رفض رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميّل المشاركة في حكومة سعد الحريري الثانية. السبب احتجاجه على تمثيله بحقيبة واحدة، ورفضه أن يكون في حكومة تشرع سلاح حزب الله. ما إن غمزته قوى السلطة نفسها، هذه المرة، حتى هرول لتسمية الحريري والتفاوض معه للدخول إلى «حكومة حزب الله»، ولو بحقيبة دولة. أما مطالبة المكتب السياسي الكتائبي بالمحاسبة على ما سبق، فلا مكان لها في قاموس سامي الجميّل: «مصير الكتائب على المحك».

عادة، يكون الرجوع عن الخطأ فضيلة؛ ولكن في حالة رئيس الكتائب النائب سامي الجميّل، يبدو أن الرجوع هذه المرة لن يكون فضيلة. فالأمر أشبه بنسف لـ«النموذج المختلف» الذي أراد الجميّل تقديمه للرأي العام والذي كان السبب الرئيسي وراء استقالة وزرائه من حكومة تمام سلام (باستثناء الوزير المتمرد سجعان قزي). يومذاك، خرج رئيس حزب الكتائب للقول إن الاستقالة «بداية لمسار تغييري شامل في النمط السياسي السائد المبني على الصفقات والمحاصصة والتواطؤ على مصالح الشعب اللبناني». لذلك، اختار معارضة حكومة سعد الحريري (2016) التي عدّها «حكومة صفقات»، صفقات النفط والغاز والكهرباء والنفايات. 

غداة انتخابات أيار 2016، وما إن أقدم رئيس الكتائب على مصافحة رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري في قصر بعبدا، الأسبوع الماضي، حتى شعر بتغيير ما في سياسة رئيس الحكومة و«بروفايله» و«جديته في العمل هذه المرة»، لذا، قرر منحه فرصة ثانية عبر تسميته مجدداً! 
طبعاً، لم يتكبد سامي الجميّل عناء توضيح أسس هذا «التغيير» و«الجدية» للرأي العام الذي كان ينتظر أن يسمع من الفتى الكتائبي ولو مجرد تبرير واحد لما دفعه إلى الارتماء في كنف السلطة السياسية نفسها مجدداً. أين الخطة الاقتصادية والإصلاح السياسي والقضايا البيئية التي ثارت ثائرته من أجلها؟ أين الدعاوى التي تقدم بها ضد النفايات والبواخر التركية والمرفأ والمطامر؟ ما الخرق الذي حققته حكومة الحريري في موضوع مكافحة الفساد أو هذه الملفات كلها حتى يتفاءل الجميّل ويعطيها فرصة ثانية؟ أم أن الأمر برمته كان مجرد استعراض وانتهى مع إسدال ستارة الانتخابات النيابية؟

تبرير فتى الكتائب حاضر دوماً
بسرعة ومن دون «تكويعة»، خفت «نبض» الكتائب. بالسرعة نفسها، نقل الجميّل حزبه من المعارضة إلى الموالاة مجدداً. أول الغيث، تسمية الحريري الذي سبق له أن «طعنه» على ما قال في إحدى المقابلات الانتخابية المتلفزة والذي «خيب ظنّ الرأي العام» وترأس «كارتيل محاصصات». أما الخطوة الثانية، فهي السعي للتمثل في الحكومة المقبلة. اللافت للانتباه هنا أن الجميّل رفض الدخول إلى حكومة تشرّع سلاح حزب الله وتخضع له كما رفض الفوز بحقيبة وزارية واحدة (2016)، علماً بأن حكومة الحريري السابقة كانت تحافظ على الحد الأدنى من التوازن بين قوى 8 و14 آذار. ولكنه اليوم يهرول للمشاركة في وزارة يسميها البعض «الحكومة الطابشة لمصلحة حزب الله وحلفائه»، ويرتضي التمثل فيها بحقيبة دولة! 
التبرير الكتائبي حاضر دوماً. ففي اجتماع المكتب السياسي يوم الاثنين الماضي، لمّح سامي إلى قبوله بحقيبة دولة إذا كانت تُعنى بمكافحة الفساد، ومن هذا المنطلق، بدأ والده أمين الجميّل التوسط له عند الحريري لعقد لقاء بين الاثنين عند عودة الأخير من السعودية، وفق معلومات أشارت أيضاً إلى أن الجميّل الابن تواصل مع القائم بالأعمال السعودي وليد البخاري قبيل سفر الأخير إلى الرياض قبل يومين لهذه الغاية، بأمل أن ينال الكتائبيون اهتمام المملكة كما هو حال حزب القوات اللبنانية.

يسعى أمين الجميّل لترتيب لقاء لابنه مع سعد الحريري فور عودته من السعودية


وسط ذلك كله، لم يشعر الجميّل الابن أن عليه تقديم اعتذار لأحد، لا للكتائبيين الذين يُحيون ثمانين حزبهم بثلاثة نواب على طريقة الأحزاب المناطقية، ولا الاعتذار للرأي العام الذي ضلله بالحديث عن «ثورة على الفساد» و«مسار تغييري شامل في النمط السياسي». 

مصير الكتائب «على المحك»
طبعاً قوبل طلب البعض بمحاسبة القيادة المركزية والقيادات المناطقية (الأقاليم) على سوء إدارتهما للملف الانتخابي، بالإنكار. وفق سامي الجميّل، لم يحصل أي تقصير قيادي حتى تجري المحاسبة عليه. الحق هنا على الشعب، هذا الشعب الذي لا يفهم على الجميّل، ولا يحسّ بنبض حزبه، ولا يقف تحت شباك قصره في بكفيا ليهتف له «بالدم بالروح نفديك يا سامي». بحسب المجتمعين، قال الشيخ سامي إن الشعب «لم يتفهم طروحاته». أعطى الدليل: «عندما طرحنا موضوع مكافحة الفساد، لم يتجاوب معنا أحد، ولكن عندما تحدث به نصرالله (الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله) بات حديث البلد والسياسيين وتبناه الجميع». رأى البعض من المشاركين في الاجتماع أن ما سبق يؤكد أن الخطأ فينا وبطريقة تقديم طروحاتنا وقضايانا، إلا أن ذلك لم يقنع سامي الجميّل. 
لا ضرورة لمحاسبة أحد و«تلهي بعضنا ببعض»، فاليوم مصير الكتائب «على المحك، ويجدر بنا الاهتمام بالوضع اللبناني والأخطار التي تهدد الوطن»، قال لهم. تغاضى رئيس الحزب عن ذكر السبب الرئيسي وراء وصول الكتائب إلى الوضع الأسوأ لها منذ عشرات الأعوام وخسارتها لجزء كبير من جمهورها واجتذاب القوات اللبنانية للجزء الآخر. وحده ساسين ساسين الذي يتزعم فريق المعارضة الكتائبية ويلتف حزبيون وقدامى من غير الموافقين على استراتيجيات سامي الجميّل حوله، علّق على كلام الرئيس من دون أن يجد جواباً شافياً: «عندما كنا نطرح الموضوع الوطني في السابق، كنت تعارضنا بالقول إن القضايا البيئية والسياحية أهم، فما الذي تغير اليوم لتنقلب الموازين والأولويات؟».



الأمين العام: أنا آخر من يعلم!
في موضوع محاسبة رؤساء الأقاليم والحزبيين الكتائبيين الذين عملوا في الانتخابات النيابية لمصلحة الخصم، لا لمصلحة مرشح الكتائب، أكد رئيس الكتائب سامي الجميّل خلال اجتماع المكتب السياسي الأخير أنه «يعالج أمور رؤساء الأقاليم بواسطة الأمانة العامة للحزب». إلا أن الأمين العام رفيق غانم رفض تحمل المسؤولية، معللاً السبب بأنه كان «آخر من يعلم بكل شيء، ولكنه آثر الصمت قبيل الانتخابات النايبية عن التجاوزات بحقه، ولا سيما تشكيل أمانة عامة رديفة قوامها فريق سامي الجميّل وبادرت إلى اتخاذ القرارات على هواها»، فأعاد الجميّل الحديث عن ضرورة عدم جلد الذات في هذا الوقت الحساس. اعترض البعض وبدأت المناوشات داخل الصالة، وانتهت الجلسة تماماً كما انتهت سابقاتها: «يستكمل النقاش في الجلسة المقررة نهار الاثنين المقبل».

المصدر: رلى ابراهيم - الاخبار