فوّت النواب «السنّة» المعارضون لتيار المستقبل، فرصة حصولهم على وزيرين من طائفتهم في الحكومة الجديدة. عدم تكتّلهم، ولو ظرفياً، ضمن إطارٍ واحدٍ، وعدم رغبة سعد الحريري في «الاعتراف» بحجم خصومه، سيؤدي إلى أن ينال المعارضون لتيار المستقبل حقيبةً واحدةً
لم يكن ينقص سعد الحريري، الخارج من «مصاب» الانتخابات النيابية الأليم، سوى مُعضلة التمثيل السنّي في الحكومة الجديدة. لم يعد رئيس تيار المستقبل «مايسترو» هذا «الشارع» وحده، بل بات هناك من يُشاركه التاليف والجمهور. وكما كانت النسبية في «النيابية»، ستكون التشكيلة الحكومية «نسبيّة» أيضاً.
هناك اليوم أربع قوى أساسيّة، تُريد حصّة لها في المقاعد الستّة، المُخصّصة للطائفة السنّية: الرئيس ميشال عون، رئيس الحكومة، تيار المستقبل، رئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي، وفريق 8 آذار. يُدلّل ذلك على أن العقدة السنية تعتبر من أبرز العقد في طريق التأليف الحكومي، ولا سيّما في ظل صعوبة تلبية مطالب جميع الأحزاب والشخصيات السياسية، بالنظر إلى حجم الحصص التي يُطالبون بها، وعدم قدرة رئيس الحكومة على توزيع هدايا من هذا الصنف تحديداً.
بات محسوماً أنّ رئاسة الجمهورية «حجزت» من ضمن حصّتها، مقعداً «سنّياً». إذا تمّ الأمر، سيكون بالمُبادلة مع الحريري، بحصول الأخير على حقيبة من الحصّة المسيحية. تبقى عندئذ أربعة مقاعد (إذا لم يُحتسب مقعد رئيس الحكومة)، ستجرى عليها القُرعة ويتنافس عليها: تيار المستقبل وفريق 8 آذار ونجيب ميقاتي.
يرفع فريق 8 آذار سقف مفاوضاته الى حدّ المُطالبة بحقيبتين من الطائفة السنّية لفريقه السياسي. هذه نقطة كانت في صلب اللقاء الأخير الذي عقد بين الرئيس نبيه بري والأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله. لا ينفي ذلك أن ثمة إدراكاً مُسبقاً بأنّ «الواقعية» السياسية لن تسمح لهذا الفريق سوى بحقيبة واحدة.
أما نجيب ميقاتي، فلم يفرض شروطاً على رئيس الحكومة المُكلّف سعد الحريري، بما يتعلّق بنوعية الحقيبة و«هوية» شاغلها. إلا أنّ صاحب الـ 21 ألف صوت تفضيلي في دائرة الشمال الثانية، سيكون بالتأكيد أكثر «ارتياحاً» مع شارعه في طرابلس، لو استطاع انتزاع حقيبة «سنّية». حصول «8 آذار» على حقيبة، وميقاتي على حقيبة، يعني أنّ «المستقبل» لن ينال سوى حقيبتين، يُضاف إليهما منصب رئاسة الحكومة وحقيبة «مسيحية»، فتكون حصّته أربعة وزراء. يبدو ذلك «منطقياً»، إذا ما جرى اعتماد معيار وزير لكلّ خمسة وزراء في التكتل الواحد. ولكن، عملياً، يصعب تخيّل الحريري «يُخسّر» نفسه نصف المقاعد المُخصصة للطائفة السنّية، بعدما أضعفت الانتخابات النيابية تمثيله في هذه «البيئة». هناك من يقول إنّ من «غير الممكن» أن يوافق الحريري على هذه التركيبة (3 وزراء سنّة: رئيس الجمهورية، 8 آذار، ميقاتي). ليس فقط لأسبابٍ سياسية، فالحريري يريد أن يكون له تمثيل وزاري «سنّي» مُتنوع جغرافياً. لذلك، وفي ظلّ تمسّك 8 آذار بوزير «سنّي» من حصتها (النائب فيصل كرامي هو الأوفر حظّاً)، وعدم وجود «ممانعة» من قِبَل الحريري على هذا الطرح، لن يبقى «كِبش فداء» سوى نائب طرابلس الأول نجيب ميقاتي.
خلال لقائهما بعد تكليف الحريري تشكيل الحكومة، قال ميقاتي لـ«زميله» في نادي رؤساء الحكومات إنّه يُريد حقيبة «بَيِّض فيها وجّي بطرابلس». ردّ رئيس الحكومة بأنّه يُريد أيضاً «تبييض وجهه في طرابلس» (سيختار إمّا ريّا الحسن أو مصطفى علوش، مع أرجحية للحسن).
يتردد أن ميقاتي عَرَض ثلاثة أسماء، لتولّي حقيبة في الحكومة الجديدة: جان عبيد (ماروني) أو نقولا النحاس (أرثوذكسي) أو خلدون الشريف (سني)، من دون أن يُرجّح أحدهم على حساب الآخر. تَرَك الحُريّة لرئيس الحكومة، ولو أنّه ضمنياً، «مُتفائل» بأنّ حصّته ستكون من المقاعد السنّية. وقد تزامن ذلك، مع بدء ترويج البعض أنّ من «مصلحة الحريري أن يأتي بوزيرٍ سنّي محسوب على ميقاتي، لحسابات محلية وإقليمية، ولقطع الطريق أمام توزير شخصية سنّية محسوبة على فريق 8 آذار». ولكن، هل سيسمح الحريري بإدخال «الدبّ إلى كرمه»؟
يُعتبر ميقاتي أقوى خصوم الحريري على «الساحة السنّية»، مادياً وسياسياً ونفوذاً (محلياً وعربياً ودولياً). هو المُنافس الأول إلى موقع رئاسة الحكومة. وصاحب الامتياز الأكبر في مدينة طرابلس، التي يُريد الحريري استعادة «مَجد» تياره فيها. قد يلتقي الرجلان مرّات عديدة، ويتفقان على «وحدة الصفّ»، والتعامل بينهما «بإيجابية». وقد يُعيد الحريري «الاعتراف» بأنّ ميقاتي هو «خير من يُمثّل طرابلس». ولكن لا يُلغي ذلك أنّهما عند أول منعطف سيجدان أنهما يخوضان معركة وجودية بينهما. الحريري، الذي يسعى دائماً إلى إنكار وجود ميقاتي تمثيلياً، أهون عليه «تجرّع» كأس وزير محسوب على 8 آذار (نموذج كرامي)، من أن يهب مفتاحاً خدماتياً لميقاتي، يُعزّز من خلاله زعامته الطرابلسية ولاحقاًَ الشمالية. تعويل ميقاتي هو على دعم سعودي، «يفرض» على الحريري تسمية وزير «سنّي» له. رهان على الأرجح سيكون ضعيفاً لعدم وجود مؤشرات على «حماسة» سعودية تجاه ميقاتي (سوى الحماسة اللفظية التي يعبر عنها نزار العلولا ووليد البخاري)، أو نيتها خوض معركة مع سعد الحريري كرمى عيون نجيب ميقاتي.
تتمسّك 8 آذار بوزير سنّي من حصتها، وفيصل كرامي هو الأوفر حظّاً
في حال سارت الأمور وفق هذا المنحى، سيحصل ميقاتي على وزير من الحصّة المسيحية. ولكن هنا أيضاً، تتبدى معضلة من نوع آخر. عقدة التمثيل المسيحي داخل الحكومة، والصراع بين التيار الوطني الحرّ والقوات اللبنانية وتيار المردة، يُضيّق فرص «تفلّت» مقاعد من خارج هذه التركيبة. يُضاف إلى ذلك، الحصّة التي سيحصل عليها رئيس الجمهورية. وتمثيل الحزب السوري القومي الاجتماعي، الذي لن يقبل فريق 8 آذار بتغييبه عن الوزارة، كما أنّ هناك إصراراً على أن يتمثل من الحصة «المسيحية»، انسجاماً مع هوية نوابه الثلاثة الطائفية (أرثوذكسيان وكاثوليكي). ما الحلّ؟ لا يستبعد مُطلعون على الملف الحكومي أن يؤدّي ذلك إلى عدم تمثيل ميقاتي بأي وزير في حكومة العهد الأولى.
هل في هذه الحالة، سيقيم نجيب ميقاتي الدنيا ولا يقعدها احتجاجاً على عدم تمثيله حكومياً؟
من يعرف الرجل يدرك أنه ربما يكون ضمنياً أكثر ارتياحاً لو لم يتمثل وزارياً. أقله يتحرر من عبء الموالاة، ويذهب للعب في ملعب الاعتراض الأحب إليه في مواجهة الحريرية السياسية. هذه المرة، تحرر نيابياً وأثبت نفسه بنفسه، وبالتالي، يريد أن يبدي حرصه على موقع رئاسة الوزارة، أياً كان من يحتلها، من زاوية التشبث بالصلاحيات من جهة، والمزايدة سنياً من جهة ثانية، من دون أن يوفر الحكومة، أقله في ملاحقة مطالب طرابلس والشمال الإنمائية، أخذاً بالاعتبار أنه في هذه المرة سيكون مطالباً بالإنجاز من جمهوره، وهو الذي يحتل أربعة مقاعد من أصل ثمانية مقاعد في عاصمة الشمال.
التنوع الذي أنتجته الانتخابات النيابية، على صعيد التمثيل داخل الطائفة السنّية، وفوز عشرة نواب لا يدورون في فلك تيار المستقبل، كان من المفترض أن يؤدّي تلقائياً إلى أن تضمن «مجموعة الـ 10» مقعدين وزاريين في الحكومة الجديدة. إلا أنّ سوء الإدارة السياسية للملف الحكومي من قبل الفريق المُعارض للتيار الأزرق، وانقسامه إلى مُعارضات عدّة عِوض التوحد في تكتّل واحد، سيدفعه إلى «تطيير» هذه الفرصة، والخروج بمقعد واحد!
أوجيرو تدفع راتباً لمحكوم في روميه!
في أيلول 2017، حكمت المحكمة العسكرية على أحمد الأسير وسبعة آخرين بالإعدام، على خلفية أحداث عبرا التي أدت إلى استشهاد 18 عسكرياً من الجيش اللبناني. كذلك حكمت على عشرات آخرين بالسجن في مدد تتراوح بين 5 و15 عاماً. من بين الأسماء خالد الديماسي الذي حكم بالسجن لسبع سنوات.
الديماسي ليس سوى مسؤول قطاع الآليات في هيئة أوجيرو، الذي سبق لمخابرات الجيش أن ألقت القبض عليه في شباط 2017، لمشاركته في أحداث عبرا.
بعد سنة وأربعة أشهر على توقيفه ونحو ثمانية أشهر على صدور الحكم بسجنه، لا يزال مطمئناً إلى أن راتبه في أوجيرو يصل إلى حسابه المصرفي كأن شيئاً لم يكن. هذا ما تؤكده ورقة الراتب (pay slip) التي انتشرت أمس بين موظفي الهيئة، وتشير إلى تقاضيه 9 ملايين و326 ألف ليرة راتباً عن شهر أيار، تشمل أصل الراتب ورواتب سابقة وبدل اختصاص ومساعدات مرضية. لم يتضمن الراتب بدل نقل، لأنه على ما يبدو لم يتمكن ديماسي من الانتقال من سجن روميه إلى مركز عمله في بئر حسن.
وقد كان لافتاً أن رئيس مجلس إدارة أوجيرو عماد كريدية قال رداً على سؤال لـ«الجديد»، إن الرواتب تعدّ تلقائياً عبر النظام الإلكتروني، ولا يمكن إيقافها إلا بعد صدور قرار قضائي. لكن الحكم القضائي صدر منذ مدة، والديماسي يقضي عقوبته في السجن، لكن الراتب لم يتوقف.