لم تجرِ الانتخابات البرلمانية اللبنانية الأخيرة كما كان يأمل رئيس الوزراء «سعد الحريري». وفقد حزبه «تيار المستقبل»، الذي أسسه والده عام 1992، اثنا عشر مقعدا من مقاعده، بما في ذلك 5 مقاعد في بيروت، أحد معاقله التقليدية.

ومن جهة أخرى، حصل «التيار الوطني الحر» للرئيس «ميشال عون» على 8 مقاعد إضافية، ليصبح أكبر كتلة في البرلمان. كما حصل الائتلاف الشيعي المكون من «حزب الله» و«حركة أمل» على عدد من المقاعد، في حين حقق حلفاؤه انتصارات مهمة.

وبعد أقل من أسبوع من انتخابات 6 مايو/أيار، أطلق «الحريري» حملة تطهير لإعادة حزبه إلى مساره.

وأقال مسؤولين وحل دائرة الشؤون البرلمانية في «تيار المستقبل». وفي الوقت نفسه، استقال «نادر الحريري»، وهو ابن عم «الحريري»، من منصبه كمدير لمكتب رئيس الوزراء، وأجرى «الحريري» التعديل الوزاري ظاهريا بسبب الأداء السيء للحزب في الانتخابات البرلمانية. لكن هذا فقط جزء من القصة، وكانت إعادة التنظيم أيضا محاولة من جانب رئيس الوزراء لاستعادة العلاقة الجيدة مع السعودية.

سبب واضح

ولم تكن خسارة «تيار المستقبل» في الانتخابات مفاجأة كبيرة. ولأشهر قبل الانتخابات، أفادت وسائل الإعلام اللبنانية بمدى سوء استعداد الحزب للسباق.

وفي الواقع، توقع المراقبون أن يكون «تيار المستقبل» أكبر الخاسرين في السباق؛ بفضل القانون الانتخابي الجديد الذي يخصص المقاعد البرلمانية على أساس نسبة الأصوات التي يتلقاها الحزب.

وصادق «الحريري» على هذا الإجراء، وهو خروج عن نظام الأغلبية السابق، كجزء من صفقة سياسية مع «عون»، على الرغم من حقيقة أنه سيضعف حزبه لا محالة.

وفي هذه العملية، فقد أيضا رئيس الوزراء دعم زعماء السنة الآخرين الذين، مثل «الحريري»، خسروا مقاعد لأحزابهم في المراكز الحضرية ذات الأغلبية السنية مثل بيروت. وكانت المحصلة خسارة «تيار المستقبل» نحو ثلث مقاعده في الانتخابات.

وبهذا التفسير الواضح الأداء للحزب، فإن دعوة «الحريري» لإجراء تحقيق في المسألة، والتي بلغت ذروتها بإقالة الكثير من مسؤولي الحزب، بدت إجرائية وغير مجدية.

وتشير الدلائل إلى تدخل السعودية ومطالبتها بإقالة «نادر الحريري» بسبب ضغوطه لتحسين علاقة «تيار المستقبل» مع «حزب الله»، حليف إيران.

وعود غير محققة

وفي عام 2016، أكد «الحريري» للرياض أنه إذا دعم رئاسة «عون»، فسيكون قادرا على منع «حزب الله» من التدخل في شؤون الدول الأخرى في المنطقة، مثل سوريا. ووافق السعوديون على ذلك، لكن بدلا من تعطيل أنشطته الإقليمية، قام «حزب الله» بزيادتها.

ولم تخفِ الرياض إحباطها من فشل«الحريري» في الوفاء بوعده غير الواقعي.

وأصدر وزير المملكة في الخليج بيانا، في خريف 2017، عبر فيه عن غضبه من صمت الحكومة اللبنانية حول «الحرب على السعودية من قبل حزب الميليشيات الإرهابية (حزب الله)».

ورد «الحريري» بأن على السعودية ألا «تحملنا المسؤولية عن شيء خارج عن إرادتي أو عن إرادة لبنان». وبعد بضعة أيام، استدعاه المسؤولون السعوديون إلى الرياض، ثم احتجزوه هناك، حسبما ورد، لإجباره على الاستقالة من منصبه.

وما دفع المملكة لمحاولة إجبار «الحريري» على ترك منصبه هو اجتماع رئيس الوزراء اللبناني في بيروت مع «علي أكبر ولايتي»، وهو مستشار بارز للمرشد الأعلى الإيراني.

ومع قلقه حول انهيار شركته الإنشاءات التي تتخذ من السعودية مقرا لها، وتقلص ثرواته، استضاف «الحريري» «ولايتي» على ما يبدو في محاولة لتأمين منصبه باسترضاء إيران، وبالتالي «حزب الله».

لكن في محاولته المحافظة على سلطته، أخفى رئيس الوزراء معلومات الاجتماع عن السعودية. وفي النهاية، تدخل الرئيس الفرنسي «إيمانويل ماكرون» للتفاوض على إطلاق سراح «الحريري» من الحجز السعودي، وعاد إلى منصبه في بيروت.

ووضع ولي العهد السعودي الأمير «محمد بن سلمان» شرطا لإطلاق سراح «الحريري»، وهو أن ينأى بنفسه عن «حزب الله» و«عون».

وبإقالة ابن عمه، ربما كان رئيس الوزراء يحاول أن يفعل ذلك بالضبط. ومن المحتمل أن يعلن «حزب الله» على الأرجح تحويل تركيزه من القضايا الإقليمية إلى الشؤون الداخلية، وبهذه الطريقة، سيتاح لرئيس الوزراء المجال للتوصل إلى اتفاق مع السعودية يضمن للرياض مكانا على الطاولة في حكومته المقبلة

المصدر: الخليج الجديد