للمرة الأولى منذ تكليف سعد الحريري تشكيل حكومة ما بعد الانتخابات النيابية، يشعر المعنيون بالملف الحكومي أن عجلة الاتصالات السياسية تحركت، ولو وفق إيقاع عادي جداً حتى الآن، بعدما طالت الفترة الانتظارية (15 يوماً)، ما استوجب مطالبة رئاسة الجمهورية المعنيين بتسريع وتيرة المشاورات، فضلاً عن التذكير بأن مهلة التأليف ليست مفتوحة، وأن التأخير يمكن أن يرتد سلباً على صورة العهد والزخم السياسي الذي رافق صدور نتائج الانتخابات النيابية.
وفي موازاة التحفيز الرئاسي، تحركت الاتصالات خلال الساعات الثماني والأربعين الماضية، على أكثر من خط، وكان محورها الوزراء جبران باسيل (مكلفاً من عون)، غطاس خوري (مكلفاً من الحريري) وعلي حسن خليل (مكلفاً من عين التينة) وملحم رياشي (مكلفاً من معراب) والنائب وائل أبو فاعور (مكلفاً من وليد جنبلاط)، وتمحورت حول موضوع الحكومة العتيدة.
هذه المشاورات واكبها رئيس الجمهورية من خلال لقاءات عقدها في الساعات الأخيرة مع كل من باسيل وخوري ورياشي، وينتظر أن يتوّجها بلقاء الرئيس المكلف قريباً، على أن يستمر التشجيع الرئاسي «بوجوب عدم التراخي والمضي سريعاً الى إنجاز مسودة أولية».
ما تبلور حتى الآن يشي بأن الحريري لا يملك تصوراً متكاملاً يمكنه أن يحمله إلى بعبدا قريباً، انما هناك عناوين، وما صار محسوما هو الآتي:
أولاً، العدد، أي إن الحكومة ستكون موسعة من ثلاثين وزيراً وليس من 24 أو 32 وزيراً.
ثانياً، أن تكون موسعة، لا يعني أنها ستضم كل الاطراف، خصوصاً إذا اعتمد التوجه القائل بأن الكتلة التي تضم 4 نواب وما فوق تنال وزيراً وما دون، ذلك ليس بالضرورة أن تتمثل في الحكومة، وهذا يقود تلقائياً إلى استبعاد تمثيل الكتائب حكومياً، على سبيل المثال لا الحصر.
ثالثاً، لا عقدة شيعية في الوزارة، بعدما توافق حزب الله وحركة أمل على توزيع المقاعد الستة مناصفة، فضلاً عن بقاء وزارة المال من حصة الرئيس نبيه بري. لا ينفي ذلك أن العقد الأخرى (المسيحية والدرزية والسنية) ما زالت قائمة.
رابعاً، أن تكون ثلاثينية، لا يعني استبعاد الأقليات (تحديداً السريان).
خامساً، لا تعديل في توزيع الحقائب السيادية الأربع وفق الصيغة المعمول بها في حكومة تصريف الأعمال.
سادساً، لا حكومة قبل عيد الفطر.
ثمة شهية مفتوحة، وهي مألوفة مع كل حكومة جديدة، ومن هنا، تتبدى الدعوة الرئاسية إلى التواضع. مثلاً حزب القوات اللبنانية يطالب بخمسة وزراء، بينهم نائب رئيس الحكومة. الحزب التقدمي الاشتراكي يريد حصر التمثيل الدرزي بكتلة اللقاء الديمقراطي (ثلاثة وزراء). التكتل الوطني برئاسة الوزير سليمان فرنجية يطالب بوزيرين.. «لذلك، تحتاج الامور الى خفض سقف المطالب والتعامل بواقعية مع ملف التشكيل وعدم التعنّت بما يؤدي الى تأخير ولادة الحكومة».
ماذا عن موقف رئيس الجمهورية؟
ينقل زواره عنه أنه «لن يقول كلمته حتى يعرف على ماذا سترسو المفاوضات، وماذا سيعرض عليه الرئيس المكلف».
وكما أن صدور مرسوم قبول استقالة الحكومة الحالية ومرسوم تكليف رئيس الحكومة محكوم بتوقيع منفرد لرئيس الجمهورية على المرسومين، فإن مرسوم تأليف الحكومة الجديدة بعد اطلاع رئيس مجلس النواب على النتائج النهائية، سيكون محكوماً بتوقيعين من رئيسي الجمهورية والحكومة، «وهذه اللحظة، نأمل ألا تطول كثيراً».
ما تسمعه القيادات الرسمية من موفدين وسفراء عرب وأجانب هو التشجيع على الإسراع في تشكيل الحكومة، لكي يكون لبنان عبر سلطته التنفيذية أكثر حضوراً في مواجهة ملفات حيوية وجوهرية، وأكثر مناعة في مواجهة تحديات وتحولات إقليمية. «لم نسمع إشارات سلبية ظاهرياً، أما إذا كانت هناك أشياء أو أجندات مخفاة، تدفع باتجاه تصعيب التأليف، فنحن حتماً لا نضرب بالرمل»، على حدّ تعبير مصدر معني.