إنها السادسة والنصف عصراً. هو التوقيت الجديد الذي اختاره العدو في يوم صيفي. كالعادة، هذا الفصل الأفضل للحرب عند العدو. الطائرات تغير على مئات المنشآت والمنازل والأبنية التي تعتبرها أهدافاً مشروعة. القصف المدفعي والصاروخي من داخل فلسطين المحتلة لا يتوقف على مدار الساعة، كما هي صواريخ سلاح البحرية المعادية.
الهاربون من جحيم القصف يحاولون التحايل على القذائف والصواريخ للوصول إلى مناطق أكثر أماناً. تقود الأمم المتحدة أكبر عملية تجميع لعناصرها العاملين في الجنوب تمهيداً لإخلائهم. تنشط سفارات أجنبية في عملية إخلاء الآلاف من الأجانب المقيمين في لبنان عبر كافة المرافق الحدودية البرية والبحرية والجوية.
في بيروت، تعقد الحكومة جلسة طارئة تسعى خلالها إلى التهدئة وتطالب ــــ كالعادة ــــ المجتمع الدولي بالتدخّل، ولا تهمل أن تطالب المقاومة بضبط النفس. بينما يقوم الجيش اللبناني بأكبر عملية إعادة انتشار لقواته في غالبية المناطق اللبنانية. يهرع الناس، خصوصاً في المدن، إلى المتاجر لشراء ما يلزم في زمن الحرب من طعام وأغراض ومؤن، قبل العودة إلى المنازل أو الملاجئ حيث لا كهرباء.
بعيداً عن الأعين، يتحرك الآلاف من المقاومين ضمن خطة الحرب المقررة. يجري استيعاب الضربة الأولى، وإطلاق برنامج الرد وفق قاعدة «التماثل»، أي أن تقوم مجموعات المقاومة بعمليات قصف ضد كيان العدو، تحاكي تماماً ما ضربه العدو في لبنان، ومن دون أي تمييز. مع فارق أن كثافة القصف الصاروخي من جانب المقاومة سيكون هو الحدث، حيث لم يحصل أن اختبره جيش العدو ولا شعبه. كما هي حال اللبنانيين والفلسطينيين وبقية الناس الذين سيتعرفون في تلك اللحظات على نوعية المفاجآت التي وُعدوا بها على مر السنوات الفاصلة عن حرب تموز عام 2006.
وبينما تقوم الوحدات الصاروخية في المقاومة بعملها، تباشر الوحدات العسكرية والأمنية خطة تعطيل قدرات العدو النوعية، براً وبحراً وجواً، وسط نشاط غير مسبوق من جانب المقاومة في توفير الطريق الآمن لآلاف المقاومين الذين تقرر أن ينتقلوا للعمل خلف خطوط العدو، ويحكمون السيطرة على مناطق ومواقع استراتيجية داخل فلسطين المحتلة.
قبيل منتصف تلك الليلة، تكون المعادلة قد تحققت. في حال قطع العدو الطرقات في لبنان وضرب محطات الكهرباء والهاتف والمراكز الأساسية ومباني سكنية وخلافه، تكون الأنوار قد اختفت عن كيان العدو، وتنشغل وحدات الإنقاذ بالبحث عن ضحايا تحت انقاض أضخم المقرات والمؤسسات الإسرائيلية، بينما تكون المطارات والمرافئ الإسرائيلية قد تعطلت جميعها عن العمل، وصار الجميع في كيان العدو يلجأون إلى المناطق ذات الكثافة الفلسطينية، إما للعبور من خلالها هرباً نحو الخارج، أو للاحتماء من صواريخ تحمل أطناناً من المتفجرات.
هي أيام قليلة ستشهد الجنون بعينه. قبل أن تفكر الولايات المتحدة بإرسال جيشها لنجدة جيش العدو. بينما لا تتوقف العواصم عن إصدار بيانات تطالب بحماية إسرائيل ــــ طبعاً ــــ وتستنكر بخجل، الجرائم التي ارتكبها «العدو» في لبنان.
إنه مشهد متخيّل وأقرب إلى الواقع، لكن ختامه، أيام أو أسابيع، قد يكون من الصعب توقعه، لكن ليس حراماً على أحد، تخيل البث الحي لتقدم المقاومين في عمق فلسطين المحتلة حيث ترتفع الرايات الصفر والحمر والسود والخضر... يومها فقط، تدخل منطقتنا والعالم، في العصر الكامل الذي يقر العالم فيه بأنه: عصر المقاومة!