لم يعد الخلاف حول الملّف الحكومي محصوراً بين رئاسة الجمهورية والتيار الوطني الحرّ من جهة، والقوات اللبنانية واللقاء الديموقراطي من جهة أخرى. فقد انضم تيار المستقبل، أمس، إلى حملة الضغط على العهد. فيما تشير المعطيات إلى أنّ الحكومة لن تُبصر النور في المدى القريب، إلا إذا حصلت تطورات انقلابية قبيل سفر الرئيس نبيه بري غداً

عاد الملّف الحكومي إلى نقطة الصفر، منذ أن غادر رئيس الحكومة المُكلّف سعد الحريري قصر بعبدا، يوم الجمعة المنصرم. الساعات الثماني والأربعين الماضية تشي بتأزم سياسي ــــ حكومي، خصوصاً بعد أن بلغت الأمور حدّ اتهام الفريق المحسوب على رئاسة الجمهورية، القوات اللبنانية بأنّها تُريد، من خلال «نفخ حصّتها» (الحصول على خمس حقائب ومنصب نائب رئيس الحكومة وحقيبة سيادية)، تعطيل تشكيل الحكومة، لإدراكها حاجة العهد الرئاسي إلى أن تُبصر التشكيلة النور بأسرع وقت. ومن خلال الأسلوب نفسه، تُحاول القوات اللبنانية، الحليفة الأولى للسعودية في لبنان، الإيحاء بأنّ الرئيس ميشال عون هو الذي يؤخّر تشكيل الحكومة الجديدة. يبدو ذلك مفهوماً بين فريقين يسعى كلّ منهما إلى إلغاء الآخر. لهذه الغاية، يلعبان كلّ الأوراق التي بين أيديهما، وكأنّها «أمّ المعارك» الوجودية. إلا أنّ المُستغرب كان أن يصبح حزب القوات اللبنانية وتيار المستقبل، فجأةً، فريقاً سياسياً واحداً، فيُشارك التيار الأزرق في الهجوم على بعبدا، في خطوة فسرها المراقبون «بأنها تندرج في خانة التجاوب الحريري مع الإرادة السعودية».

الهجوم «المُستقبلي» على عون، تجلّى أمس في مُقدّمة نشرة أخبار تلفزيون المستقبل، والتي لم تكن القوات اللبنانية «غريبةً» عنها. فقد نقلت القناة الزرقاء عن «مصادر مُتابعة»، أنّ الحريري «قدّم لرئيس الجمهورية خريطة طريق لتشكيل الحكومة على قاعدة حفظ حقوق الجميع وتمثيلهم بما يتناسب مع أحجامهم»، مُعتبرةً أنّه «لا أعراف لتشكيل الحكومة خارج العُرف الوحيد المتعارف عليه المتعلّق بتوزيع الحقائب الأربع الأساسية». العُرف المقصود هو، منصب نائب رئيس الحكومة، الذي تُريد القوات اللبنانية استكمال «وضع اليد» عليه، في حين أنّ عون يعتبر أنّ هذا المنصب يندرج «عُرفاً» ضمن حصّة رئاسة الجمهورية، وهو يُريد «استعادته» بعد أن «تنازل» عنه في الحكومة الماضية لـ«القوات». الأمر الآخر الذي أشارت إليه قناة المستقبل، هو أنّ «الثلث الضامن غير مطروح على جدول أعمال التأليف».
النقطة الأخيرة، أتت ردّاً على المطلب الجديد لوزير الخارجية جبران باسيل. بحسب المعلومات، رَفع باسيل الحصة التي يُطالب بها فريقَا رئاسة الجمهورية ـــــــ التيار الوطني الحرّ، من 9 وزراء إلى 11 وزيراً، على أن تضمّ وزيراً عن الطائفة السنية وآخر عن الطائفة الدرزية. في مقابل حصول «القوات» على ثلاث حقائب، وتيار المردة على حقيبة واحدة، مع وضع «فيتو» على تولّي «المردة» حقيبة الأشغال، بحسب الطرح الذي قدّمه باسيل. يُضاف إلى ذلك، مُبادرة الحريري إلى إلغاء موعده مع باسيل، والذي كان مُقرّراً يوم السبت الماضي، لاعتبار رئيس الحكومة أنّه ليس لدى باسيل أي أجوبة إيجابية في ما يتعلّق بخريطة الطريق التي رفعها الحريري إلى رئيس الجمهورية يوم الجمعة. كما أنّ الحريري أحجم، في المقابل، عن زيارة بعبدا، أمس، كما كان متوقعاً. كلّ ذلك، يعني أنّ «الجوّ سلبي، ولا توجد بوادر للحلّ»، بحسب المعنيين.

مصادر «التيار»: إذا أصر الحريري على مراعاة القوات والاشتراكي، يمكنه أن يعطيهما من حصته


في المقابل، استغربت مصادر واسعة الإطلاع في التيار الوطني الحر إشاعة أجواء التفاؤل عن قرب التأليف في اليومين الماضيين على رغم استمرار العقد على حالها، «وكأنّ هناك من تعمّد ذلك ليرمي بتبعات هذه العِقد على قوى أخرى». على رغم ذلك، أكدت المصادر لـ«الأخبار» أنّ الكرة في ملعب الحريري «الذي يمكنه تشكيل الوزارة بسرعة كبيرة في حال وضع القواعد الأساسية المنطقية للتأليف وغادر منطق مراعاة من يريدون أخذ حصص أكبر من أحجامهم». وسألت: «بأي منطق يُطالب النائب وليد جنبلاط بثلاثة وزراء بعدما تراجع تمثيله النيابي إلى تسعة نواب فيما كان في الحكومات السابقة يتمثل بوزيرين على رغم أنّ كتلته كانت تعد 17 نائباً؟ ولماذا لا يتمثل النائب طلال إرسلان، أو من يمثله، وهو الذي خاض معركة وربح فيها؟ وإذا كانت القوات ستتمثل بثلاثة وزراء، فهذا يعني وفق قاعدة النسبة والتناسب التي نصرّ عليها أن من حق التيار الوطني الحر أن يتمثل بتسعة وزراء، وكذلك الأمر بالنسبة لثنائي حزب الله - أمل». وإذ شدّدت المصادر على أنّ منصب نائب رئيس الحكومة «من حصة رئيس الجمهورية، ونقطة على أول السطر»، أكّدت «أننا لا نمانع في إعطاء القوات وجنبلاط ما يريدان ولكن ليس من حصتنا. يمكن رئيس الحكومة إذا أصر على مراعاتهم أن يعطيهم من حصته».
المصادر نفسها أشارت إلى أن الاتفاق السياسي بين التيار والقوات «الذي يتهموننا بالتراجع عنه، ينصّ على رأس بنوده أن يكون تكتل القوات كتلة للعهد وحامية له سياسياً. لكن أداءهم في كلّ المرحلة الماضية أظهر عكس ذلك، من وقوفهم في وجهنا في مجلس الوزراء إلى طعنهم بصلاحيات الرئيس في توقيعه مرسوم التجنيس». وحول ما إذا كان هناك توجه داخل التيار إلى فصل النيابة عن الوزارة، لفتت المصادر إلى أن «القانون الذي تقدمنا به في هذا الشأن لم يمر في المجلس النيابي. وعليه ليس ما يلزمنا بذلك. نفعل ما نراه مناسباً ووفق مصلحتنا».

المصدر: الاخبار