تبدو المؤشرات في طريق الاكتمال نحو صياغة السطور الأساسية في التسوية التي سترسم مستقبل انتصار سورية وحلفائها، مع الموافقات الأميركية و»الإسرائيلية» والسعودية، على سحب المسلحين وإلغاء سياسات مناطق الأحزمة الأمنية جنوب سورية وصولاً للموافقة على تفكيك قاعدة التنف الأميركية، وانتشار الجيش السوري حتى حدود الجولان المحتلّ والحدود مع الأردن. وتقول مصادر مطلعة إنّ هذه التسوية سيصير تكرارها ممكناً شمالاً، حيث الأميركي وحده في الشمال الشرقي مع الخصوصية الكردية، وحيث أعلن الرئيس السوري بشار الأسد الاستعداد للتفاوض قبل اللجوء إلى القوة، ولا وجود هناك لمفاعيل التعطيل السعودي ولا لحضور الأمن الإسرائيلي كما هو حال الجنوب. وفي المقابل في الشمال الغربي سيكون طبيعياً تفكيك الحالة التي ترتبط بالأتراك ووجودهم مع التسويات المشابهة التي ستنهي الاحتلال الأميركي ومشروع الانفصال الكردي، بينما يجري السير بصيغة لجان سوتشي للحلّ السياسي كمدخل لحكومة موحّدة في ظلّ الرئيس السوري والجيش السوري عنواناً للسيادة والوحدة في سورية، تمهيداً لدستور جديد وانتخابات تقوم على أساسه. وسيترك للذين شنّوا الحرب على سورية أن يحتفلوا بهزيمتهم وهم يقولون لقد منعنا الإيرانيين وحزب الله من بلوغ الحدود، كأنّ هذه كانت قضية الحرب قبل ثماني سنوات على الجيش والدولة والرئيس في سورية وجاء الحلفاء للمساندة حيث يستدعي الأمر عملاً عسكرياً. سيحتفل أعداء سورية بهزيمتهم بنصر وهمي صُنع لهم كما تحتفل بعض الجماعات المسلحة بأنّ انسحابها اشترط تغيير لون الباصات واستبدالها بباصات بلون آخر.
وزير الخارجية السوري وليد المعلم الذي أكد أن لا تسوية في الجنوب، طالما بقيت قاعدة التنف الأميركية. وهي القاعدة التي توفر الدعم للجماعات المسلحة في الجنوب وتقطع طريق دمشق بغداد، فيما تولّى إيضاح القانون رقم عشرة وتبديد الهواجس التي أطلقت حول علاقته بملف النازحين، مؤكداً أنّ نطاق القانون محدود لجهة مهل تأكيد الملكيات بخصوصية حالة فقدان السجلات العقارية التي أتلفتها وعبثت بها الجماعات المسلحة، والإثبات متاح لكلّ صاحب حق ولأقاربه من الدرجة الرابعة إذا تعذّر عليه الحضور.
لبنانياً، تفاعلت الانتقادات المتصلة بمرسوم التجنيس، وتداخلت الكيدية السياسية وتسجيل المواقف من الذين وجدوا في القضية فرصة للنيل من رئاسة الجمهورية رغم أنّ توقيعَي وزير الداخلية ورئيس الحكومة بحكم توافر الأجهزة اللازمة للتدقيق والتحقق تحت مسؤوليتهما، يفترض أن ينالهما من النقد أضعاف ما نال رئيس الجمهورية، الذي يفترض أن توقيعه مصادقة على صحة ما تحقق من قانونيته كلّ من وزير الداخلية الذي يشرف على جهازين أمنيين، ورئيس الحكومة الذي يتبع له مباشرة جهاز أمني، لكن الطريقة التي تقدّم بها بعض مناصري رئيس الجمهورية تمسكاً بسرية المرسوم وربطه بأسباب إنسانية، لم تكن موفقة، وأتاحت للمهاجمين ربح جولة إعلامية وسياسية علّها تفيدهم في المعركة الأصلية وهي معركة تشكيل الحكومة. فكان موقف رئيس الجمهورية بإعادة المرسوم إلى الوراء والطلب من المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم التدقيق في قانونية استحقاق الأسماء الواردة في المرسوم، الذي أتاح التعتيم على الأسماء الواردة فيه موجة شائعات وجرى تداول أسماء لسوريين بُنيت عليها حملات ما لبثت أن تكشّفت عن ألاعيب إعلامية لا أساس لها.
في معركة تشكيل الحكومة التي تشكل «القوات اللبنانية» عقدتها الرئيسية، قالت مصادر متابعة إن لا جديد بعد عودة الرئيس سعد الحريري من السعودية، وأن لا دعم سعودياً مرتجىً للحريري في الضغط على «القوات». وقد كان لافتاً على هذا الصعيد ما قالته مقدّمة نشرة «أم تي في» المقرّبة من «القوات»، أنّ المعلومات تفيد بأن لا ألغام تمّ تفكيكها لا في السعودية ولا في لبنان، ما يوحي باستثمار سعودي في التفاوض الإقليمي الجاري عنوانه تأخير تشكيل الحكومة في لبنان.
بالتوازي كان الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله يواصل ما بدأه مع رئيس مجلس النواب نبيه بري من تفاهمات حول الحكومة وتكوينها ومهامها، وفي طليعتها مكافحة الفساد وآلياته، فيلتقي مع رئيس التيار الوطني الحر وزير الخارجية جبران باسيل ويرسل معاونيه لرئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط في العناوين نفسها، تمهيداً للطريق أمام ما أخذه الحزب على عاتقه وبشخص أمينه العام من مسؤولية مباشرة في ملف مكافحة الفساد من جهة، وما ينتظره من مساهمة في إدارة ملف تشكيل الحكومة، بالتعاون مع حلفائه وكلّ من رئيس الجمهورية ورئيسي مجلس النواب والحكومة.
لا ريب في أن خطوة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الطلب من مدير عام الأمن العام اللواء عباس إبراهيم إجراء تحقيق في الأسماء الواردة في مرسوم التجنيس، بادرة وطنية بامتياز، فهو قد يكون أول رئيس يستمع إلى هواجس الناس، لكن المفارقة تكمن، بحسب مصادر مطلعة في 8 آذار لـ «البناء» أن هذا الملف المتشابك والمعقد كان من المفترض أن يمر بالأمن العام قبل توقيع المرسوم وليس بعد ذلك. وتشير المصادر إلى أن مقرّبين من الرئيس يتحمّلون مسؤولية ما ألت إليه الأمور، مستغربة كيف يلجأ هؤلاء إلى تمرير أسماء تطرح الكثير من علامات الاستفهام، وستضع الرئيس في موقع الشبهة؟ وإذا كانت قناة المنار قد تجنّبت في مقدمتها التطرق الى هذا الموضوع، فإن مقدمة الـ أن بي ان لفتت إلى الحملات المعترضة على تمريره خلسة وعلى الغموض الذي أحيط به.
وعليه، يترقب المعنيون لقاء وزير الداخلية نهاد المشنوق والمدير العام للأمن العام اليوم، ليبنى على الشيء مقتضاه، فاللواء إبراهيم سيطلب من المشنوق تزويده بلائحة الأسماء لتمحيصها تمهيداً لرفع نتائجها الى السلطة السياسية، خاصة أن هذا اللقاء كان سبقه يوم السبت اجتماع بين الرئيس عون واللواء إبراهيم جرى خلاله الاتفاق بحسب مصادر بعبدا لـ «البناء» على تولي الأمن العام التحقيق والتدقيق بكل اسم من الأسماء الواردة في المرسوم، لا سيما أن لدى الأمن العام الداتا الكاملة للسوريين الداخلين الى لبنان. وتشير المعلومات إلى أن اللواء إبراهيم سيستعين إذا استدعت الحاجة بأجهزة الدول الغربية التي تنتمي إليها الأسماء الواردة في المرسوم للتقصّي عنها، مع الإشارة إلى أن هناك اشخاصاً يحملون الجنسيات الألمانية والبريطانية والأميركية والتشيلية والفرنسية والهندية. وأشارت المعلومات إلى توجه لنشر الأسماء الواردة بالمرسوم على موقع وزارة الداخلية وليس الأمن العام.
ولا تقلّل مصادر عونية من أهمية هذا الملف، لكنها تدعو في حديث لـ«البناء» الى التوقف عند الأداء الرئاسي الذي راعى مخاوف اللبنانيين، وطلبه من الأمن العام التحقق من بعض الأسماء وإنهاء الالتباس الدائر حيال هذا المرسوم». فكل اسم يفتقد الى المعايير القانونية سيتمّ حذفه من المرسوم وإسقاط الجنسية اللبنانية عنه، جازمة أن الرئيس عون لا يناور وسيتابع الموضوع حتى النهاية، وهو طلب من كل من يملك معلومات أكيدة بشأن أي شخص مشمول بالمرسوم ولا يستحق الجنسية اللبنانية، التوجّه بمعلوماته هذه الى وزارة الداخلية، مشدّدة على أن الرئيس عون يختلف عما سبقه من رؤساء. ومن الخطأ وضعه في خانة مَن سبقه. فهو قرر إعادة النظر بالمرسوم بكليته، ووقع المرسوم بعد علمه بحذف أسماء ثمانية لم تتوفر فيهم الشروط المطلوبة. وتساءلت المصادر أين كانت الأصوات المعترضة اليوم على هذا المرسوم عند توقيع الرئيس السابق ميشال سليمان مرسوماً مماثلاً؟ لماذا لم تُسمعنا مخاوفها يومذاك؟ مشددة على أن ما يجري اليوم من حفلة هجوم منظم على العهد يأتي في سياق الهجوم القواتي المعترض على حصة العهد الوزارية.
وبينما أشارت مصادر معنية إلى أن وجود أسماء مستحقّة فإن مصدراً مطلعاً على مرسوم التجنيس أكد لـ «ام.تي.في.» أن «أحداً من الأشخاص الذين وردت أسماؤهم في مرسوم التجنيس لم يحصل على هوية لبنانية أو إخراج قيد أو أي وثيقة رسمية تثبت حصوله على الجنسية اللبنانية».
وبينما تتجه أحزاب الكتائب والقوات والتقدمي الاشتراكي الى الطلب من وزارة الداخلية للحصول على نسخة من لائحة المجنسين، كان لافتاً قول البطريرك الماروني بشارة الراعي «يبقى مبدأ منح الجنسية اللبنانية رابطة الدم، لا الأرض ولا الخدمات، نظراً إلى خصوصية نظام لبنان السياسي». وسأل «أليس هذا ما تخوّف منه الرأي العام برفضه المادة 49 المضافة على موازنة هذا العام؟». مذكّراً بما أثاره مرسوم التجنيس سنة 1994 من خلل ديموغرافي في البلاد، وعدم تنفيذ ما أبطله بشأنه قرار شورى الدولة، وبسبب إهمال الملحق التصحيحي الذي قدّم في حينه، وعلى الأخص بسبب وجود أعداد من النازحين واللاجئين تفوق نصف سكان لبنان».
واستغربت مصادر قيادية في تيار المستقبل لـ «البناء» صدور المرسوم بهذه الطريقة، لا سيما انه صدر بطريقة لا تراعي النص القانوني الوارد في الدستور عام 1939 على الإطلاق. وبالتالي ليس منطقياً بعد صدور المرسوم أن يطلب من الامن العام إعادة النظر في الأسماء. وحملت المصادر وزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال نهاد المشنوق وكل من وقع على المرسوم مسؤولية ما حصل، مشيرة الى أن الخروج من هذا المأزق يفترض إعادة النظر بالأسماء بشفافية وإعلان المسوّغات التي دفعت إلى إصدار المرسوم.
إلى ذلك من المرجح أن يتلقى وزير الخارجية جبران باسيل رسالة من وزير الخارجية السوري وليد المعلم عبر السفير السوري في بيروت علي عبد الكريم علي رداً على رسالته بشأن القانون رقم 10. وطمان المعلم باسيل امس أن هذا القانون كان ضرورياً بعد تحرير الغوطة لتنظيم الملكيات ولإعادة الحقوق لأصحابها، لأن المجموعات الإرهابية سيطرت على مناطق الغوطة لسبع سنوات وأحرقت السجلات العقارية وتلاعبت بالملكيات الخاصة والعقارات.
وقال إن «ما أثير في لبنان حول عودة النازحين لا يعدو كونه نزاعاً تأجّج في الموسم الانتخابي»، مضيفاً بأنه «لا داعي للقلق في هذا الشأن. فنحن حريصون على إعادة النازحين الى بلدهم من كل العالم، وليس فقط من لبنان، وسنقدّم لهم كل التسهيلات».
وبانتظار ما ستؤول إليه الأمور، حملت عطلة الأسبوع عودة الرئيس المكلف سعد الحريري من السعودية الى لبنان وتأكيده من البيال مساء أمس، خلال حفل الإفطار المركزي الذي أقامه «تيار المستقبل» لأهالي بيروت ضرورة الإسراع بتشكيل الحكومة، والتوافق على فريق حكومي قادر أن يتحمّل مسؤولية مواجهة التحديات الاقتصادية والاجتماعية والوطنية. وقال «أملي كبير أن تأخذ المشاورات حول الحكومة بعين الاعتبار هذه المواضيع، وحاجة البلد للإسراع بالتشكيل. الناس لا يكترثون لوزير بالزائد أو وزير بالناقص، فقد ملّوا. الناس تهمهم هيبة الدولة والاستقرار السياسي والاجتماعي والاقتصادي».
وشدّدت مصادر مقرّبة من الحريري لـ «البناء» على أن الرئيس الحريري يتعاطى بطريقة إيجابية مع التأليف، لكنه لن يكون ملكاً أكثر من الملك، فإذا رأى استعداداً عند المكوّنات الأساسية لتقديم التنازلات، فإنه سيقابلها بالمثل، لكن إذا بقي كل فريق متشبثاً بمطالبته بحصص مضخّمة وحصص وزارية لم ينصّ عليها الدستور، فإنه سيتصرّف على النحو نفسه.
وكان الملف الحكومي حضر خلال اجتماع مطوّل عقد بين الأمين العام لـحزب الله السيد حسن نصرالله ورئيس التيار الوطني الحرّ الوزير جبران باسيل في حضور مسؤول وحدة الارتباط والتنسيق الحاج وفيق صفا، تمّ التطرّق فيه إلى الأوضاع السياسية المحلية والخارجية كافة، وجرى فيه تقييم للانتخابات النيابية الأخيرة ونتائجها مع أخذ كافة العبر الإيجابية والسلبية منها، إضافة إلى موضوع النازحين السوريين ومقاومة الفساد وإعطائهم الأولوية القصوى في العمل النيابي والحكومي القريب، وجرى الاتفاق على تصوّر أوّلي مشترك لموضوع محاربة الفساد وعلى كيفية اعتماد آلية مشتركة لاحقة لذلك، وكذلك بحث موضوع تأليف الحكومة وأهمية تشكيلها بالسرعة اللازمة بما يتطابق مع المعايير الميثاقية والدستورية والديمقراطية والمنسجمة مع نتائج الانتخابات الأخيرة.
كذلك حضر الملف الحكومي أيضاً خلال الزيارة التي قام المعاون السياسي للامين العام لحزب الله حسين الخليل ومسؤول وحدة الارتباط والتنسيق وفيق وصفا إلى رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب السابق وليد جنبلاط. وأشارت المعلومات الى أن اللقاء تناول ملفات عدة وكان ايجابياً. وأشارت مصار مقربة من حزب الله لـ «البناء» إلى ان زيارة الخليل وصفا الى كليمنصو تهدف الى رفع مستوى الاحتضان السياسي لجنبلاط في لحظة مفصلية على أبواب مرحلة ما بعد الانتخابات واستقطاب ما قبل تشكيل الحكومة وتأكيد النقاط المشتركة.
وتلفت المصادر إلى أن زيارة باسيل للسيد نصر الله وزيارة المسؤولين الكبيرين في حزب الله لجنبلاط متربطتان. وإن كانت هناك فروقات في العلاقة بين الطرفين، بيد أن خيطاً رفيعاً يجمع بين اللقاءين يتمثل بسعي حزب الله لتشكيل أكثرية تضغط على الحريري للسرعة في التشكيل، وعدم الالتفاف حول نتائج الانتخابات.