الى موائد الإفطار التي يرعاها الرئيس المكلف تشكيل الحكومة بدا بعد عودته من الرياض أنه منهمكٌ بملفّات عدة غير مهمة التكليف. فهو يتابع مرسومَ التجنيس وتردّداته، الى شراء الحقّ ببثّ «المونديال» مجاناً، بعد يوم خُصِّص للمفاوضات حول الحدود البرّية والبحريّة قبل أن يُنقل عنه أنه «داعس بنزين بأعلى سرعة في عملية تأليف الحكومة» فلمَن وأين، وكيف ومتى؟!
مَن يرصد المواقف والتحرّكات التي تلت تكليف الحريري في 24 أيار الماضي مهمّة تشكيل «الحكومة الأولى للعهد» (كما يريد أن يسمّيها رئيس الجمهورية العماد ميشال عون) والثانية منذ انتخابه رئيساً للجمهورية، لم يصدر عن مكتب الحريري ما يُنبِئ بلقاءٍ أو نشاط واحد يتصل بالتأليف الحكومي. ولم تشهد المقار الرسمية نقاشاً حول هذا الموضوع في انتظار شيء ما في موعد ما، أو استحقاق ما لا يوحي ولا يبوح به ولا يشير اليه أحد حتى اليوم!.
منذ أن غادر الحريري عقب الإستشارات النيابية في 28 أيار الماضي الى الرياض في زيارة غامضة ولكنه وصفها بأنها «عائلية خالصة» ولتأدية مناسك العمرة في المدينة المقدّسة في الشهر الفضيل، وبعد أربعة أيام على عودته منها لم يشهد «بيت الوسط» ولا قصر بعبدا ولا عين التينة أيَّ لقاء يتصل بتأليف الحكومة العتيدة.
ولذلك يتندّر بعض السياسيين والديبلوماسيين بالقول إنّ معظم الأفرقاء نسوا مجموعة المواصفات التي أُغدقت والمعادلات التي سيُبنى على أساسها شكلُ الحكومة الجديدة وتركيبتها والأحجام والحصص التي استفاض البعض في التعبير عنها خلال الإستشارات النيابية الملزِمة التي اجراها رئيس الجمهورية وكذلك خلال الاستشارات التي أجراها الحريري في مجلس النواب، وانشغل اللبنانيون بكثير من الملفات الاقتصادية والدستورية والأمنية والديبلوماسية التي فُتحت على أكثر من مستوى محلّي وإقليمي ودولي مع التأكيد أنّ مختلف المحطات التي التقى فيها رئيس الجمهورية مع رئيس مجلس النواب والحريري لم تتناول التشكيلة الحكومية المنتظرة وكأنّ الأمر محظور أو أنه لم يأتِ أوانُه بعد.
فقد بدا واضحاً وفاضحاً التهرّب من البحث في الملف الحكومي حتى عقب اللقاء الرئاسي الإستثنائي والطارئ الذي انعقد الإثنين الماضي في القصر الجمهوري في حضور المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم وأعضاء الوفد العسكري اللبناني الى لقاءات الناقورة الثلاثية للبحث في ملف المفاوضات اللبنانية – الإسرائيلية حول السياج الإسمنتي الذي تبنيه إسرائيل على طول الخط الأزرق برّاً، كذلك حول الحدود البحرية للمنطقة الإقصادية الخالصة. فقد حرص بري على الرد على اسئلة الصحافيين بعد اللقاء بالإشارة الى أنّ البحث كان في ملف الجنوب ولم يتناول الملف الحكومي لا من قريب ولا من بعيد.
ثمّة مَن يعتقد أنّ البحث في التشكيلة الحكومية الجديدة ينتظر استحقاقاً ما محلياً إقليماً أو دولياً لا يستطيع أحدٌ الإشارة اليه أو تحديده. حتى إنّ أجواء الإستعجال التي عبّر عنها رئيس مجلس النواب أولاً ومن بعده «حزب الله» ومعهما أكثر من طرف لم يترجمها أحد منهم موقفاً او حراكاً. فاللقاء الأخير الذي جمع الأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله ورئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل، لم يترجَم بأيِّ خطوة تعزّز هذا التوجّه.
وجاءت زيارة الوفد القيادي من «حزب الله» الأحد الماضي لرئيس الحزب التقدمي الإشتراكي وليد جنبلاط لتوحي بالتردّد عينه. فلم يصدر أيُّ موقف يستعجل التأليف واكتفت مصادر الطرفين بالإشارة الى التعاون والتفاهم على كثير من القضايا الداخلية التي تجمعهما في خندق واحد ولا سيما ملف مكافحة الفساد عدا عن تعهّد وفد الحزب للقيادة الإشتراكية بأنّ الحزب لن يكون طرفاً ولم ينخرط في أيِّ حربٍ تُشنّ على جنبلاط و»اللقاء الديموقراطي» أيّاً كان المهاجم والهدف منه.
ولا ينسى أو يتجاهل أحد، أنّ الحراك الذي قادته الأحزاب الأخرى كمثل الكتائب و»القوات اللبنانية» والحزب التقدمي الإشتراكي و»التيار الوطني الحر» لم يتناول الملف الحكومي لا من قريب ولا من بعيد وبقيت حصيلة الخلوات التي عقدها تكتل «لبنان القوي» وحزب الكتائب قد تجاهلت الملف الحكومي، وانصرف البعض الى ترتيب المواقف في مواجهة مرسوم التجنيس بغية تعطيله بعد الطعن في دستوريّته وخروجه على الدستور وانصرف البعض الآخر الى الدفاع عنه وتبريره والإشارة الى النية باعتماده اسلوباً يترجَم دورياً وشهرياً في خطوة وُصفت بأنها هجومية بدلاً من باب الدفاع عنه.
وتأسيساً على ما تقدّم من وقائع لا يرقى اليها الشك، ولا تخضع لأيّ تفسير آخر، فقد فوجئت الأوساط السياسية والحزبية بما نقله وفد من مجلس الأعمال اللبناني ـ السعودي عن الحريري بعد زيارته «بيت الوسط» بعد ظهر الثلثاء الماضي بأنّ «الرئيس المكلّف داعس بنزين على أعلى سرعة في عملية التأليف». وراحت هذه الأوساط تبحث عمّا يُثبت صدقيّة هذه المقولة ويشير الى دقة ما حملته من معانٍ فلم يتوافر ما يترجمها على الإطلاق.
وهناك كثيرون يعتقدون أنّ تريّث الحريري في خوض غمار التأليف ما زال سياسة وتوجّهاً معتمدَين لديه الى حين وفي انتظار استحقاق ما او موعد ما لم يتحقق أو انه لم يحن أوانه بعد. ولذلك فإنّ تحديد المواعيد تلك وربطها بعطلة عيد الفطر أو غيرها من المواعيد المقبلة أقل ما يُقال فيها إنها مجرد سيناريوهات مبنيّة على رغبات وأمنيات لا بل أوهام من الصعب ترجمتها بهذه البساطة.
والى أن تنطلق خطوات التأليف، ثمّة حديث لا وجود لما يُثبت صحته عن مشاورات سرّية تجري في الكواليس بعيداً من أيّ التزامات أو وعود مسبقة، وقد تراجع الحريري عن الكثير ممّا أوحى به في مناسبات سابقة ولا سيما لجهة مطلبه بحصة تُميِّزه كرئيس حكومة عن حصة تيار»المستقبل» كما يطالب به رئيس الجمهورية، بالإضافة الى الحديث عن حصص الآخرين التي لا تتّسع لها التركيبة الحكومية على وقع النغمة الجديدة التي سنسمع بها قريباً عن زيارة رسمية للحريري الى الرياض ينتظر تحديدها بعد حدثٍ ما تأتي أخبارُه من اليمن أو من دمشق على خلفيّة ما يجري في موسكو وطهران وواشنطن وأنقرة وصنعاء بعد الحُديدة، وهو ما يدعو الى مزيد من الإنتظار بحيث إنّ الملف الحكومي لن يُفتح قبل عيد الفطر وقد يتجاوز التأليف أعياداً أخرى لاحقة تمتدّ على مدى الصيف المقبل.