كاد وزير الصحّة العامة غسّان حاصباني، أمس، في مواجهة مافيا الدواء التي تتحكّم بالأسعار أن يطلب من المواطنين الذين يلاحظون ارتفاعاً في سعر دواء معين أن يكتبوا «روشتّاتهم» بأنفسهم (!) عبر الطلب من الصيدلي أو الطبيب «منحهم دواء آخر يحمل التركيبة نفسها ويكون بسعرِ أفضل». يقول عارفون بالملف إن مطلب الوزير صعب التحقّق في ظلّ قانون الوصفة الطبية الموحدة الذي لم يُلزم الطبيب بوصف الأدوية الجينيسية (الـ generique) ما سمح بـ«سيطرة» الأدوية التجارية، فضلاً عن غياب وجود مختبر مركزي للرقابة على هذه الأدوية ليمنح المرضى الثقة اللازمة لاعتمادها كخيار بديل.
وصف وزير الصحة العامة غسّان حاصباني، أمس، الجدول الذي أعدّته «جمعية حماية المُستهلك» حول فارق أسعار بعض الأدوية في لبنان وتلك المعتمدة في الدول المُصنّعة بـ«الافتراء»، مُشيراً إلى أن الجدول «غير صحيح بمجمله ويتناول 0.29 في المئة من الأدوية الموجودة في السوق اللبنانية فقط».
كلام حاصباني جاء في مؤتمر صحافي عقده، أمس، في مكتبه في الوزارة ردّاً على التقرير الذي أعدّته الجمعية ونشرته «الأخبار» أمس، حول غلاء أسعار الأدوية المُستوردة مُقارنة مع بلاد المنشأ. ولفت الى أن تسعير الأدوية يخضع لآلية قانونية واضحة تعتمد الأسعار الأدنى، مشيراً الى خفض أسعار «352 دواء منذ بداية السنة». وطلب من المواطنين المُطالبة بأدوية «الجينيريك» (الأدوية الجينيسية التي تحمل التركيبة نفسها) عندما يكون الدواء التجاري غالي الثمن، مُشدّداً على ضرورة الالتزام بالوصفة الطبية الموّحدة.
رئيس جمعية حماية المُستهلك الدكتور زهير برّو قال لـ «الأخبار»، إنّ قانون الوصفة الطبية الموحدة لم يُلزم الطبيب بالأدوية الجينيسية، ما أتاح لكثير من الأطباء الذين يتعاملون مع شركات الأدوية وصف الأدوية التجارية مقابل تقاضيهم «عمولة»، مُشيراً إلى أن نسبة مبيع الأدوية الجينيسية لا تتعدّى الـ7 في المئة من مجمل مبيع الأدوية، «فيما تتجاوز هذه النسبة في بعض الدول الأوروبية الـ90 في المئة، بسبب مساعي تلك الدول إلى خفض فاتورتها الصحيّة».
الخبير في ملف الدواء الدكتور اسماعيل سكرّية أكد من جهته، أن عدم إلزامية وصفة الأدوية الجينيسية يؤدي إلى لجوء الأطباء إلى «التركيز» على الأدوية التجارية التي تؤمن لهم الأرباح. ووصف سوق الدواء بـ«غير الآمن»، لافتاً إلى عدم وجود مختبر مركزي للرقابة على الأدوية الجينيسية ليمنح المرضى الثقة اللازمة لاعتمادها كخيار بديل.
حاصباني أوضح أنّ أسس تسعير الدواء في لبنان «مبنية منذ عقود على هيكلية حسابية ويتم فيها أخذ رأي كل من وزارات: المال، الاقتصاد والتجارة، الصناعة، نقابة مستوردي الأدوية وأصحاب المستودعات ونقابة مصنعي الأدوية وذلك بعد استشارة مجلس شورى الدولة». وأضاف أنّ «عدد الأدوية المسجلة لتاريخ اليوم في لبنان هو 5733 دواء، في حين أنّ عدد الأدوية التي تناولتها جمعية حماية المستهلك هو 17 دواء أي 0.29 في المئة من تلك الموجودة في السوق اللبنانية». ولفت الى أنّ الجدول «يتضمن أخطاء وهو غير صحيح بمجمله»، والأدوية التي تضمّنها «إمّا غير مسوّقة في لبنان أو ثمة خطأ في الأسعار المذكورة».
وردّ برّو على ذلك بالتأكيد أن الجدول الذي أعدّته الجمعية جاء استناداً إلى «آخر لائحة أسعار نشرتها الوزارة على موقعها الإلكتروني بتاريخ 25 أيار الفائت»، وبالتالي «على الوزارة أن تسأل نفسها حول وجود أسماء الأدوية غير المُسوّقة على لائحتها وعدم سحبها من اللائحة». وفي ما يتعلق بنسبة الـ 0.29 في المئة، قال برّو إنّ الجمعية أعدّت الجدول كنموذج لعدد من الأدوية التي تُستخدم لعلاج الأمراض المُزمنة «ومن الأكثر طلباً وشُهرة في السوق»، لافتاً الى أن الجمعية تحرّكت بناء على شكاوى وردت من مرضى يتناولون غالبية هذه الأدوية. وأشار الى أن لجنة تسعير الأدوية في الوزارة «التي يقوم بعض موظفيها بالسمسرة للموافقة على أسعار الشركات» يمكنها درس بقية الأدوية التي لم تتناولها الجمعية.
ختم حاصباني مؤتمره بالإشارة إلى أن المنافسة مُرتفعة في لبنان «وليس من احتكارات في مجال الدواء، نظراً لوجود كم كبير من أدوية الجينيريك، كما أن وزارة الصحة تضغط في شكل كبير من خلال تطبيق آلية تسعير الدواء (...)»، مُذكّراً بأن عدد الأدوية التي أُعيد تسعيرها بلغ نحو 779 دواء، وبأن الوزارة تطبّق المذكرة 20 المتعلقة بآلية إعادة التسعير التي تلزم الشركات المستوردة بالتبليغ عن أي انخفاض في السعر يطرأ على جميع الأدوية في بلد المنشأ في أسرع وقت ممكن (...)».
سكّرية وصف كلام حاصباني بـ «غير المسؤول» نظراً إلى أنه يُغفل نقاطاً جوهرية تتعلّق بواقع سوق الدواء في لبنان، منها غياب السياسة الوطنية لتسعير الأدوية التي تعتمد على شهادات بلد المنشأ، فضلاً عن «الإلتفاف» على تصنيع الدواء المحلّي عبر استيراد الحبوب من البلد المنشأ وتغليفها محلياً للتهرّب من الالتزام بالتسعيرة الأساسية للبلد المنشأ.
وأكّد أن هناك نحو 8 شركات تستولي على نحو 80 في المئة من سوق الدواء. انطلاقاً من هنا، يبدو أنّ الوزير أغفل المسؤوليات العريضة التي تقع على عاتق وزارته في ما خصّ سوق الدواء. وهذه المسؤوليات، تتعدّى الحديث عن 0.29 في المئة من الأدوية فقط!