الحراك السياسي في أكثر من اتجاه يشي بقوة دفع من أجل تسريع ولادة الحكومة العتيدة. غير أن الرغبة والتمنيات شيء والواقع شيء آخر، إلا إذا دخلت عناصر مفاجئة تختزل المواعيد، فتولد الحكومة الجديدة «مبارح قبل اليوم»، أي بعيد عيد الفطر، كما يتمنى ذلك رئيس الحكومة سعد الحريري، الذي عاد أمس من زيارته السعودية، من دون أن يلتقي أحداً من المسؤولين السعوديين، بعكس ما كان قد أبلغ أكثر من مسؤول لبناني قبيل توجهه إلى هناك.
على مسافة أيام قليلة من اللقاء الذي عقده الرئيس نبيه بري والأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، استقبل الأخير، مساء يوم الجمعة الماضي، رئيس التيار الوطني الحر الوزير جبران باسيل على مدى ساعتين ونصف ساعة، بحضور مسؤول وحدة الارتباط والتنسيق الحاج وفيق صفا. ووفق البيان الصادر عن اللجنة المركزية للاعلام في التيار الوطني الحر «تم التطرق في الاجتماع إلى كافة الأوضاع السياسية المحلية والخارجية، وكان تقييم للانتخابات النيابية الأخيرة ونتائجها، مع أخذ كافة العبر الإيجابية والسلبية منها، إضافة إلى موضوع النازحين السوريين ومقاومة الفساد وإعطائهم الأولوية القصوى في العمل النيابي والحكومي القريب، وتم الاتفاق على تصور أوليّ مشترك لموضوع محاربة الفساد وعلى كيفية اعتماد آلية مشتركة لاحقة لذلك، وكذلك بحث موضوع تأليف الحكومة وأهمية تشكيلها بالسرعة اللازمة بما يتطابق مع المعايير الميثاقية والدستورية والديمقراطية والمنسجمة مع نتائج الانتخابات الأخيرة».
ووصفت مصادر بارزة في التيار الوطني الحر اللقاء بأنه «إحياء لوثيقة التفاهم» بين التيار وحزب الله، وتم التفاهم خلاله على آلية مشتركة للمتابعة والتنسيق في ما يتعلق بمكافحة الفساد وعلى إعطاء موضوع النزوح السوري أولوية في المرحلة المقبلة، وأن الحزب «الى جانب التيار في هذا الأمر». ونفت أن يكون اللقاء «غسلاً للقلوب، لأننا أساساً كنا متفقين على الاختلاف خلال مرحلة الانتخابات، ولم يكن هناك أي شكوك لدى الطرفين حول مصير التفاهم الاستراتيجي». ونقلت المصادر أن الأمين العام لحزب الله «عبّر عن ارتياحه لمسار العلاقة بين التيار وحركة أمل، وأنه لمس لدى الرئيس نبيه بري في لقائهما أخيراً ارتياحه أيضاً للأمر، وردّ باسيل في المقابل بأننا إيجابيون في هذا الصدد». وفي ما يتعلق بالحكومة، أكد باسيل أن التيار مع إشراك القوات اللبنانية فيها «بما يحق لهم... لا أكثر ولا أقل».
وحسب معلومات «الأخبار»، جرت مراجعة القانون الانتخابي نفسه والتحالفات التي جرت في معظم الدوائر، ونتائج الانتخابات، وتم التوافق على عدد من النقاط التي تفيد في العلاقة الانتخابية بين الجانبين في مراحل لاحقة.
أما الملف الثاني الذي تمت مناقشته، فيتعلق بتأليف الحكومة، حيث تم التأكيد على أهمية مساعدة رئيس الحكومة المكلف في إنجاز تشكيلته في أسرع وقت ممكن. في هذا السياق، جدّد حزب الله تمسكه بالحصول على توزير ثلاثة حزبيين، أحدهم من الجنوب والثاني من مدينة بعلبك والثالث من الضاحية الجنوبية، لافتاً إلى أن موضوع الحقائب المخصّصة للشيعة متروك أمر بتّه الى رئيس المجلس النيابي، تبعاً لاتفاقه والسيد نصرالله في اجتماعهما الأخير، مع التسليم بأن تبقى وزارة المال من حصة الطائفة الشيعية، وأن تكون من ضمن حصة بري.
وفُهمَ أن التيار الوطني الحر يريد أن تتمثل القوى السياسية كافة بحسب حجمها الحقيقي ومن دون أيّ مبالغات، مع التأكيد على رغبة التيار في إسناد منصب نائب رئيس الحكومة الى الرئيس عصام فارس كمرشح أول. وكان اللافت للانتباه ما أكده باسيل، خلال اللقاء، بأن التيار الحر يدرس جدياً خيار الفصل بين النيابة والوزارة، وفي حال تقرر ذلك، سوف يتفرغ الوزير باسيل لمهامه في رئاسة حزب التيار الحر، بينما تسند الحقائب الى آخرين من خارج التكتل النيابي، علماً بأن البعض يناقش فرضية أن لا يشمل فصل الوزارة عن النيابة رؤساء الكتل، فكما يتمثل الحريري رغم قراره عدم توزير أيّ من نوابه، يمكن للآخرين فعل ذلك، وأن يتم توزير جبران باسيل وحده من التكتل بصفته رئيساً للتيار.
ولوحظ أن باسيل لم يتطرق خلال الاجتماع نهائياً الى ضرورة إسناد المالية الى وزير غير شيعي، لكنه دعا إلى التفكير في اقتراح أن يتم إسناد الحقائب السيادية الاربع (الخارجية والداخلية والدفاع والمالية) الى وزراء من طوائف أقلوية بدل إسنادها الى الطوائف الكبيرة (السنّة والشيعة والموارنة والأرثوذكس). وأكد باسيل قرار تكتل لبنان القوي بتوزير النائب طلال أرسلان، ولو من حصة التكتل نفسه!
كذلك عرض باسيل أمام نصرالله للمناخات الإيجابية الجديدة في العلاقة بين رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب، وهي مناخات انسحبت أيضاً على صعيد العلاقة بين التيار الوطني الحر وحركة أمل.
وناقش نصرالله وباسيل مطولاً ملف مكافحة الفساد، حيث جدّد حزب الله تمسّكه بقرار خوض هذه المعركة وتوفير ظروف نجاحها بالتعاون مع الجميع، مع الإدراك المسبق لحجم الصعوبات التي يمكن أن تواجه هذا القرار السياسي. وأكد باسيل رغبة التيار في العمل جنباً الى جنب مع حزب الله لإنجاح معركة مكافحة الفساد، وتم الاتفاق على تشكيل لجنة مشتركة من التيار والحزب لبحث هذا الملف، على أن يعين التيار شخصية من عنده تتولى إدارة الملف بالتعاون مع النائب حسن فضل الله.
أما الملف الرابع، فيتعلق بالنازحين السوريين. في هذا السياق، نقل باسيل أجواء رئيس الحكومة سعد الحريري غير الراغب في التواصل الرسمي المباشر بين الحكومتين اللبنانية والسورية. وتم الاتفاق على تعزيز قنوات التواصل القائمة الآن، لكن جرى التأكيد من جديد أن دمشق تريد أن تبحث الامر بكل تفاصيله مع موفد رسمي لبناني، ويرجّح أن يعمد الرئيس ميشال عون الى تعيين اللواء عباس إبراهيم موفداً رئاسياً في كل ما يتصل بالعلاقة مع سوريا.
تجدر الإشارة الى أن الأمن العام يعمل على إنجاز عملية عودة طوعية لما بين ثلاثة آلاف وخمسة آلاف سوري يعيشون الآن في مخيمات في منطقة جرود عرسال الى سوريا بالتعاون مع السلطات السورية، على أن تجري العودة عبر منطقة القلمون لا عن طريق المصنع، حسب رئيس بلدية عرسال.
الخليل وجنبلاط: نقلة سياسية
إلى ذلك، استقبل النائب السابق وليد جنبلاط في دارته في كليمنصو، أمس، المعاون السياسي للأمين العام لحزب الله حسين الخليل ومسؤول وحدة الارتباط والتنسيق في حزب الله وفيق صفا، بحضور الوزير الاسبق غازي العريضي.
وإذ اكتفت أوساط حزب الله بالقول إن الزيارة عادية جداً وتخللتها جولة أفق في ملفات وطنية واقتصادية ومالية واجتماعية، فضلاً عن ملفي محاربة الفساد وأوضاع منطقة بعلبك والهرمل، قالت مصادر اشتراكية لـ«الأخبار» إن اللقاء مع أنه يأتي في سياق التواصل الدائم بين الحزبين، إلا أنه يشكل نقلة نوعية في طبيعة العلاقة بينهما، خصوصاً في ظل تفاهم الطرفين على تسمية العريضي والخليل قناة اتصال سياسية دائمة، وذلك في اتجاه تطوير العلاقة من جهة والتنسيق في العديد من الملفات الحكومية والنيابية والسياسية. وأكدت المصادر أن جنبلاط استفاض فعلاً في مقاربة ملف بعلبك والهرمل، وأكد أن هذه المنطقة أعطت لبنان وفلسطين والقضية القومية ويجب أن يكافأ هؤلاء الذين ضحّوا بكل غال ونفيس بتحمّل الدولة مسؤولياتها بإطلاق ورشة تنموية واسعة.
ولعل الاستنتاج الأبرز من خلال لقاء جنبلاط والخليل أن حزب الله يريد في المرحلة المقبلة تجميع أكبر مروحة من الحلفاء والأصدقاء، تحصيناً للأمن والاستقرار، وهو يولي العلاقة مع الحزب التقدمي الاشتراكي أهمية استثنائية في المرحلة المقبلة، بما في ذلك تفهّم بعض الحساسيات الجنبلاطية داخلياً وخارجياً.
الحريري يدعو إلى الصوم السياسي
ومن مركز البيال سابقاً، أطلّ رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري العائد من الرياض، غروب أمس، وارتجل بضع كلمات على الهواء، قال فيها للمشاركين في حفل الإفطار المركزي الذي أقامه تيار المستقبل على شرف أهالي بيروت: «كيفكم وكيف رمضان معكم. أنا متل ما بتعرفو كنت بالسعودية وهونيك قضيتها نوم، وقد ما كان مكسور عليي نوم، نمت كل الوقت وهلق راجع بحيوية».
ومن الارتجال، انتقل الحريري إلى كلمة مكتوبة، قال فيها إن مصادفة شهر رمضان بعد الانتخابات النيابية مباشرة، «أمر مفيد للبلد، على الأقل لجهة التخفيف من حدة الخطاب السياسي ومطالبة الجميع بالتزام التهدئة والصوم عن التصعيد».
وإذ أكد أن الانتخابات «باتت وراءنا»، رأى أن الانتخابات «فرصة جدية، لورشة عمل حكومية وتشريعية، تحدث نقلة نوعية في الأداء السياسي، وتعيد الثقة بدور الدولة والمؤسسات، وأول خطوة صحيحة مطلوبة في هذا المجال، هي الإسراع في تشكيل الحكومة، والتوافق على فريق حكومي قادر على أن يتحمل مسؤولية مواجهة التحديات الاقتصادية والاجتماعية والوطنية».
وشدد على أولوية الاستقرار وحماية البلد، وقال «بدون استقرار، ليس هناك اقتصاد ولا ضمانات ولا أسواق تعمل ولا أناس يشعرون بالاطمئنان»، وأكد أن العالم «ينتظر من لبنان إجراءات واضحة ليتمكن من أن يساعدنا. العالم ينتظر منا إصلاحات جدية، وقرارات جريئة بوقف الهدر، ومشروعاً واضحاً بأن يكون القانون فوق الجميع وأكبر من الجميع، وليس هناك من خيار أمامنا سوى أن نسير بهذه الإصلاحات. البعض يراها خيارات موجعة، وأنا أراها خيارات لا بد منها، لأن وجع ساعة أهون على البلد والناس من وجع كل ساعة».
وأبدى الحريري أمله بأن تأخذ المشاورات حول الحكومة هذه المواضيع في الحسبان «وحاجة البلد إلى الإسراع في التشكيل، فالناس لا يكترثون لوزير بالزائد أو وزير بالناقص. الناس تهمهم هيبة الدولة والاستقرار السياسي والاجتماعي والاقتصادي».
وعُلم أن الحريري فتح خطوط اتصاله، بعد عودته، من خلال مستشاره وزير الثقافة في حكومة تصريف الأعمال غطاس خوري، في أكثر من اتجاه، وخصوصاً على خط بيت الوسط ـــ معراب. وقالت أوساط قواتية لـ«الأخبار» إن القوات اللبنانية منفتحة في التعامل مع الملف الحكومي، لكنها أكدت أن هذا الانفتاح لن يكون على حساب عدد من الثوابت التي حددتها القوات، سواء لجهة عدد الوزراء ونوعية الحقائب التي تطالب بها.
وعُلم أن القوات، وفضلاً عن مطالبتها بموقع نائب رئيس الحكومة، تضع نصب عينيها الحصول على حقيبتي التربية والزراعة، على أن تقبل بوزارة دولة إذا تمت تلبية مطالبها الأخرى. ووضعت القوات اللبنانية سقفاً سياسياً لا يمكن تجاوزه في التعامل مع ملف التأليف، قوامه عدم دخول الحكومة الجديدة إذا أعطيت أقل من أربعة مقاعد وزارية.