مفاوضات أمس الحكومية تشي بأن التأليف الحكومي مؤجل حتى إشعار آخر. تدل على ذلك خارطة طريق تتضمن الخطوات الآتية: أولاً، تثبيت مناخ التهدئة السياسية. ثانياً، تكثيف اللقاءات وتوسيع قاعدتها لتذليل العقد السياسية ــــ الحكومية. ثالثاً، خوض غمار التأليف. ثلاث مراحل ينتظر أن تستهلك شهر تموز كله، ولا بأس بتمضية الرئيسين نبيه بري وسعد الحريري إجازتيهما في الخارج، ولا مانع من أن ينضم آخرون إليهما
من موقع التمسك الرئاسي بالمصالحة المسيحية، جاءت المبادرة الرئاسية بدعوة رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع إلى القصر الجمهوري. لقاء دام 35 دقيقة عرض خلاله كل من رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وجعجع لمسار بدأ منذ ولادة التسوية الرئاسية وتشكيل حكومة سعد الحريري الحالية التي تتولى تصريف الاعمال والأداء الوزاري فيها والمواقف من قضايا وملفات أساسية طرحت على جدول أعمالها، وصولاً الى مسار تأليف الحكومة المنتظرة غداة الانتخابات النيابية الأخيرة.
ثمرة اللقاء تأكيد المؤكد في تمسّك الطرفين بالتفاهم، وعود على بدء لجهة تفعيل قناة ملحم الرياشي ــــ ابراهيم كنعان لتبديد الغيوم التي تراكمت في سماء العلاقة بين التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية. تأكيد من الجانبين على إيجابية اللقاء رغم وقته القصير. تثبيت ما اتفق عليه عون في اجتماعه الاخير مع الحريري لجهة وقف التصعيد الكلامي، واعتماد الخطاب السياسي الهادئ من الجميع وتفعيل اللقاءات مع القوى السياسية المعنية بالعقد الحكومية من أجل تذليلها، بما يؤسس لولادة حكومية في أسرع وقت ممكن.
في اللقاء، كان تشديد من عون «على وجوب سيادة مناخ سليم وهادئ وبلا تشنجات لتسهيل ولادة الحكومة»، وبالنسبة إلى العلاقة بين التيار والقوات «سيحصل تحرك مشترك لإزالة الغيوم التي ظهرت في سماء العلاقة»، مع تأكيد الجانبين أن اللقاء لم يتطرق إلى موضوع أعداد الوزراء ولا الحقائب ولا إلى أيّ تفاصيل لها علاقة بنوعية الحقائب، إنما تركيز على التواصل المشترك بين القوات والتيار، وتطرق الجانبان إلى باقي العقد الحكومية، فيما ركز جعجع على أهمية حماية موقع رئاسة الجمهورية.
وما دعوة رئيس الجمهورية الموجهة إلى جعجع من أجل تكريس التفاهم مع رئيس التيار الوطني الحر أولاً، قبل الخوض في الملف الحكومي، إلا إشارة دالة على أن تفاهم الحليفين المسيحيين هو الممر الإلزامي لحل العقدة المسيحية، مع إقرار عون وجعجع بوجود عقد أخرى لا تقل أهمية عن هذه العقدة.
خارطة الطريق التي تحدث عنها جعجع بعد اللقاء تعني «مباشرة الاتصالات بين القوات والتيار لإزالة الجو المتوتر الذي ارتدّ سلبا على مسار التأليف الحكومي»، لذلك، لا بد من لقاء «مطلوب وضروري بين جعجع وباسيل، وهذا اللقاء لن يكون ببعيد، كما أنه كلما اقتضت الحاجة سيزور جعجع القصر الجمهوري».
وبعد انتهاء اللقاء، زار وزير الإعلام ملحم الرياشي الرئيس الحريري ووضعه في أجواء لقاء بعبدا، وخلال اللقاء، اتصل الرياشي برئيس الجمهورية ثم تحدث معه الحريري. وبعد انضمام النائب وائل أبو فاعور إلى اجتماع الحريري والرياشي، حصل تواصل بين أبو فاعور وجعجع الذي تمنى عليه نقل رسالة الى رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط يتمنى فيها تثبيت مناخ التهدئة مع رئاسة الجمهورية، من أجل الدخول في مرحلة نقاش موسع حول الحصص الحكومية في مرحلة لاحقة.
وخلال اللقاء، وضع الحريري كلاً من أبو فاعور والرياشي في أجواء الجلسة المطولة التي عقدها، ليل أول من أمس، مع الوزير جبران باسيل، واصفاً اللقاء بأنه كان «ممتازاً».
في هذا السياق، علمت «الأخبار» أن باسيل أبلغ الحريري أن التيار الوطني متمسك بموقفه من التأليف لجهة رفضه أن يؤدي تمثيل القوات أو أي طرف آخر إلى الانتقاص من تمثيل التيار أو أن يتم تكبير حجم القوات أو أي طرف آخر على حساب التيار الحر، كما تبنّى باسيل معادلة السيد حسن نصرالله لجهة اعتماد معيار محدد أو النسبة والتناسب، فإذا أعطيت القوات (15 مقعداً نيابياً) أربع حقائب في الحكومة، فستكون حصة كتلة «لبنان القوي»(29 مقعداً) ثماني حقائب وزارية.
وعُلم أن الحريري شدد على أهمية التهدئة من جهة، وعلى حرصه الشديد على أفضل علاقة تعاون وتنسيق مع رئيس الجمهورية، نافياً كل ما يقال عن أبعاد خارجية تقف وراء تعثر التأليف، وأكد أنه ليس في وارد خوض أي معركة مع رئيس الجمهورية سواء لأسباب داخلية أو خارجية.
ماذا قال جعجع للصحافيين؟
من جهته، قال جعجع للصحافيين في بعبدا إنه أبلغ رئيس الجمهورية «أننا لم نغيّر نظرتنا الى العهد منذ اللحظة الاولى، وأنه في ظل ما يحكى عن حصة الرئيس في الحكومة في الفترة الاخيرة، نعتبر أن الوزراء الثلاثين عموماً والخمسة عشر مسيحياً فيها خصوصاً، هم حصة الرئيس، كما أبلغته أن بإمكانه الاعتماد على حزبين وليس على حزب واحد فقط». وأضاف «لم أضع فيتو على احد، وفي الوقت نفسه، لا أرغب في أن يضع أحد فيتو علينا، لأن هذا المسار لن يوصل الى أي مكان، وعلينا بتسريع الخطوات، ونملك النية للوصول الى حكومة في أسرع وقت ممكن، انطلاقاً من الوضع الصعب الذي يعيشه اللبنانيون»، داعياً جميع الفرقاء إلى تقديم تنازلات.
وحول الحصص والاحجام قال جعجع: «لا يمكن أن يتم الحديث عن الحصص والاعداد في الاعلام، وأتمنى على الجميع عدم الحديث في هذا الموضوع عبر وسائل الاعلام، لأن من شأن ذلك تعقيد الامور. يمكن الكلام عن هذا الموضوع في الغرف المغلقة، وعلى هذا الاساس تبنى التفاهمات. ليست المسألة متعلقة بالنيّات فقط، فقد أرسل فخامته بطلبي ليبلغني بوجوب الاسراع في التشكيل، وبأنه يعتبر التيار بمثابة عينه كما القوات اللبنانية، وبأن لا فيتو على القوات من قبل احد، وهو لا يقبل بوضع العصي في دواليبها من قبل احد، وهذا ما اتفقنا عليه. الاتفاق على خارطة الطريق (مع رئيس الجمهورية) سيتم تنفيذه خطوة تلو الاخرى».
وعن دخول السعودية على الخط وأنها طلبت من الرئيس الحريري مراعاة القوات اللبنانية، وهذا ما قد يوصلها الى القبول بأربعة مقاعد وزارية من دون حصة نائب رئيس مجلس الوزراء، رفض جعجع الدخول في أي تفاصيل «لأن القيل والقال في السياسة لا يجوز. لكن ما لاحظته مع آخرين ايضاً، أن الرئيس الحريري يعتبر تعاطيه مع القوات هو الطبيعي، وان العلاقة الباردة كانت غير طبيعية. من الممكن ان يكون الاخوة السعوديون قد وجهوا مثل هذا الكلام اليه، ولكنه ليس بحاجة الى احد ليقول له ذلك، خصوصاً بعد قراءة نتائج الانتخابات وملامح المرحلة السابقة والمقبلة».
وأكد جعجع ان التواصل بينه وبين باسيل «سيستأنف بكل تأكيد، وليس بعد تشكيل الحكومة. من المؤكد ان القوات تميّز في العلاقة بين رئيس الجمهورية والتيار الوطني الحر. فرئيس الجمهورية ليس رئيس التيار حالياً، ونتعاطى معه من هذا المنطلق، أي إنه رئيس جميع اللبنانيين، وهذا هو اساس التمييز في العلاقة، ولسنا في وارد دس الدسائس بين رئيس الجمهورية وصهره».
وعن حديث النائب جورج عدوان عن أن اتفاق معراب ينص على أن تكون حصة القوات توازي حصة التيار الوطني الحر في حكومات العهد، قال جعجع «لا نريد وثائق أو اتفاقات أو أي أمر آخر، بل أفعالاً. فالوثيقة موجودة، ولكن لا نريد أن تكون هي فقط ما يربطنا بالتيار الوطني الحر».
وردا على سؤال، قال جعجع «إن تأييدنا للعهد أمر مفروغ منه، لكن هذا التأييد لا يشمل كل فرد من أفراد التيار الوطني الحر. فالبعض يوحي وكأن تأييدنا للعهد يعني قبولنا بكل ما يطرحه أحد المحسوبين على العهد (علماً بأننا نحن محسوبون على العهد ايضاً)، وهذا ما أوضحته لفخامة الرئيس لجهة أن لكل رأيه، لكن هذا الامر لا يتخطى سقف التأييد للعهد. وأتمنى أن تعودوا الى محاضر مجلس الوزراء، فستجدون أن تأييد وزراء القوات لوزراء التيار الوطني الحر أكثر بكثير من معارضتهم لهم».
بيان رؤساء الحكومات... وتوضيح بعبدا
في السياق الحكومي، ولكن من زاوية اجتماع الحريري برؤساء الحكومات السابقين، يوم السبت الماضي، والحديث عن محاولة تكبيل الرئيس المكلف، أكدت أوساط بعبدا لـ«الأخبار» أن «من يعود الى بيان رئاسة الجمهورية الأخير، لن يجد في مضمونه أو تحليله أو تأويله أي مصادرة لصلاحيات الرئيس المكلف، ولا أي افتئات على دوره في عملية تأليف الحكومة، وجلّ ما في الامر تأكيد على الالتزام بالدستور والاعراف التي التزم بها كل رؤساء الحكومات، وبالتالي لا يمس رئيس الجمهورية أو يقترب من صلاحيات الرئيس المكلف، بل يسجل له أنه دافع عن موقع الرئاسة الثالثة وصلاحياتها بما لم يدافع أحد، وهو رفض المس برئيس الحكومة وبصلاحياته في اصعب الظروف».
واوضحت الاوساط نفسها «أن الحديث عن حق رئيس الجمهورية بتسمية نائب رئيس الحكومة ووزراء في الحكومة هو عرف مكرّس وليس أمر مخترع، وليس في الامر اعتداء على صلاحيات رئيس الحكومة المكلف، وكل ما سرّب من كلام منسوب الى رؤساء الحكومات ينقضه كلام الرئيس الحريري نفسه من بعبدا بعد اللقاء الاخير، عن متانة علاقته برئيس الجمهورية».
أبو فاعور: لقاء الحريري وجنبلاط «وارد»
أكّد النائب وائل أبو فاعور، بعد لقائه الرئيس سعد الحريري، أمس، أنّ الحزب التقدمي الاشتراكي على موقفه في ما يتعلق بالحصة الدرزية في الحكومة، استناداً إلى النتائج الواضحة للانتخابات النيابية. وقال «إذا كان هناك معيار يلتزم به الجميع هو احترام نتائج الانتخابات، فالتمثيل الدرزي يجب أن يكون بمن يسميّهم الحزب التقدمي الاشتراكي». وشدّد على أنّ اللقاء بين الحريري ورئيس الحزب التقدمي وليد جنبلاط «وارد وقائم في أي لحظة، والعلاقة بينهما تتجاوز التفاصيل البروتوكولية، والاتصالات بينهما جارية».
وقال في حديث تلفزيوني ليلاً، على هامش عشاء مؤسسة وليد جنبلاط للدراسات الجامعية، إن الاشتراكي يتمسّك بالمقاعد الدرزية الثلاثة في الحكومة الثلاثينية «ونقطة على السطر».