في آخر إحصاء غير رسمي في 2018، سجّل ما مجموعه مئة حالة انتحار حتى آخر أيار الماضي. مئة ضحيّة على مدى خمسة أشهر فقط من العام الجاري، في مقابل 143 حالة انتحار في 2017 وفق احصاءات قوى الأمن الداخلي و144 حالة في 2014، وهاتان النسبتان هما الأعلى منذ عام 2009 (112 حالة).
في أيار الماضي وحده سجّلت 23 حالة انتحار، مقارنة بـ 25 حالة بين مطلع العام الجاري والنصف الأول من شباط. والحالات الـ25 المسجّلة في أول شهر ونصف شهر من العام والتي «وُصفت» بالانتحار (منها إطلاق نار وشنق وسقوط من طبقة عليا وسموم)، بينها 14 حالة للبنانيين و11 لأجانب (عاملات أجنبيات). إحصاءات قوى الأمن الداخلي تشير إلى حالة انتحار كل يومين ونصف يوم في لبنان، ومحاولة انتحار كل ست ساعات. وفي عام 2014 شهدت معدلات الانتحار ارتفاعا بلغ 30 في المئة مقارنة بالعام 2013، وشهد العام 2017 نسبة مماثلة. أما العام الجاري فالنسبة فيه مرتفعة حتى اليوم مقارنة بباقي الأعوام.
والحال هذه، تجنّد ناشطون إلكترونيون في الأيام الماضية للتعبير عن استعدادهم للمساندة النفسية لمن هم في حاجة الى ذلك. في الأمر بادرة «إيجابية» ولو صدر عن غير الاختصاصيين، خصوصاً لناحية أهمية «العلاج بالتحدّث» الذي يساعد الفرد على الشعور بأن هناك من يفهمه ويهتمّ لأمره. وبحسب منشور خاص بإرشاد المرضى، صادر عن المركز الطبي في الجامعة الأميركية في بيروت، ثمة مؤشرات تحذيرية يجب التنبّه إليها، مثل الشعور بفقدان الأمل والتعبير عن الرغبة بالانتحار والشعور بآلام غير محتملة وزيادة استخدام الكحول والمخدرات والانسحاب من الأنشطة اليومية والتقلّبات المزاجيّة الحادة والاهتمام المفاجئ بالموت والتخلّي عن الممتلكات الشخصية… وسواها من الإنذارات التي لا يمكن التغاضي عنها أو التقليل من شأنها. أما في المبادرات على الصعيد الوطني، فقد خصّصت جمعية Embrace منذ أيلول 2017، وبالشراكة مع وزارة الصحة، الخط الساخن «خط الحياة» للوقاية من الانتحار، وهو الأول من نوعه في لبنان.
في الأرقام المتعلقة بحالات الانتحار «المكتملة» حصراً (وهي بطبيعة الحال أقلّ من الواقع)، التي تنشرها منظمة الصحة العالمية، يقع لبنان في مراتب منخفضة وبعيدة من المعدل العالمي (0.2 في المئة في لبنان مقارنة بـ1.4 في المئة عالمياً). بينما بيّنت دراسة استقصائية عن الصحّة النفسيّة على صعيد عدد من الدول أجرتها جمعية «إدراك» - مركز الأبحاث وتطوير العلاج التطبيقي، أنّ نسبة محاولات الإنتحار في لبنان تقارب معدل النسب في البلدان التي شملتها الدراسة (17 بلداً)، إذ بلغت 2 في المئة من إجمالي عدد السكان في لبنان مقارنة مع 2.7 في المئة في العيّنة الكاملة التي شملتها الدراسة.
ثمة ارتباط وثيق بين السلوك الانتحاري والاضطرابات النفسية، ومن الضروري أن تصبّ جهود الوقاية من الانتحار على رصد الاضطرابات النفسية ومعالجتها. وفي السياق، يشير الطبيب النفسي في مستشفى الجامعة الأمريكية جوزيف الخوري إلى «أن معظم محاولات الانتحار تأتي نتيجة اضطرابات نفسية مثل الاكتئاب واضطراب المزاج ثنائي القطب والفصام واضطراب القلق العام واضطراب الوسواس القهري والإدمان على المخدرات». فيما لا إثبات، بحسب الخوري، على ارتباط النسبة المتبقيّة بوجود اضطراب نفسي لدى أصحابها إذ «يتعرّض الفرد لضغوطات اجتماعية وحياتية أو صدمة نفسية تجعله غير قادر على تحمّلها واستيعاب واقعه الجديد فيلجأ لهذا الخيار». فالتنمّر مثلاً، يجعل الأطفال الذين يقعون ضحيّته، معرّضين للتفكير بالانتحار 9 مرات أكثر من غيرهم.
وقد جمع السجل الوطني للصحة النفسية معلومات من 9 أطباء نفسيين، حول 779 شخصاً يعانون من اضطرابات في الصحة النفسية بين أيلول 2016 وشباط 2017. وأظهرت العيّنة أن 15 في المئة حاولوا الانتحار 61 في المئة منهم نساء، ونحو 10 بالمئة ممن حاولوا الانتحار لم يتخطّوا سن الـ18 سنة، وأن 58 في المئة تراوحت أعمارهم بين 18 و34 سنة. وبدأت وزارة الصحة منذ 2011، اعتماد نظام ابلاغ عن الأسباب الطبية للوفاة في المستشفيات، مما أتاح جمع المعلومات حول الوفيات التي تقع في أي مستشفى أو تصل إليه من دون تحديد هويات المتوفين.
وتظهر أهمية تفعيل الطب الشرعي النفسي في لبنان لرصد حالات الانتحار، إذ عادة يتم تكليف الطبيب الشرعي التواصل مع الأطباء النفسيين للحصول على تقاريرهم عن الضحية وإرسالها إلى القضاء. كما أنه من الملح العمل على تحديث القوانين المتعلقة بتسجيل قيد وثائق الأحوال الشخصية، بما فيها وثائق الوفاة مع عدم ذكر توصيف الانتحار إنما في مستندات غير علنية احتراماً للحياة الشخصية للفرد. إحصاء حالات الإنتحار ليس محصوراً بالأحوال الشخصية لدى اللبنانيين، إذ ثمة حالات انتحار بين المقيمين من غير اللبنانيين، منهم اللاجئون السوريون حيث تفتقر الوثائق عن حالات الوفاة إلى تحديد سببها. فيما تتولى تسجيل ذلك بين اللاجئين الفلسطينيين المديرية العامة للشؤون السياسية واللاجئين.