«المريض اللبناني يدفع نصف مليون ليرة إضافية سنوياً في دواء واحد». هذا ما خلُصت اليه جمعية حماية المُستهلك لدى مقارنتها أسعار الدواء في لبنان مع تلك المعتمدة في دول تصنيعها. هذه الخلاصة تختصر تداعيات الفساد الذي يفتك بسوق الدواء في لبنان بسبب عامل الوكالات الحصرية لشركات الأدوية المُستوردة، من دون إغفال مسؤولية وزارة الصحة
يبلغ السعر التجاري لدواء plavix 75 لعلاج انسداد الشرايين الذي يحتاجه مرضى الجلطات القلبية او الدماغية نحو 71 ألف ليرة في لبنان. الدواء نفسه يُباع في فرنسا، الدولة المُصنّعة له، بما يعادل 28 ألف ليرة، ما يعني أن سعر هذا الدواء في لبنان يزيد عما هو عليه في فرنسا بنسبة 253%، وفق «جمعية حماية المُستهلك» التي أعدّت تقريرا حول فارق الأسعار بين عدد من الأدوية المزمنة في لبنان، وتلك المعتمدة في بلاد تصنيعها.
وبحسب عدد من الصيادلة، فإنّ الشركة التي تملك وكالة حصرية لبيع هذا الدواء لديها ما يُشبه «إذن» تصنيعه في لبنان، علما أن كل ما تقوم به هو تغليف الحبوب التي تستوردها. لكن هذه «الآلية» تجعل من لبنان، وفق القانون السائد، «بلد المنشأ» للدواء، ما يسمح للشركة ولغيرها ممن تتمتع بوكالات حصرية لبيع الادوية وتحمل «إذونات» مُشابهة بعدم اعتماد جدول الأسعار الذي يرتكز على المُقارنة مع أسعار دول المنشأ الحقيقية.
مصدر مُطّلع على ملف الأدوية أكّد لـ «الأخبار» أن هذه «اللوفكة» تجري بعلم وزارة الصحة، وهي مخرج «ذكي» تلجأ اليه الشركات لإبقاء سعر الدواء مُرتفعاً، في سياق فوضى تسعير الأدوية.
المصدر: جمعية حماية المستهلك | أنقر الصورة للتكبير
«جمعية حماية المُستهلك» أعدّت جدولاً بعدد من الأدوية التي يفوق سعرها في لبنان مئات أضعاف سعرها في بلد المنشأ، لافتة الى تجاوز بعض الفروقات في السعر نسبة 763%، كما هي الحال بالنسبة لدواء Lipitor-Tahor 80 لتخفيف نسبة الدهن في الدم والذي يتناوله بعض مرضى القلب في شكل دائم. إذ يباع هذا الدواء في لبنان بنحو 99 ألف ليرة لبنانية، فيما يبلغ سعره في الدولة المُصنّعة له بما يعادل 13 ألف ليرة لبنانية!
أمّا بالنسبة لدواء Coaprovel لعلاج مرضى الضغط، فيباع في لبنان بنحو 51 ألف ليرة فيما سعره في الدولة المُصنّعة لا يتجاوز 11 ألف ليرة. وبحساب بسيط، فإنّ المريض المُقيم في لبنان يدفع ثمن هذا الدواء سنويا نحو 620 ألف ليرة، فيما يدفع المريض المُقيم في الدولة المُصنّعة له نحو 132 ألف ليرة، ما يعني أنّ «المريض اللبناني يدفع نصف مليون ليرة إضافية سنويا في دواء واحد»!
وأوضحت الجمعية أنها أعدّت الجدول لإعطاء «نموذج عن وضع الدواء في لبنان وسرقة المستهلكين بتواطؤ غير معلن بين بعض الموظفين في وزارة الصحة وبعض المستوردين».
بحسب عدد من الأطباء والصيادلة، تُعدّ هذه الأدوية أساسية لعلاج الأمراض المُزمنة كالضغط والسكّري والقلب وألزهايمر. وهنا تكمن أهمية الأمر وخطورته، إذ إنّ كثيرون من المرضى مُضطرّون لتناول هذه الأدوية بشكل دائم و«إلى الأبد».
رئيس الجمعية الدكتور زهير برو قال لـ «الأخبار» إنّ «الحجّة الدائمة» التي تتذرّع بها وزارة الصحّة هي اختلاف جدول التسعير بين لبنان والدول الأوروبية الذي يؤدي إلى هذا الفارق، «إلّا أنّ الفرق يجب أن لا يتجاوز 30% حدّاً أقصى».
التقرير لفت إلى أنّ «الكثير من الأدوية تُباع بنفس سعر بلد المنشأ وأحيانا أقلّ». واتهمت الجمعية لجنة التسعير في وزارة الصحّة بخلق هذا الواقع الفاسد مُلمّحة الى «الإستثناءات» التي يعمد اليها وزير الصحة للموافقة على الأسعار التي يتقدّم بها المُستورد.
وكان وزير الصحة السابق وائل بو فاعور أصدر عام 2015 قرارا ألزم فيه الشركات المُستوردة للدواء التبليغ عن أي انخفاض في سعر الأدوية خلال سبعة أسابيع.
ووفق برّو، يبدو أن هذا القرار لم يعد يُنفّذ، «وعلينا سؤال المعنيين في الوزارة عمّا إذا كان يتم تطبيقه أم لا».