مرّتان فقط بلغت التكهّنات في شأن مآل العلاقة بين «القوات اللبنانية» و»حزب الله» ذروتها، يوم قرّر الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله في كانون الأول من العام المنصرم ذكر «القوات» بالإسم عبر الإشارة الى «أنها قوة سياسية وأساسية في البلد لها تمثيلها وناسها وقواعدها».
كان العماد ميشال عون قد انتخب رئيساً للجمهورية بدفع مصالحة قواتية – عونية وتقارب مسيحي «باركه» «حزب الله» وأّيّده، فيما العدّ العكسي للانتخابات النيابية كان قد بدأ.

الاشارة الثانية الملفتة تأكيد نصرالله خلال إحياء ذكرى «عيد المقاومة والتحرير» في 25 أيار الماضي تصميمه على «خوض معركة وطنية شاملة في مواجهة الفساد وليس مواجهة حزبية فقط أو مذهبية»، قائلاً «قد نختلف مع بعض الأفرقاء إستراتيجياً، لكن لا شيء يمنع من التعاون معهم في مكافحة الفساد». سريعاً رُصدت رسالة واضحة من «الحزب» في اتّجاه «القوات» وحزب الكتائب الفريقين المسيحيين اللذين يختلفان إستراتيجياً معه، لكنهما يضعان شعارات مكافحة الفساد ضمن أولوياتهما.

قبل ذلك وبعده، لم يطرأ على العلاقة الثنائية بين «القوات» و«حزب الله» ما يغيّر من «كلاسيكيّتها». حتّى في عزّ الحديث عن تقارب «الأمر الواقع» الذي فرضته مفاوضات تأليف الحكومة لجهة عدم ممانعة الحزب في أن تأخذ «القوات» حصتها «المنطقية» في حكومة العهد الثانية، ورفض عزلها، والإيحاء بعدم وجود أيّ «فيتو» على تسلّم وزير قواتي حقيبة سيادية، بما في ذلك وزارة الدفاع، أو تسلّم موقع نائب رئيس الحكومة، لم يطرأ تطوّر، ولو «شكلي»، على العلاقة يؤشّر الى تغيير سلبي أو إيجابي. الأدق القول، ومقارنةً بالحقبات السابقة، هي مرحلة المهادنة والاستيعاب المتبادل بإمتياز، ربما لمصلحة «حزب الله» نفسه في المرحلة الراهنة بوجود فريق مسيحي يتعاطى بندّية مع «فريق العهد» المسيحي.

حين طَالب نصرالله بـ«وحدة المعايير» في التمثيل بالحكومة قَصَد تحديداً الرئيس سعد الحريري، «التيار الوطني الحر» و«القوات اللبنانية» معاً. لم يتبنَ الحرب «الباسيلية» المعلنة على مَن يحاول «نيل حصة أكبر من حجمه والتلاعب بالمعايير». أخذ مسافة من العقد الوزارية مفضِّلاً التحذير من «الإدارة» الحالية لعملية التأليف، ولم يطرح نفسه طرفاً لمصلحة «التيار» في مواجهة «القوات».

جعجع، كان ولا يزال، يمنّي النفس بتقارب مع الحزب يعمل من أجله بصمتٍ وتأنٍ كمَن يحوك سجادة إيرانية. «حزب الله»، بنوابه ووزرائه، تفاعَل مع «الحالة القواتية» في السلطة بالحدّ المطلوب والمسموح من دون إشتباك مباشر.

كادت الأمور فعلاً أن تصل الى حالة تصالحية، أقلّه في الشكل، تجعل من الفريقين أقرب بعضهما الى بعض في ظلّ إستياء «حزب الله» من بعض ممارسات وزراء «التيار الوطني الحر» في الحكومة الحالية، وعلامات إستفهام حول أداء الوزير جبران باسيل وإجتهاداته، في مقابل ثناء على «بروفيل» وإنتاجيّة وزراء «القوات».

لا شيءَ في السياسة على شاكلة «ما في نوى». حتى بعد محنة إستقالة الحريري من الرياض، والتي أعادت عقاربَ علاقة «الحزب» و«القوات» الى الوراء لجهة إحياء معراب سياسة المحاور بتبنيها «المشهد» السعودي للاستقالة، بقي خيطُ التواصل الرفيع قائماً و«منتجاً» في كثير من الأحيان، ومداولات جلسات مجلس الوزراء شاهدة على ذلك.

تجربة التعاون تحت سقف حكومة الحريري الثانية ساهمت بالتأكيد في كسر مزيد من الجدران بين الحزبين، لكن ليس الى حدّ الحديث عن «تفاهم» سبق لجعجع أن لمّح الى رغبته في حصوله بعد خروجه من لقاء مع رئيس الجمهورية في كانون الأول الماضي.

تحدّث جعجع دوماً عن «عدم صدقيّة السيد حسن نصرالله في تبنّي ترشيح «الجنرال» وإلّا لكان ضغط على سليمان فرنجية للانسحاب»! رهان آخر خاسر لرئيس حزب «القوات»، لكن في تقدير قواتيّين «دعم الحزب للعهد، بما في ذلك أداء الفريق السياسي التابع له، لن يطول إذا إستمرت الممارساتُ نفسها. نحن رفعنا الصوت، و«حزب الله» قد لا يتردّد في فعل ذلك، خصوصاً أنّ الشعار الاول له في الحكومة المقبلة هو محاربة الفساد».

في الأشهر الأولى للحكومة لحقَ جعجع الحريري في تبنّي نظرية فصل المسارات بين المسائل الخلافية مع «حزب الله» في شأن سلاحه والقتال في سوريا و«الجرود» عن مسار الملفات الداخلية. أُعجِب «الحكيم» بالتجربة لكنها إنتهت عملياً بكباش مباشر بين الوزراء «العونيّين» و«القواتيّين» وجد فيه الحزب نفسه أقرب الى تبنّي وجهة نظر معراب في أكثر من ملف بينها التعيينات وآليتها وقضية إستئجار البواخر العائمة.

في آلية التعيينات التي دار في شأنها جدل بيزنطي داخل الحكومة لم يتردّد الوزيران حسين الحاج حسن ومحمد فنيش في تذكير كل من الحريري وباسيل «أنها إحدى أدوات التغيير والإصلاح»، بعد ظهور ميل الأخيرين الى الاستغناء عنها في التوظيف!

في سياق آخر، ووسط «التحرير» التدريجي لجرود عرسال وبعلبك والقاع صيف العام الفائت، ومساهمة «حزب الله» المباشرة فيه (لجهة عرسال) لم يكن أمراً عادياً إعتكافُ جعجع عن عقد أيِّ مؤتمر صحافي لمهاجمة «تهوّر» «حزب الله». عملياً، أثنى «الحكيم» على «الغاية» متغاضياً عن «الوسيلة»: جرود عرسال إرتاحت وهذا المهمّ!

في إنتخابات بعلبك – الهرمل تفهّم «حزب الله» تماماً دواعي معركة المقعد المسيحي لـ«القوات». ما لم يتفهّمه تأليف لائحة عونيّة أخذت من درب لائحة حركة «أمل» – «حزب الله»، وكان يمكن عدم وجودها أن يرفع حاصل اللائحة الى 9، خصوصاً أنه لم يكن هناك أيُّ أمل في الفوز بأيِّ مقعد. الحزب أصلاً من المباركين الاوائل لقانون «كسر الاحتكارات» وتحويل «المحادل» دراجاتٍ هوائية!

الملفت أخذ الحزب بجدّية وبنوع من التقدير نسبة التصويت المسيحي التي بلغت 14 الفاً (التصويت الماروني تخطى 60%)، من بينها نحو 900 صوت شيعي لمصلحة المرشح طوني حبشي الذي تمكّن أيضاً من جذب «البلوك» الكاثوليكي للتصويت لمرشح ماروني. شهادة «التقدير» الأهم هي تجنّب «القوات» إعتماد الخطاب الطائفي والتحريضي في معاركها ضمن الدوائر المعنيّة بها، بعكس باسيل تماماً.

تقاطع آخر ملفت جداً ترجم من خلال الصمت المعبّر لـ«القوات» حتى الان من دخول «حزب الله» ميدانياً على خط المساهمة في تأمين العودة الطوعية للنازحين السوريين وتشكيل لجان حزبية لهذه الغاية. لا بيانات إستنكار ولا هجوم مركّز على الحزب الذي يبدو كمن يقول للحكومة الرافضة للتنسيق مع النظام السوي «الامر لي». قنبلة النازحين تشكّل عملياً نقطة إلتقاء نادرة بين «التيار» و«القوات» و«حزب الله» تحت عنوان العودة الفورية.

المصدر: ملاك عقيل – الجمهورية