تكتب غزّة الزمن.. تلوي بالنار ذراع حصارها وتشعل الأرض، عبر السماء.. فتولد معادلة جديدة: القصف بالقصف، والدم بالدم.. معادلة تشكّل مدماكاً يُضاف إلى خط سير المقاومة.. وتفرض رعبا جديدا يواجهه الصهاينة. هذا الرعب الذي جعلهم "مسعورين" بما يكفي ربما لارتكاب حماقة جديدة بحرب يدركون قبل غيرهم أنّها تقرّبهم من نهايتهم..
في شهر تموز الذي أصبح رمزا للانتصار على الصهاينة، وموسماً من عزّ وإباء، ومع تحرير المحاصرين الأبطال في كفريا والفوعا، تكمل غزّة ما بدأته.. تتابع طريقها، الأوحد، مكلّلة بالوجع، وبالصبر، وبالعزم على الذهاب إلى الحريّة.. الحريّة التي هويتها وهواها فلسطين.
يظنّ الصهاينة، وما زال الوهم حليفهم، أنهم بالتفوّق العسكري، عدة وعتادا، يستطيعون أن يشكّلوا فارقا.. يمارسون الغباء المتمثّل بإعادة التجربة في نفس الظروف والمقدّمات وينتظرون في كلّ مرّة نتائج جديدة.. يهوّلون علينا بالحرب كي يحاولوا احتواء ذعر المستوطنين.. يرتكبون المجازر كي يقولوا انهم يرهبوننا.. وينكبون بعد انتهاء المعركة على دراسة اسباب فشلهم، ويغفلون حقيقة هذا الفشل المتمثلة بأنهم يقاتلون قوماً اتخذوا الحق سبيلا وطريقا.. وما الحرية الا حقّنا المقدّس.
من البالونات الحارقة الى القنص مرورا بكل ما ابدعت المقاومة الفلسطينية من اساليب قتالية، والصهاينة، المستوطنون المحتلون للأرض الفلسطينية والمستعربون الذين ينتشرون في أزقة وقصور العالم والاعلام العربي، ما زالوا عاجزين عن قراءة هزيمتهم والاقرار بها.. يكابرون ربما لحسابات تتخطاهم وتصدر عن البيت الابيض باعتباره العقل المدبّر لسائر الشرور حول العالم.. وقد يبدو الانسجام منطقيا في ما بينهم على اعتبار انهم يشكلون متضامنين رأسا واياديَ وذيلاً.. يتحدثون بلغة واحدة، بمنطق شبه موّحد.. فيأتي تصريح البيت الأبيض عن "حق اسرائيل بالدفاع عن نفسها" متناغما مع الغارات الصهيونية المتتالية على غزّة ومنسجما مع حديث المستعربين القديم الجديد، عن "تسوية وتنازلات".. أما الغريب في تناقضه مع ذاته ومع محيطه هم أولئك الذين يعتمرون "القضية الفلسطينية" في كل مؤتمر ومناسبة، ونراهم اليوم "يبكون" قهرا وتخوّفاً على غزّة، محاولين تصوير الأمر وكأن مدينة الإباء تلك هي ضحية ضعيفة لا حولَ لها ولا قوّة، أو منطقة منكوبة تحتاج لسخافة التعاطف أو تفاهة "التضامن الانساني".. يحاولون، مشبوهين، أن يعاتبوا المقاومة الفلسطينية على اعتبار ان هذه المقاومة استفزّت الصهاينة وكان أحرى بها أن تهادنهم.. لهؤلاء، لا بد من صفعة تعيدهم إلى ما يكفي من الرشد كي يحددوا علنا إلى أي خندق من المعركة ينتمون في حقيقتهم.. لا بد من موقف يختارون فيه فهم طبيعة الصراع والاصطفاف حيث يجدون أنفسهم.. ان كانوا " مؤمنين" بالحق الفلسطيني فعليهم أن يكفكفوا دموع التماسيح ويدعموا المقاومة، ولو بكلمة، ولو كانت المقاومة بغنى عن هذا الدعم.. وإن كانوا يعتقدون بالتفوّق "الاسرائيلي" فليصطفوا خلفه وليواجهوا معه المصير نفسه، والذي ليس أقل من الزوال.. هو اختيار بسيط، يحفظ انسجام كل فرد وجماعة مع نفسها، مع حقيقة أفكارها، وككل اختيار له ثمن ومسار.. أما وضع الكوفية الفلسطينية على الكتفين، والنطق بما يسيء إلى بديهيات العشق الفلسطيني، فهو خيار الجبناء حتى في الافصاح عن حقيقتهم وعن حقيقة عمالتهم، سواء علموا بأنهم عملاء، أو لم يعلموا.
وبالتالي، الموقف اليوم كما في كل يوم، أبيض أو أسود.. لا رمادي يتوسطهما ولا فضي يتناوب بينهما.. إما أن نكون فلسطينيين ندرك وندافع عن حقنا بالمقاومة مهما كان الثمن وبأي أسلوب ممكن، وإما أن نكون في صف الصهاينة ولا فرق في "اعتناق الصهيونية" بين قاتل وبين مهادن.. فكلاهما يخدمان الصهيونية بأشكال مختلفة، تتكامل ولا تتناقض.. وما اكثر الصنف الثاني، الداعي للتسويات، مقارنة بالجبناء المدججين بالسلاح وبوهم التفوق العسكري.
المقالات الواردة في الموقع تعبر عن آراء أصحابها ولا تعبر عن رأي إدارة الموقع