يعود الحديث عن النازحين السوريين الى واجهة "الموقف" المحلّي في لبنان. بين "فليعودوا من حيث أتوا" وبين "اعادتهم الى بيوتهم جريمة" وديان من المواقف والخلفيات التي لا يتسع نقاشٌ لحصرها او استعراضها.
ومع عودة هذا الحديث الى التداول، والتراشق احيانا، تنضح بالعنصرية الاواني الصدئة، ويتخذ الامر شكلا مهينا للحدّ الأدنى من الاخلاق والانسانية.. فترى بعض الداعين الى عودة السوريين الى قراهم وبلداتهم غير معنيين بالوضع الامني في هذه القرى والبلدات، مهتمين فقط بأن يعود الكم الهائل من العائلات الفقيرة، ولا بأس ببقاء الاغنياء منهم.. فالأغنياء عادة لا يزعجون العنصريين. في المقلب الآخر، عنصرية أخرى، مقنّعة بالدواعي "الانسانية" مهما بدا القناع رثّا، وكاذبا، ومهما كان ظاهرا ان خلف القناع ما خلفه من مصالح مادية وسياسية تجعل هؤلاء يتمترسون خلف النازحين السوريين لغايات ابسطها دنيء.
وفي الوقت الذي يدعي فيه الفريق الاول ان النزوح السوري تسبب بأزمات اقتصادية كالبطالة ومنافسة اليد العاملة اللبنانية وارتفاع اسعار العقارات (علما بأن حديث الولادة في لبنان يدرك ان سبب هذه الازمات ليس مرتبطا الا بالمشروع الاقتصادي الذي توالت على تنفيذه الحكومات منذ الحريري الأب ولا علاقة للسوريين به) بل وبلغ الامر ببعض المرضى بالعنصرية الى الحديث عن  المنافسة على الهواء والاوكسيجين! ويدعي الفريق الثاني، اي فريق المتمسكين ببقاء النازحين، ان الدولة السورية ستقتلهم ما ان تلمحهم عائدين عبر بوابة المصنع، وقد يغوص بعضهم في الخيال الى حد تصوير المشهد بشكل مخيف، فيظن السامع ان الجيش العربي السوري سيترك محاور القتال ضد المرتزقة المتعددي الجنسيات من صهاينة وارهابيين  وسيتفرغ للتنكيل بالمواطنين السوريين العائدين من لبنان.
وبين طرفي الحبل، يقع النازحون السوريون.. هؤلاء الذين لم يأتوا الى لبنان طمعا بمنافسة اللبناني على مهن يعتبر بعض اللبنانيون اصلا انها "لا تليق بهم"! ولم يأتوا بهدف السياحة والاستجمام، انما اتوا هربا من الموت تحت سيف الارهاب. اتوا لأنهم فقراء لا يمتلكون ثمن تذاكر السفر الى البلاد التي تقدم لهم الامان الشرعي مقابل المال، ولأنهم لم يستطيعوا اتخاذ قرار الدخول تسللا الى تلك البلاد خوفا على اطفالهم. اذاً، هؤلاء ليسوا مستمتعين بوقتهم هنا.. ففي سوريا لهم حياة وكرامة وحقوق.. وان كان ثمة من يقول انهم هنا لأن "الامم المتحدة" تقدم لهم الطبابة والتعليم مجانا، فالجميع يعلم ان ذلك متاح في سوريا حتى في عز الازمة.. لذلك، لا يوجد سبب منطقي يبرر الحديث عن اطماع النازحين بالجنة اللبنانية.
في سوريا اليوم مناطق آمنة، تنتظر اهلها الذين بعثرتهم الحرب وابعدهم شبح الموت.. وفي سوريا دولة حفظت كرامة مواطنيها ومدت للهاربين منهم يدا تصافح عودتهم، وتستقبل حتى اولئك الذين وقعوا، لسبب او لآخر، في خطيئة معاداة الدولة والتحريض عليها.. في سوريا عائلات تنتظر ان يلتم شملها بعودة من غادر لتبكي معه على من خطفت روحه الحرب.. لذلك، لذلك كله، يحق للنازح السوري الذي تهجر من ارض كانت خطرة، وعادت الى نعمة الامان بفضل مئات الشهداء البواسل، يحق له ان يتخذ قرار العودة، ان يرفض البقاء كدجاجة تبيض ذهبا لمن "يتسوّل" من الجمعيات العالمية بحجة النزوح السوري.. يحق له ان يرفض ان يصبح متراسا يختبىء خلفه اسوأ من تبجح بالانسانية كي يمارس نقيضها، ويحق له ان يعود كريما الى دولته كما خرج منها، بكرامته كاملةً، مصحوبةً بزهو النصر الذي حققته دولته على الإرهاب العالمي وداعميه.


 

المصدر: خاص شاهد نيوز

المقالات الواردة في الموقع تعبر عن آراء أصحابها ولا تعبر عن رأي إدارة الموقع