تعود ذكرى حرب تموز ٢٠٠٦ ومعها يعود جمع الانفعالات التي رافقت احداث تلك الحرب.. تحت سماء الجنوب، تكاد تسمع تعليمات قائد الانتصارات قبيل ساعة الصفر لتنفيذ عملية أسر الجنديين العدوّين.. وفي كل حين، يخيّل إليك أن التراب يستعيد صوت خطى رجال الشمس وهم يكتبون الانتصار الذي غيّر وجه الصراع.. وإن مررت في وادي الحجير، يمكنك سماع صدى نواح جنود النخبة الصهيونية وقد حفظه الصّخر حجة على من كان يدّعي أن الهزيمة قضاء وقدر.. الثاني عشر من تموز، وخلّة وردة لا زالت تزهو بانتصارها على دنس العدو، وتزهر عزّاً لا مثيل له ولا شبيه..
٣٣ يوما من العدوان، من التصدي ومن تلقين احد اعتى جيوش العالم عتادا واجراما درسا اعاد العقيدة القتالية الصهيونية الى الصفر.. ٣٣ يوما والبيوت في القرى لا زالت تتذكّر دويّ الاجرام وحكايات المجازر.. ٣٣ يوما وما زالت ضاحية الإباء مدينة نهضت من ركامها اجمل وحدّثت التاريخ عن أزقّتها التي خرج منها أو مرّ بها الشهداء والجرحى وكل المقاومين..
ما بعد تموز ٢٠٠٦ ليس كما قبله بكل المقاييس، سواء بالنسبة للعدو أو للصديق.. فذلك التاريخ اعاد صناعة موازين القوى، وضع الصهاينة في مأزق الأذلاء في كل التحام، وجعلهم يعيدون حساباتهم العسكرية وحتى الوجودية لا سيما في معارك مارون الراس وبنت جبيل.. حيث فشلوا أمام "قلّة" من رجال قاتلوا للحق وللحرية، وانتصروا.
كذلك اسقط ذلك التاريخ الأقنعة عن وجوه استقوت بالصهيوني و"شدت به ظهرها" وعاونته وكلها يقين انه سيلغي سلاح المقاومة.. فبدت في نهاية الحرب عارية من كل ستر اخلاقي ووطني.. حتى بدا ان كرامات اصحابها تدمرّت بفعل الصواريخ الذكية التي استخدمها الصهاينة. محليا، اقليميا ودوليا، شكل تموز ٢٠٠٦ محطة ولد فيها للمقاومة ألف أخ لم تلده أمها.. فكان موقف الرئيس الڤنزويلي الراحل هوغو شافيز وغيره علامة فارقة في تمييز الصديق من العدو فيما سقطت وجوه واسماء "عربية" في مستنقع التصويب على المقاومة لصالح الصهيوني.
وفي تموز ٢٠٠٦ ايضا، ادهش اهل المقاومة، "اشرف الناس"، العالم بشجاعة طهرهم، وبطهر وطنيتهم، بالتفافهم حول ابنائهم، حول سلاح عزتهم، رغم الجراح ورغم التهجير ورغم التعب.. بدا الوجع في ساعات تلك الحرب حافزا للقتال.. فتحولت عبارة "فدا السيد.." من مجرد تعبير عن الحب والولاء الى رسالة قرأها العالم أجمع.. إنهم قوم حق وقوم عزّ وقوم شرف.. يدركون ان ذلك السلاح سلاحهم في الدفاع عن الحق، حقهم.. وأن العزّ في الموت الأبيّ أبقى من رفاهية وامان حياة خالية من معنى الكرامة.. وان الشرف ليس في جاه ولا مناصب انما في صون حرية الأرض وقيمة الانسان.. وحين قالوا "فدا السيّد.." فلأن السيد هو الصورة عن كل ذلك.. هو الأب الذي كل ابنه كل مقاوم، وهو الأخ الذي سند كل بيت.. ٣٣ يوما من الفداء انتهت بالنصر الموشوم بآيات العز وبالندوب التي تحكي حكايات جراح كسرت انصال السكاكين..
هو شهر العزّ.. ذاكرة الانتصار العظيم العظيم.. هو شهر المقاومين واهلهم.. شهر البيوت التي منها تخرجت مفاهيم الكرامة الوطنية، وتكرّست توازن رعب جعل الصهاينة يدركون أنهم في طريقهم إلى الزوال.. وأن الحرب التالية ستكون ربما اخر حروبهم.. ان تجرأوا وفعلوها!

المصدر: خاص شاهد نيوز

المقالات الواردة في الموقع تعبر عن آراء أصحابها ولا تعبر عن رأي إدارة الموقع