لا تزال قضية «أوجيرو» تتفاعل، منذ نشرت «الأخبار» تقريراً بعنوان «أوجيرو تسقط في الفساد» في 31 أيار. التقرير اعتبر إخباراً، وتحركت بناءً عليه النيابة العامة المالية كما التفتيش المركزي. فهل تنجح الهيئات الرقابية في وضع حدّ للوضع الشاذ الذي تعيشه الهيئة؟

 

يَمثُل رئيس مجلس إدارة «أجيرو» عماد كريدية وعضو المجلس هادي بو فرحات (اتهمه كريدية بهدر المال العام)، قبل ظهر اليوم، أمام النيابة العامة المالية للاستماع إلى إفادتيهما، في الملفات التي أثارتها «الأخبار» مؤخراً، والتي اعتبرها النائب العام المالي القاضي علي إبراهيم بمثابة إخبار. وفي حال وجد أن القضية المطروحة تحتاج إلى التوسع في التحقيقات، سيطلب إذناً من وزير الاتصالات لاستجواب أي موظف يمكن أن يفيد التحقيق. 

وفي الوقت نفسه، تحرك التفتيش المركزي منذ يوم الجمعة، حيث باشر المفتش المختص، المكلف بمتابعة «أوجيرو»، التحقيق بكل ما أثير من معلومات في «الأخبار»، بناءً على توجيهات رئيس التفتيش المركزي جورج عطية، على أن يرسل تقريراً بنتيجة تحقيقاته إلى المفتش العام المالي الذي يرفعه بدوره إلى رئيس التفتيش. وقد عُلم أن المفتش المالي طلب مستندات تتعلق بالعقود بالتراضي التي نفذت، وبرواتب الموظفين خلال الأشهر الأخيرة، وبملفات المياومين الذين دخلوا إلى أوجيرو منذ بداية 2017.
وفيما تردد أن اجتماعاً عقد أول من أمس السبت في الهيئة، ضمّ كريدية وعدداً من المديرين والمستشارين، وكان عنوانه البحث في كيفية مواجهة تداعيات ما تم تداوله في الإعلام، أكدت مصادر رئيس مجلس الإدارة أنه لم يحصل أي اجتماع، كما لم يحضر كريدية إلى مقر الهيئة، بل اقتصر الأمر على وجود بعض المستشارين والمديرين في المبنى من دون تنسيق مسبق، ومن دون أن يعقدوا أي اجتماع. 
وكانت قد تفاعلت خلال الأيام الماضية مسألة الراتب الذي حصل عليه المدير العام خلال شهر أيار، والبالغ 112 مليون ليرة. وبالرغم من أن كريدية نفى ذلك عبر تلفزيون الجديد، إلا أنه عاد وأشار إلى أن ذلك الراتب تضمن فروقات سلسلة الرتب والرواتب (أربع درجات، منذ شهر أيلول 2017). وهذا الراتب الخيالي، معطوفاً على تراجع قيمة رواتب الموظفين عن الشهر نفسه، دفع إلى استياء عارم بين الموظفين، أدى في النهاية إلى تراجع الإدارة عن قرار حسم السلف التي أعطيت لهؤلاء في شهر أيار، بحيث أعيدت جدولة استرداد السلف، بما لا يؤثر على المدخول الشهري للموظفين. 

(الوكالة الوطنية للاعلام)


وكان رئيس مجلس الإدارة قد شكّل لجنة برئاسته وتضم مدير التدقيق الداخلي والمدير المالي ومدير الموارد البشرية لدراسة تطبيق السلسلة في أوجيرو، وبعد أخذ ورد مع وزارتي الاتصالات والمالية، رسا الأمر على إقرار مجلس إدارة أوجيرو إعطاء أربع درجات للموظفين، على أن يبدأ دفعها مع راتب أيار، بمفعول رجعي ابتداءً من أول أيلول 2017. ولما كانت الإدارة قد أعطت الموظفين سلفة على الراتب، بوصفها ساعات عمل إضافية (تصل إلى 70 ساعة أحياناً)، تبين عند السعي إلى حسم هذه السلفة، بعد احتساب العدد الفعلي للساعات الإضافية، أن الكثير من الموظفين لم يعمل بمقدار ما حصل عليه من ساعات إضافية (التزموا بقرار الدوام الجديد، أي من الثامنة حتى الرابعة، مع إيقاف الساعات الإضافية، إلا لمن تستدعي ظروف عمله ذلك). ولذلك، كانت النتيجة تراجع مدخول من لم يعمل ساعات إضافية فعلياً، فعلت الصرخة، وتداعت نقابة العاملين في «أوجيرو» إلى الاجتماع وسط حالة من الغليان، خاصة بعد تسريب رواتب المديرين، ولا سيما المدير العام. وبعد اللغط الذي حصل، وجه المدير العام لأوجيرو، يوم الجمعة، تنبيهاً خطياً لمدير الموارد البشرية بسام جرادي، متهماً إياه بمخالفة تعليمات المدير العام وقرار مجلس الإدارة رقم 25 / 2018، محمّلاً إياه مسؤولية اللغط الذي حصل، وضمنياً محمّلاً إياه مسؤولية تسريب رواتب المديرين، على ما أكدت مصادر مطلعة. 
وفيما طلب التفتيش المركزي جداول برواتب الموظفين، فإن عقود التراضي التي تعدّ بملايين الدولارات، ستكون في صلب التدقيق الذي يجريه التفتيش.

أما بشأن المياومين الذين غصّت بهم الهيئة منذ ما قبل الانتخابات النيابية، فقد كان لافتاً أن كريدية لم ينكر التعاقد مع مياومين بناءً على طلب جهات سياسية ونواب، لكنه قال إن هذه التوظيفات تتم حسب الحاجة، في ظل وجود مشاكل عديدة على الشبكة، بحيث يكون الشخص المناسب في المكان المناسب. لكن هل هذا ما حصل فعلاً؟ ولماذا إذاً تم توظيف الأغلبية الساحقة من المياومين في أعمال إدارية، ومن دون أي مراقبة على أعمالهم، مع تسليم بعضهم مراكز مسؤولية، فيما الحاجة ماسة إلى فنيين؟ 
في ملف المستشارين، كان كريدية جازماً بأنه لا يملك أكثر من خمسة مستشارين. قد يكون ذلك صحيحاً إذا احتسب المستشارون المكلفون بمهام حصراً، لكن في الواقع فإن المستشار هو كل من وقّعت معه الهيئة عقداً استشارياً، فهل هؤلاء خمسة فقط؟ وإذا كانوا أكثر، وهم كذلك، و«الأخبار» تملك عشرة أسماء منهم، فعندها تصبح المسألة أشد خطورة: لماذا يتم توقيع عقود استشارية مع أناس لا يعملون، وبالتالي لا تحتاج إليهم الهيئة؟ ليس ذلك فقط، كيف يمكن توقيع عقد استشاري مع ابن عضو مجلس إدارة، على سبيل المثال؟ ألا يوجد تضارب مصالح في ذلك؟ قد لا تكون الإجابة مهمة، عندما يتبين أن عضو مجلس الإدارة نفسه وقّع اتفاقاً رضائياً مع الهيئة، ممثلة بمديرها العام، في 8 نيسان الماضي، بقيمة خمسة آلاف دولار أميركي. وبموجب هذا العقد، يقوم عضو مجلس الإدارة بتقديم خدمات إلى الهيئة في مجال «تخطيط ودراسة شبكة الألياف الضوئية والتجهيزات المتمّمة لها وفي مجال التنظيم الإداري والتقني...»، علماً بأنه لم يعرف عنه امتلاكه لأي خبرات فنية أو تقنية، طيلة السنوات التي قضاها في مجلس الإدارة. وحتى مع التسليم بخبرته، فإن ألف باء الاستعانة به هو الحاجة إليها؟ فهل تحتاج الهيئة إلى هذه الخبرة، في ظل وجود قطاع خاص بالألياف الضوئية يتبع لمديرية الشبكات، وفي ظل وجود مديرية للمعلوماتية؟

المصدر: إيلي الفرزلي - الأخبار