ثلاث سنوات على إعلان النيّات، من «رابية ميشال عون»، بين التيار الوطني الحرّ والقوات اللبنانية. خطوة مهّدت الطريق، أمام تبنّي سمير جعجع، من معراب، لخيار عون، في 18 كانون الثاني 2016. «التقاء مصالح»، ما أن انتفت الحاجة إليه، حتّى بدأ «التيار» و«القوات» يتفلّتان من دون أن يخرجا منه. يعودان إليه، كلّما «دقّ الخطر»، وفي كلّ مناسبة يحتاجان فيها إلى مظلّة، يتفيأن تحتها. أمّا «الخطر»، بالنسبة إليهما، فهو حصراً كلّ ما يتعلّق بالمسّ بـ«الحقوق المسيحية». تحت هذا السقف، بات واضحاً أنّ الحزبين يُبيحان كلّ الأسلحة في صراعهما، أحدهما ضد الآخر. هكذا «تصارعا» داخل الحكومة مع تبادل الاتهامات بالفساد، واختلفا حول توزيع مغانم التعيينات، وافترقا خلال الانتخابات البلدية ثم النيابية، فضلاً عن تعارض رؤيتهما للملفات «الاستراتيجية». وعند كلّ مفترق طرق، تُلوّح القوات اللبنانية، بكشف المستور من إعلان النيّات، في خطوة تُريد منها إحراج رئيس التيار جبران باسيل.
أول من أمس، وبعد انتهاء خلوة «تكتل لبنان القوي» في زحلة، خرج نائب البترون ليُطمئن بأنّه «لدينا حرص على المصالحة مع القوات اللبنانية. ومهما تعرّضنا لإساءات علينا العمل للحفاظ على المُسلمات كي نبقى الضامنين لهذا الكيان». التقى بذلك، مع ما يُردّده بلا ملل «العرّابان» إبراهيم كنعان وملحم رياشي، بأنّه لا مصلحة للطرفين بفكّ التحالف.
غير أن التطمينات المتبادلة لا تُلغي حقيقة أنّ صراعهما على السلطة، يُعمّق الفجوة بينهما. يُحاول «القيّمون» على إعلان النيّات، تظهير الصراع على الحصص، وكأنّه أمر ثانوي، في مُقابل وجود «حرص» على المحافظة على «الاتفاق الاستراتيجي». ولكن، حول هذه النقطة (السلطة)، يكمن لُبّ الموضوع، الذي سيمنع جعجع من تحقيق «حُلمه»، يراوده ويُردّده باستمرار، هو أن يتحوّل «التيار» و«القوات»، إلى ما يُشبه «الثنائي الشيعي» (أمل وحزب الله).
يُخطئ جعجع، وكلّ مسؤول عوني، باعتبارهم أنّ اتفاق حزب الله وحركة أمل هو التقاء «شيعي»، يجب أن يُقابله «ثنائية مسيحية». أو أنّ ما حيكَ قبل سنوات طويلة، بين ثنائي «الحزب – الحركة»، مُمكن أن يُطبّق ببساطة على علاقة «التيار – القوات». حين يُعبّر جعجع أو غيره، عن «غيرةٍ» من «الثنائي الشيعي»، يغفلون أنّ حزب الله وأمل، نزعا من البداية «فتيل الاقتتال»، من خلال تسليم السلطة، أي رئاسة المجلس النيابي، «إلى الأبد»، لرئيس مجلس النواب نبيه برّي. الحسابات التي دفعتهما إلى تبنّي هذا الخيار، لا سيّما من قِبَل حزب الله، عديدة و«عميقة»، أهمّها دعم وحماية المقاومة. من غير المُمكن أن ينسحب هذا النموذج على بقية الطوائف اللبنانية والأحزاب داخلها، لأنّ علّة وجود بقية الأحزاب الطائفية، هي الصراع بين بعضها البعض حول السلطة.
تختلف الرؤيا التي تُقدّمها مصادر معنيّة بإعلان النيّات، عن ما تقدّم. تقول إنّ «القوتين السياسيتين الأكبر في المجتمع المسيحي، هما التيار العوني والقوات اللبنانية. ثبُتَ أنّهما وحدهما غير قادرين على إحداث أي خرق. في المقابل، كانت بقيّة القوى تتخذّ من الانقسام المسيحي، وسيلة من أجل تهميش وتغييب فئة عن الدولة». إنطلاقاً من هنا، بدأ مسار التحضير للقاء عون وجعجع، وإعلان التفاهم. فكان اتفاق «الضرورة والاستراتيجيا». في الرابية، كان «الاتفاق الاستراتيجي من خلال إعلان النيات». أما في معراب، فما حصل هو «اتفاق رئاسي حول السلطة»، وتؤكد المصادر أن الاثنين يكملان بعضهما البعض.
حين تتحدّث المصادر عن «استراتيجيا»، تقصد «ضرورة توحد المسيحيين (التيار والقوات) ضمن إطار واحد، بعد اتفاق الطائف». علماً أنّ التنفيذ العملي لهذا الالتقاء، لم يُترجم إلّا بانتخاب عون رئيساً، وبإقرار قانون استعادة الجنسية. لا تُنكر المصادر أنّ ما حكم علاقة الحزبين خلال المراحل السابقة، وبلغ أوّجه خلال فترة الانتخابات النيابية، هو «خلافٌ على السلطة». هذا السبب، كفيلٌ بأن ينسف أي اتفاق بين فريقين، خصوصاً بغياب «قضيّة» أو عقيدة تجمع بينهما. تُصرّ المصادر على نكران ذلك، بالقول إنّ «فلسفة حضورنا، هي في خياراتنا المتنوعة، والتي نعتبرها غنى لنا. مُصرّين أن يبقى هناك تنّوع. والاختلاف على السلطة، لا يعني أنّ إعلان النيات قد انتهى». تشرح المصادر وجهة نظر مؤيدة لتفاهم «التيار – القوات»، فتقول بإنّه جرى تقديم إطار «أو ضمانة، بإمكانية اللقاء بين المسيحيين كلّما شعروا بخطر وجودي يُهدّد الوضع المسيحي».
بعد كل ما جرّته الحرب الأهلية من ويلات، لا تزال الأحزاب المسيحية تُصرّ على حشر نفسها في إطار طائفي ضيّق، وكأنّ حرب «الكانتونات» على الأبواب. وذلك عِوَض أن تستفيد من «لحظة القوّة» التي قدّمتها الانتخابات النيابية، لا سيّما للقوات اللبنانية والتيار الوطني الحرّ، من أجل الخروج نهائياً من منطق الثنائيات الطائفية إلى الشراكة الوطنية.