تحلّ الذكرى الثالثة لتوقيع «إعلان النوايا» في معراب بين «القوات اللبنانية» و»التيار الوطني الحر» على وقعِ سجالات حادة بينهما، في وقتٍ تشهد العلاقة السياسية، وكذلك الشخصية بينهما إعلانات مبطّنة لـ»نواياهما الحقيقية» تجعل ممّا كان أعلِن في معراب «نوايا وهمية»، فيما يدور في الكواليس حديث عن «ورقة تفاهم سرّية» أساسية وقَّعها الطرَفان وتُلوّح «القوات» بالكشف عنها. فهل تكشفها ومحضرَها قريباً ؟

دخلت كتلة «القوات اللبنانية» مطلع الأسبوع المنصرم إلى المجلس النيابي للقاء رئيس الحكومة المكلّف سعد الحريري، في إطار استشاراته لتأليف الحكومة، وتشاورَت معه في ما يستحقّ لها من مقاعد وزارية وحقائب، متسلّحةً بعدد نوّابها وأشياء أخرى…

فما هي تلك الأشياء الأخرى؟ وعلام تتّكل «القوات» في خوضِ غمار الاستحقاق الحكومي؟

تقول مصادر قريبة من «القوات» إنّ عوامل عدة ساعدتها على تحقيق فوزِها النيابي الذي ما زالت آثاره تتفاعل سلباً عند بعض الأفرقاء السياسيين غيرِ الراضين بهذا الفوز والرافضين مقاربة تمثيلها النيابي حكوميّاً مقارنةً مع حصصِهم، نتيجة إصرارهم، وتحديداً «التيار الوطني الحر»، على عدم الإقرار بالنتيجة، وإعلان نياتِه جهراً أي عدم قبوله التخلّي عن وزارات سيادية لـ»القوات» أو حتى لغيرها، متّخذاً قراراً استباقياً بضرورة تخصيص طوائف الأقلّيات بحقائب سيادية لقطعِ الطريق على «القوات» وإطاحة «إعلان النوايا»، حتى ولو ظهَرت إلى العلن «ورقة تفاهمٍ سرّية» أُخرى ممهورة بتوقيع «عوني» محض، إذ إنّ النظرة العونية إلى الورقة، تنطلق من مقولة «الغاية تبرّر الوسيلة».

ويبدو أنّ «نوايا» التيار الوطني الحر متّجهة إلى قطعِ الطريق، ليس فقط على «القوات»، بل على غيرها من أقطاب بارزة في الطائفة الدرزية، كذلك الإطاحة بأيّ أملٍ لأقطاب أخرى حليفةٍ له، بالتوزير، حتى من داخل تكتل «لبنان القوي»، أو حتى من أقرب القريبين الذين بدأوا يحتجّون ويعترضون علناً بعدما كانوا يَهمسون.

وتؤكّد مصادر قريبة من «القوات» أنّ ردّات فِعل الوزير جبران باسيل التصاعدية في وجه «القوات» مردُّها إلى مفاجآت ثلاث:

1 – تفاجؤ باسيل بالحجم الشعبي لـ»القوات» وعدم تقبّلِه الأمرَ الواقع، بدليل هجومِه عليها في اليوم الأوّل لصدور نتائج الانتخابات، بدلاً من تهنئتها.

2 – تفاجوء باسيل بردّ فِعل الحريري الذي سارَع إلى بدءِ حملة تطهير في تيار «المستقبل» إستهلّها بمدير مكتبه وإبنِ عمّتِه نادر الحريري الصديق الأكبر الشخصي والسياسي لباسيل وكاتم أسرارِه على صعيد تنظيم الملفات السياسية الداخلية والتركيبات المستقبلية، معتبراً أنّ «القوات» وليس فقط «الجهات الخارجية « لها اليد الطولى في قرار الحريري.

3 – تملمُل باسيل من عودة العلاقات شِبه طبيعية بين «القوات» و»التيار الأزرق» بعد محاولاته المتعددة، حسب المصادر، للتفريق بينهما، مستغلّاً الأزمة التي نشأت بين الحريري والسعودية، وإقناعه بتورّطِ «القوات» مباشرةً فيها.

و«القوات» تُصعّد

في المقابل تُصعّد «القوات اللبنانية» عبر وسائلها الإعلامية ضد «التيار الوطني» و»سيّده» مباشرةً، متّهمةً باسيل بـ»الانقلاب»، واصفةً إياه بـ»الشخصية الإلغائية»، غير آبهةٍ لتزعزُعِ «تفاهم معراب» في ذكراه الثالثة ولا لسقوط «شعرة معاوية» ولا لسقوط «ورقة معراب».

وتلفتُ المصادر القريبة من «القوات» إلى «الوضع الناشئ داخل «التيار الوطني الحر» الذي يفرض على رئاسته الاهتمام به أكثر من اهتمامها بفتح معارك حكومية جديدة بعد النيابية مع «القوات». وتكشف المصادر في هذا السياق «وقائع رقمية وإحصاءات أظهَرت تراجُع شعبية التيار، منها على سبيل المثال لا الحصر نتائج الانتخابات في دائرة بعبدا وتراجُع شعبية «التيار»، إذ منح 2000 منتسب إليه أصواتَهم لمرشّح «القوات» بيار أبي عاصي، وفي هذا مؤشّر معنوي مهمّ للفريقين يجب التوقّف عنده».

إحصاءات جديدة

وفي مجال الإحصاءات الرقمية تكشف مصادر مواكِبة لعمل الماكينة الانتخابية «القواتية» عن واقعٍ مسيحي إحصائي جديد يدلّ إلى أنّ «التيار» ومسيحيّي 8 آذار يشكّلون الآن 50 % حدّاً أقصى من الشارع المسيحي، وكون أنّ «التيار» هو الرافعة الأكبر في غالبية المناطق لهذا التكتّل المسيحي لـ«فريق 8 آذار»، في الوقت الذي كان حجمَه يوازي جميع الأقطاب المسيحية مجتمعةً في فريق 14 آذار.

في المقابل أصبح حجم «القوات» مسيحياً اليوم موازياً بمفرده لحجمِ «التيار» بمعزل عن الأفرقاء المسيحيين الآخرين داخل تكتّل 14 آذار، ما يدلّ إلى تراجُع «التيار الوطني الحر» مسيحياً وتنامي حجم «القوات»، من دون إغفال تيار «المردة» الذي يحافظ على شعبيته ويبلغ دعمه المسيحي لفريق 8 آذار نحو 27 ألف صوت في زغرتا، وألف صوت في البترون وخمسة آلاف صوت في الكورة، أي أنّ تيار «المردة» يؤمّن 33 ألف صوت مسيحي من كافة المناطق لفريق 8 آذار، حتى لو احتُسب أنّ العدد الأكبر من الأصوات المسيحية في هذا الفريق هو في يد التيار الوطني الحر».

وتكشف المصادر نفسُها «أنّ «القوات اللبنانية» شكّلت وحدها 34 % من إجمالي اقتراع المغتربين في الخارج مسيحيّين ومسلمين (أي الثلث) وأنّ تأثيرَ الاغتراب في ما لو لم يصوّت لكانت النتيجة نفسها بالنسبة الى «القوات»، لأنّ أصواته كانت موزّعة على كلّ الدوائر ولم تؤثّر بالنتيجة النهائية». ويبدو أنّ «القوات» اليوم، استناداً إلى واقعها المسيحي الجديد، وإلى الأرقام، ولتأكيد استحقاقها المقاعد الخمسة الوزارية والحقيبة السيادية ضِمنها، توجّهت الى رئيس البلاد و»نصَحته» باعتماد «الثنائية المسيحية» في مسيرته المستقبلية أسوةً بـ«الثنائية الشيعية» التي أظهَرت نجاحها وفعاليتَها في الداخل والخارج.

وقد غَمزت «القوات» من قناة عون بعد خروجها من جلسة الاستشارات مع الحريري في مجلس النواب، عندما أعلنَت أنّها «من حصّة الرئيس» في الحكومة في حال تمّ تخصيص الرئاسة بالمقاعد الوزارية المستحقّة، وقد أرادت «القوات» بهذا «الغمز» تفاديَ السقطةِ الأخيرة لـ»التفاهم السرّي» بينها وبين التيار في معراب».

وفي المقابل يَهمس البعض أنّ «القوات» تستند إلى دعم الخارج أيضاً وتنتظر موقفَ الحريري قبل اتّخاذ قرارها بالمواجهة والمعارضة أو بالشراكة، في وقتٍ يلمس عدد من زوّار معراب إصراراً قواتياً على «احترام تمثيلِها وحتميتِه» في الحكومة الجديدة، والذي سيكون أكثرَ فعاليةً في نظرها، فمِن مصلحة جميع الأفرقاء أن لا تكون «القوات» خارج الحكومة أو في المعارضة، لأنّ لبنان أثبتَ أنه بلد التوازنات.

وعن نشرِ «الورقة السرية» الموقّعة بين «القوات» و«التيار»، تقول مصادر متابعة «إنّ القوات ليس من مصلحتها في المرحلة الحالية إظهار هذه الورقة، وفي حال «فعَلتها» فلن تكون الخطوة سهلةً عليها لأنّها تعني خطوة «اللاعودة» وكسر الجرّةِ مع العهد». وتؤكّد هذه المصادر أنّ «مصلحة «القوات» هي في الإبقاء على الحدّ الأدنى من التفاهم المسيحي ـ المسيحي بعد كلّ ما تحقّق».

بَيد أنّ مصادر «قواتية» هدّدت في أروقة المجلس النيابي بأنّه «سيكون لـ«القوات» حديثٌ آخر في حال لم تُنصَف حكومياً»..

فهل تدفع «القوات» تلك «الورقة السرّية» الموقّعة بينها وبين «التيار» في معراب إلى العلن؟ ومتى؟

المصدر: مرلين وهبة – الجمهورية