يضرب التلوث الشاطئ اللبناني بمجمله. وفي ظل التردّي البيئي المستمر، يصبح إعلان مناطق «خالية من التلوث» و«صالحة للسباحة» ضرباً من المغامرة!

من الصعب، في بلد كلبنان تكثر فيه مصادر التلوث وتقلّ فيه الدراسات الدقيقة والدائمة، تحديد الأماكن الصالحة للسباحة او للصيد البحري، وإعلانها «مناطق خالية من التلوث».

ويمكن الجزم بأن نوعية مياه الشاطئ اللبناني لم تتغيّر منذ صدور آخر دراسة شاملة (منشورة) عن مركز علوم البحار عام 2015، وبأن نسبة التلوث زادت في أماكن ملوثة اصلاً، مثل برج حمود و«كوستا برافا»، اي في مواقع ردميات ومكبات النفايات.
ومن دون حاجة الى اخذ عينات جديدة، يمكن الجزم أيضاً بأن نسب التلوث عالية جداً في القسم الاكبر من الشاطئ اللبناني البالغ طوله 220 كيلومتراً. وأن حجم التلوث يزداد قرب المدن الساحلية الكبرى (طرابلس، بيروت، صيدا، صور...)، حيث يسكن اكثر من ثلث اللبنانيين، وحيث تجرى 70% من النشاطات الصناعية الزراعية والسياحية والإقتصادية على الشاطئ اللبناني.
صحيح أن التلوث الكيميائي، وهو الأخطر لما يتضمنه من معادن ثقيلة مثل الزئبق والرصاص والكادميوم، يترسّب في أماكن معينة قريبة من المصانع ويدخل في الكائنات البحرية (النباتات والحيوانات)، ما يمكن معه وصم هذه المناطق بأنها الأكثر تلوثاً. إلا أن التلوث العضوي والبكتريولوجي، وهو الأكبر، قادر على الانفلاش إلى مناطق بعيدة جداً عن مصادره عبر التيارات البحرية. أولاً لأن هذه المواد قابلة للتفكك والتحلل والانتشار، وثانياً بسبب الحجم الكبير غير المعالج لهذه المواد. إذ يصب اكثر من 80% من المياه المبتذلة في البحر مباشرة من دون أي معالجة، او غير مباشرة عبر محطات لا تعمل جيدا كمحطة الغدير. بالتالي، يصبح تحديد أماكن خالية من التلوث وصالحة للسباحة أمراً في غاية الصعوبة، بل ويقترب من الاستحالة.

حرارة وملوحة
يتركّز التلوث الكيميائي (وهو أخطر من التلوث البكتريولوجي الناجم عن المياه المبتذلة) في المناطق الصناعية والمرافئ ومكبات النفايات وأماكن تخزين النفط والفيول. وقد حدّد مركز علوم البحار 30 نقطة على طول الشاطئ اللبناني من العريضة إلى الناقورة لدراستها، وعمل الباحثون على زيارة هذه الأماكن شهرياً وأخذ عيّنات من المياه والتربة والأحياء البحرية، وقياس درجة الحرارة ونسبة الملوحة ومعدلات العناصر والحموضة... الخ.
وقد اكدت نتائج الفحوصات والتحاليل للعينات ان التلوث الكيميائي يتركّز في المرافىء الكبرى (طرابلس، بيروت، صيدا، صور) وسلعاتا والذوق والدورة ومقابل مصبّ نهر القاسمية. في هذه المناطق، تتراكم المعادن السامة في التربة والنبات، وتتسلل إلى الأحياء البحرية... لتعود وتنتقل الى دورة الانسان الغذائية مع تناوله للأسماك وثمار البحر. في المقابل، ترتفع نسبة التلوث العضوي بشكل كبير على شواطئ المدن الساحلية عند مصبّات مياه الصرف الصحي. وأكثر أنواع التلوث شيوعا في هذه المناطق «البكتيريا العقدية» التي تتسبب بمشاكل في الجهاز الهضمي من خلال بلع المياه ما يؤدي إلى الإسهال ويتسبّب بحكّة وطفرة جلدية وحساسية واحمرار في العيون.

وأظهرت النتائج أيضاً ارتفاع حرارة مياه البحر درجة ونصف درجة مئوية في السنوات الثلاثين الأخيرة، ما يسفر عن ارتفاع نسبة الملوحة. ويؤدي ذلك إلى استيطان أنواع جديدة من الأحياء البحرية على حساب أخرى. فعلى سبيل المثال، بدأ منذ نحو عشر سنوات ظهور سمكة النفيخة مقابل الشواطئ اللبنانية (موطنها الأساس مياه البحر الأحمر والمحيط الهندي)، وهي سمكة سامة تتغذى على اليرقات والحيوانات البحرية. كما سجل منذ نحو عشرين سنة تكاثر قناديل البحر التي تفرز مواد تتسبب بحكّة جلدية. كذلك ظهرت الدلافين، خصوصا مقابل مدينة بيروت حيث تكثر الأحياء البحرية التي تتغذّى عليها، وحيث تزيد حركة الملاحة التي تشجّع الدلافين على التواجد كونها مصنّفة كائنات «اجتماعية».

المصدر: حبيب معلوف - الأخبار