تحطّ ذاكرة تموز رحالها عند قمّة النّصر.. ختام الحرب ضحكة عزّ انتشرت كما النور في سهول العتم.. لم يكن اعتباطيا نشر صورة السيّد ضاحكًا.. فالجميع يدري أن إشارة منه تؤذّن للفرح.. وترفع مستوى الجدالات الافتراضية التي احيانا تتحول إلى خطر حقيقي على بيئة المقاومة، وتعيد تقويم القلوب ناحية النصر، النصر الذي قادته من الفرضيات إلى الواقع منظومة مقاومة يقودها الأمين نصر الله، اسمًا ومسمّى..
هو يوم النصر التاريخي.. اليوم الذي خاطب فيه سيد النصر الالهي اهل الصمود والانتصار: يا اشرف الناس.. فكان الدمع وسيلة كل القلوب لردّ التحية، وتجديد الولاء.. في مثل هذا اليوم، كان الركام يغطي الأماكن، وفوق ما بقي من الجسور مرّ العابرون إلى أرض القتال الشامخة، فكانوا الصورة الأبهى عن شعب مقاوم.. ولو فوق ألف جرح..
في مثل هذا اليوم، وصل العابرون فوق جروح البعد إلى القرى التي دمرها القصف الصهيوني الذي استمر ٣٣ يوما.. حطّوا كما رفوف اليمام كلّ فوق ركام منزله.. التحفوا السماء المزينة بصيحات التكبير وقالوا: بيوتنا فداء للمقاومة.. وفي مثل هذا اليوم، كانت الضاحية بقعة رمادية على خرائط الأقمار الصناعية.. وكانت المباني تحكي حكايات القصف المتواصل، والصمود المستمر، والاباء.. الإباء الذي كما الشمس.. لا يغيب ولا ينطفئ.. تجمّع الناس فيها، عائدين إليها وصامدين في ازقتها، وقفوا امام المنبر حيث صعد سيد السلاح مفاجئا الجموع بحضوره الشخصي رغم التهديد الأمني.. كانت الايادي تمتد نحوه كما لو انها ترغب ان تكون درعه، وكانت ملايين النبضات تتلو همسا وجهرا الدعاء بأن لا يمسّه سوء.. ما زالت تفاصيل ذلك المهرجان حاضرة في كل عين شاهدته.. بدا اجمل تجليات عبارة "النصر الالهي"، او ربما، اليقين الاعلى بالانتصار بكل وجوهه..
مضى على ذلك اليوم ١٢ عاما، توالت فيها الانتصارات على العدو الصهيوني بوجهه التكفيري في سوريا والعراق.. رجال الله الذين صنعوا نصر تمّوز العظيم ذهبوا إلى ياسمين الشام فيلقًا من شمس.. وعادوا شهداء، وجرحى، ومنتصرين.. ومنهم من لا زال هناك، يواصل ازالة الحدود التي صنعها المستعمر بجهد سنين وقرارات وكيانات.. يقاتل بنفس الروح التي انتصرت في شوارع الجنوب، بنفس اليقين الذي اعاد الضاحية اجمل مما كانت.. بنفس الشهامة التي زيّنت البقاع وازهرت فيه واحات شهادة وفخر..
وستمرّ اعوام بعد، لا عودة للوراء.. الجرح اليمني استحال خنجرًا وتسلّم عهد النصر على طغاة العصر.. رفع راية الحق ضد باطل ال سعود وادواتهم.. سوريا، عرين العرب الصامد، غيّرت مسار التاريخ واجهضت كل مشاريع خرائط الشرق الاوسط الجديد.. فلسطين ما زالت تشعل الحرية بالبالونات الحارقة، بالسكين، بالرصاص وبالدم..وتصنع حرية العالم بأسره في مواجهة مستمرة، في التحام يومي مع العدو الذي يمثل سائر قوى الشر على هذا الكوكب.. أما هنا، في لبنان، فتراب الارض والغيم الذي يجوب السماء، يردد صوت عويل جنود النخبة الصهاينة اذ فرّوا مذعورين، والهزيمة دربهم.. الآن، وكل احرار الارض يلمسون حقيقة ان لا حدود تفصل بينهم الا الحق، قلوبهم بانتظار خطاب مساء الرابع عشر من اب، من ارض البقاع الأبي.. ويتواعدون: سنلتقي قريبًا في فلسطين.. وحتى ذلك الحين، كل مهرجان انتصار والمقاومة وسيدها ورجالها وناسها بألف خير..
المقالات الواردة في الموقع تعبر عن آراء أصحابها ولا تعبر عن رأي إدارة الموقع