وحرمان أخرى من توَلّيها مؤشّراتٍ إلى أن لا نيّة لدى البعض لتصحيح الأداء السياسي وفتحِ صفحةٍ جديدة يتمّ من خلالها الالتزام الحَرفي بالدستور والتخلّي عن الصفقات والمحاصصات في إنتاج المؤسسات الدستورية، وفي مقدّمها مجلس الوزراء».

وسألَ مصدر كتائبي مسؤول عبر «الجمهورية» عن «المشروع وبرنامج العمل الذي على أساسِه ستتشكّل الحكومة الجديدة وسينضمّ مَن سينضمّ إليها من الموافقين عليه، ويبقى غيرُ المؤيّدين خارجها في صفوف المعارضة». وقال: «ما نَشهده حتى اليوم هو مجرّد عمليةِ محاصصة في غياب أيّ تصوّرٍ عمليّ لمعالجة المشكلات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والحياتية التي يعاني منها اللبنانيون ويَشكون من ذيولها السلبية عليهم منذ سنوات».

أسئلة الوفد الأميركي

وفي غمرةِ هذه التطوّرات، جالَ وفدٌ من النوّاب الأميركيين ضمَّ النائبين داريل عيسى وستيفان لينش وعدداً من معاونيهما، على المسؤولين، فزار بعبدا وعين التينة وقصر بسترس وقائدَ الجيش العماد جوزف عون في حضور السفيرة الأميركية اليزابيث ريتشارد لعرضِ تطوّرات لبنان والمنطقة والعلاقات الثنائية والتعاون بين الجانبَين، خصوصاً في مجال تسليح الجيش اللبناني.

وعلمت «الجمهورية» أنّ الوفد، وبعدما شرَح هدفَ زيارته «الاستطلاعية»، تمنّى أن يسمع من عون رأيَه في التطوّرات وما هو مطلوب من الكونغرس الأميركي تحديداً والإدارة الأميركية عموماً. ووجَّه أسئلةً يمكن اختصارها بالآتي:

• ما هي الظروف التي رافقت الانتخابات النيابية، ومدى ارتياح اللبنانيين إلى شكل القانون الجديد ومضمونه وكيف تعاطى الشعب اللبناني معه؟ وهل أنتَ مرتاح للنتائج التي أفضَت إليها؟

• ما هو شكل الحكومة الجديدة، ومن ستضمّ، وما الذي تريدونه منها بالتحديد؟ وما هي الاستحقاقات التي عليها مواجهتُها؟

• كيف تُقيّمون الوضعَ في الجنوب ودورَ قوات «اليونيفيل»ونظرتكم إلى التوجّهات الإسرائيلية تجاه لبنان والقضيّة الفلسطينية والمنطقة؟

– كيف تتعاطون مع القرارات الدولية الخاصة بلبنان؟ وهل أنتم مرتاحون إلى طريقة تنفيذها؟ وما الذي يَعوق تنفيذ بعضِها؟ وما هو المطلوب لتسهيل أو استكمال تطبيقِها؟

• كيف تنظرون إلى مسار الأزمة السورية وانعكاساتها على لبنان والمنطقة؟ وهل إنّ مبدأ «النأي بالنفس» الذي تعهّدت به الحكومة يُطبَّق ويُعتبَر ساريَ المفعول؟ وفي حال العكس، ما الذي يَعوق تنفيذه؟ وكيف ستتعاطون مع هذا الملفّ في المستقبل؟

وشرَح عون موقفَ لبنان كما عبّر عنه في أكثر من مناسبة محلّية وإقليمية ودولية من ضِمن الثوابت اللبنانية، وقدّم أكثرَ مِن مثال يَدعم وجهة نظره، وخصوصاً في الملفات الإقليمية والدولية.

أزمة كهرباء

مِن جهةٍ ثانية، بدأت تلوح في الأفق بوادر أزمةٍ جديدة هذا الصيف تتعلّق بزيادة ساعات التقنين في التيار الكهربائي إلى مستويات قياسية. وفي وقتٍ استحوَذ ملف الكهرباء على مناقشات وتجاذبات وخلافات طوال فترة الحكومة السابقة قبل أن تتحوّل حكومة تصريف أعمال، يبدو أنّ النتيجة التي سيَجنيها المواطن هذا الصيف هي مزيد من التقنين، وستتراجع معدّلات التغذية من 16 ساعة يومياً، إلى 9 أو 10 ساعات. أي بتراجعٍ يتراوح بين 6 و7 ساعات يومياً. وسببُ زيادة التقنين هذه المرّة لا يرتبط بعدم القدرة على الإنتاج، بل لنقصٍ في التمويل الناتج من سببين، كما يَشرحهما مصدر في مؤسسة الكهرباء لـ»الجمهورية»:
• السبب الأوّل يتعلق بحجم الدعم الذي أقرّته الحكومة للمؤسسة في الموازنة العامة للدولة. وفي حين طلبَت المؤسسة الحصولَ على 2800 مليار ليرة، (نحو 1,8 مليار دولار) أقرّت لها الحكومة فقط 2100 مليار ليرة (حوالي 1.4 مليار دولار).

• السبب الثاني يتعلّق بارتفاع أسعار النفط، إذ إنّ الدعم المطلوب كان على أساس 65 دولاراً للبرميل، في حين ارتفاع السعر اليوم إلى 75 دولاراً.
هذان السببان سيؤدّيان الى تراجعِ التغذية بنسبة لا تقلّ عن 25%.

ويوضِح المصدر أنه كلّما زادت مؤسسة الكهرباء ساعاتِ التغذية وزاد الإنتاج، زادت خسارتها، لأنّها تبيع بأقلّ من سعر الكلفة، علماً أنّ المؤسسة قادرة على تأمين ما بين 20 إلى 22 ساعة تغذية يومياً، في الأيام العادية، أي باستثناء فصل الصيف، في حال أعطيَت الاموال التي طلبَتها في موازنتها، اي 2800 مليار ليرة.

المصدر: الجمهورية