منذ وقت ليس ببعيد اعتكف صاحب هذه السطور عن الكتابة عن "بؤس الوطن" وسياساته المعكوفة ووحوش السياسة فيه لأن لا فائدة ولا طائل في هدر الوقت ولا أمل من لبنان بالتغيير لا عبر الحبر ولا عبر التظاهر أو الاحتجاج ولا حتى العمل من داخل النظام المهرهر منذ "نعومة" استقلاله المزعوم الذي لم يُنجَز بإهراق نقطة دم واحدة -ما عدا دماء أبطال منفردين معدودين من البقاع والجنوب لم "يتعنّ" كتاب تاريخ شبه الوطن عن ذكرهم.   
الذي أخرجنا من الاعتكاف هو حدثان اثنان خطيران شهدهما مؤخراً البلد السايب المكشوف أمنياً على العالم وخصوصاً على العدو، هما الخرق الأمني الالكتروني لشبكة  الإنترنيت في لبنان والتدهور الأمني المفاجئ في منطقة البقاع والجعدنة الجائرة الحاقدة و"المرقعة" التافهة بحق أهل بعلبك الكِرام.
بالنسبة للأمر الأول، مر موضوع أخطر خرق للشبكات الأمنية في لبنان مرور الكرام لدى السياسيين، وحتى الشعب، ولم يكترث إلا القلائل من الذين أصابعهم على الزناد دوماً، وانشغل الجميع باتفاق معراب السري والخلاف بين التيار و"القوات" وزيارات الحريري الخاصة المطيلة لأزمة تشكيل الحكومة للمساهمة في عرقلة بني سعود لها انتقاماً من لبنان ومقاومته. لم يُصَبْ أحد بالهلع لأن لبنان لا يملك تحصينات كافية ضد القرصنة الالكترونية وسرقة داتا العائلات اللبنانية ووضعها في تصرف الأعداء ولم يهله وجود قراصنة في وزارة وزارة الاتصالات وفي هيئة "أوجيرو" للاتصالات!
ذاك الذي كان أول من أدخل السلاح التكفيري إلى سوريا كوفئ بمنجم ذهب لأن كل وزارة أو إدارة عامة أو جهاز أمني أصبح حكراً على طائفة معينة أي أن مرض الطائفية السياسية في مسخ الوطن لا علاج له ومستمر بالنمو كالفطر السام والأمور تسير إلى الوراء وليس إلى الأمام. ولهذا السبب يمكن لبلد مشوَّه أن يتساهل مع المقرصن الخطير لأنه محمي من قبل رئيس مجلس إدارة أحد المصارف، ويمكن لأحد عشر مليار دولار أن تختفي من دون أثر من قبل فؤاد السنيورة، وأن يتجرأ أحمد فتفت على تحدي الجميع بأن يثبتوا وقوع جريمة في مضيفة مرجعيون، بل حتى تستمر جريمة تمويل محكمة دولية إسرائيلية مع عدم كشف المسؤولين عن شهود الزور رغم اعتراف هذه المحكمة بخطأ اعتقال الضباط الأربعة، ويبقى قاض ساهم في هذا الخرق العدلي الخطير -سعيد ميرزا-حراً طليقاً بل وتتم مكافأته بالتقاعد المربِح مثله مثل عدنان داوود قائد كافيتيريا مرجعيون!
ولكن لِمَ العجب، ألم يقبض الخائن سعد حداد مخصصاته العسكرية الكاملة من قبل إدارة السيئ الذكر الياس سركيس وفؤاد بطرس؟!
أتعجب من الذين يندهشون من وقوع جرائم القرصنة المعلوماتية في لبنان ومن التغطية على فاعليها! فلا يوجد بلد في العالم أكثر فلتاناً من شبه الوطن. وكل شيء فيه مُقرْصَن من استقلاله حتى نشيده الوطني (أصله مغربي، حسب بعض المصادر) وكتاب تاريخه. ورجال الاستخبارات، خصوصاً المعادية، له تصول وتجول فيه أكثر من السياح أنفسهم من دون رقيب ولا حسيب لأنه حديقة من دون سياح وكرم على درب وكل المؤمرات ضد سوريا (لا الدول الرجعية) خُطِّط لها في لبنان، حتى بلغ الحقد الأعمى من قبل مكفوفي البصيرة من السياسيين عدم التعاطي مع الحكومة السورية المنتصِرة، لتعزيز اقتصاد لبنان عبر الشريان الحيوي في معبر نصيب على الحدود مع الأردن بعد عودة السيادة السورية عليه.
والمضحك في هكذا مسخرة أن وليد جنبلاط بعد لقاء الحريري قال "وضع خطير أن يتلاعب إنسان بعواطف الناس والتبشير بأن الاقتصاد على باب الانهيار وليس هناك بلد في العالم يتنطح فيه مسؤول ويقول إنّه معرّض للانهيار الاقتصادي". فكان الرد عليه عبر تويتر "ليس هناك بالعالم سياسي مثلك ومثل أمثالك من اللصوص الذين سرقوا البلد وتسببوا في انهياره"!
دولة عظمى مثل أميركا ما زالت تتخبط بين تحقيق وآخر ورئيسها الأرعن قد يُحاكم لمجرد شبهة تدخل أجنبي (روسي) في انتخاباتها، أما في شقفة الوطن فالمجرم الذي كشف البلد تجري التعمية عليه وتتم لفلفة قضية خطيرة تداعياتها الأمنية لا توصف على حياة اللبنانيين ومستقبلهم!   
 الموضوع الثاني هو تصاعد الحديث عن الفلتان الأمني في بعلبك، سبقته زيادة وتيرة الصور النمطية في التلفزيونات والمسارح والسكتشات المشوِّهَة لأهل البقاع الأوفياء وجمعهم كلهم في سلة الطفار الهاربين من وجه العدالة أو زارعي الحشيشة وتصويرهم كشعب قبَلي مدمن على الدماء والأخذ بالثأر. الإعلام العنصري لم يجد لدى سيرة أبناء بعلبك والبقاع إلا السلبيات ولَم يسلط الضوء مرة واحدة على أن أهلنا هناك هم قمة في الأصالة والرجولة والمروءة والكرم. ليحل أحداً من هؤلاء الحاقدين الطائفيين ضيفاً على ابن بعلبك لمرة واحدة لكي يكتشف معنى الشهامة وإكرام الضيف! على أي حال أهل بعلبك ليسوا بحاجة لشهادة أحد، فأين منهم حاتم طَي؟ إنهم مستعدون أن ينفقوا كل ما يملكون لإكرام الغريب في دارهم ومساندة الضعيف ونصرته. لا يعني هذا عدم وجود مشاكل مزمنة وعادات مسيئة لقيم أهلنا في بعلبك لكن كل الحق يقع على هذه السلطة الغاشمة التي يتخطى إهمالها لمنطقة عزيزة من لبنان حدود الجريمة المنظَّمة لأن الحرمان يستمر عن سبق إصرار وتصميم رغم تضحيات أبناء بعلبك وجبل عامل لانتزاع الاستقلال والدفاع عن الوطن ضد الأطماع الصهيونية! فالدولة وغيرها من الهيئات والمؤسسات، وبعض الإعلام، لا تعرف من بعلبك إلا أعمدة قلعتها الرومانية ومهرجاناتها الموسمية فقط وكأن هؤلاء ممتعضون من وجود الهيكل التاريخي في بعلبك ولو تمكنوا لنقلوه إلى مكان آخر! حتى الزائرون والسياح عندما يضطرون لحضور المهرجانات الدولية فيها يمضون ليلتهم في زحلة لأن بعلبك، وهي مدينة مهمة وأساسية رغم أنف السلطة، يندر وجود فندق فيها. ثم ماذا جنت منطقة بعلبك والهرمل من مشاريع الدولة وإنجازاتها التي صبت في الجبل والساحل وبيروت وباقي المناطق التي يقطنها المحظيون؟ ومتى عرفت بعلبك وجه الدولة الا في البحث عن مطلوبين؟ 
مسخ الوطن مقصِّر بحق نفسه، فسهل البقاع كان يموِّن أمبراطورية الرومان غذائياً وكان بإمكانه أن يجعل من لبنان دولة زراعية مكتفية ومصدِّرة للمنتجات والسلع الغذائية لو استغل خيرات سهل البقاع وشجع الري والزراعة فيه لكن مشكلته أن سكانه ليسوا من المحظيّين! 
مثل بسيط فقط يكفي للدلالة على الإهمال والحرمان بحق منطقة بعلبك والبقاع بشكل عام. قبل الحرب الأهلية كانت ميزانية مدينة بكفيا تعادل ميزانية البقاع بأكمله والمكوَّن من ٢٠٠٠ قرية ومدينة. أي بكفيا آل الجميِّل مقابل البقاع كله ولا داعي للشرح أكثر. أهل بعلبك الهرمل ظلوا متمسكين بالدولة رغم كل هذا الإجرام بحقهم وكانوا أول من ناصر الإمام الصدر وحركته المباركة، حتى الإقطاع البعلبكي وقف مع الإمام ومع العدل. إزاء هذه المعاملة غير العادلة ماذا يفعل ابن بعلبك وهو يرى تكالب الجميع للحديث عن عوارض المشكلة الأمنية لا أسبابها الحقيقية، وهو كلام حق يُراد به باطل، بينما مثلاً في طرابلس، حصلت معارك حقيقية وجولات تشبه زمن الحرب الأهلية سببها زعران الأحياء لكننا لم نشاهد في الإعلام البغيض نفس الإدانة والتهكم و"الملأسة" الحاقدة ضد الطرابلسيين كالتي شهدناها ضد البعلبكيين، لماذا؟
ثم لوحظ مؤخراً وجود نغمة فتنوية تذر بقرنها الشيطاني بين بعلبكي وجنوبي وهذه أخطر من الحرب العسكرية وموجَّهة بالأساس من قبل المتآمرين على تفكيك شيفرة المقاومة للإيقاع بين أبناء الشعب الواحد ليحصّلوا بالسلم ما لم يتمكنوا منه بالحرب والانتقام من أشرف الناس بسبب انتصار مقاومتهم. لقد عانى الجنوب طويلاً من الحرمان المجرم للدولة وكذلك منطقة بعلبك، ولكنه على تماس مع حدود العدو المحتل لفلسطين وتحمل ما لا يتحمله بشر من تضحيات ولكن لولا أن بعلبك والبقاع بشكل عام لم يكونا خزان المقاومة وداعمها الأساسي لما تحقق النصر لشعبنا وللوطن العاق والإنماء النسبي لقرى الجنوب! لقد صبر أهلنا في بعلبك طويلاً لأن أولويتهم كانت إسناد ودعم الجنوب وتحريره من العدو وتنميته واليوم حان الوقت لإنماء منطقة بعلبك-الهرمل والاهتمام بها لتبقى أفضل نصير وعضد ليس للجنوب فقط بل للبنان كله. فليكف الموتورن العنصريون عن فتح أفواههم النتنة بحق الشرفاء في بعلبك والهرمل وليخسأ المتآمرون العاملون على التفريق بين أبناء الشعب الواحد في البقاع والجنوب فكل جنوبي حقيقي هو بقاعي الهوى والشمم والعكس صحيح. 
كلمة حق كان يجب أن تُقال في أهلنا الأوفياء النشامى في بعلبك فِي وطن أصبح كل شَيْءٍ فيه مُقرصَناً!
 

المصدر: خاص شاهد نيوز

المقالات الواردة في الموقع تعبر عن آراء أصحابها ولا تعبر عن رأي إدارة الموقع