شكل قيام مغتربة يمنية في كوريا الجنوبية بتحريض الشعب والحكومة في كوريا على المهاجرين الجدد من اليمن والحض على طردهم صدمة لدى شريحة واسعة من الشارع اليمني ممن لم يستطع العدوان السعودي بعد أن يعزلهم عن أخبار العالم رغم قصف شبكات الكهرباء والهاتف، فقد درجت عادة اليمنيين المغتربين في أي بلد في العالم على مساعدة ومساندة أي وافد جديد من بلادهم، منذ الهجرة إلى شرق أفريقيا وحتى فترة الهجرة إلى دول الخليج.


لم يعد سلوك المغتربة اليمنية استثناءً في عالم بات يعاني رهاب المهاجرين فمعظم أبناء الجاليات العربية في الغرب يتعاطون بشيء من العدوانية تجاه الوافدين الجدد من بلادهم ويعارضون أي تشريع في بلاد إقامتهم لاستقبال اللاجئين، تارة بسبب الخوف من الإرهاب وتداعياته عليهم وطورا بسبب الخوف على سمعة العرب، المشوهة أصلا، لا بفعل اللاجئين الجدد بل بفعل الكثير من مغتربي الجيل الثاني والثالث الذين ولدوا وتربوا في الغرب وعادوا إلى الشرق إرهابيين انتحاريين تشغلهم شبكة المساجد التي يديرها دعاة سلفيون من  السعودية وقطر والامارت وتركيا منتشرون في الغرب وناشطون في مجال غسل الأدمغة وتجنيد الإرهابيين تحت آذان الاستخبارات الغربية.
يتناسى المغتربون القدامى أن سكن المهاجرين الجدد بأعداد كبيرة في مساكن رخيصة الإيجار وارتيادهم مقاهيَ رخيصة وعملهم في مهن وضيعة هو سمة كل مهاجر في أي عصر بغض النظر عن أي جهة أو عرق إنتمى، ولعل أبرز الوجوه اللامعة التي تستضيفها البرامج التلفزيونية اللبنانية سيئة الذكر المتخصصة في تمجيد كبار أثرياء المغتربين ذوي الأصول اللبنانية هم ممن عملوا في بداية هجرتهم في أعمال وضيعة وعاشوا حياة التقشف والفاقة قبل الثراء بإعترافهم هم. بل إن الأوروبيين أنفسهم ليسوا بأفضل حالاً حين تفرض عليهم الهجرة فحين كانت بلاد العرب أكثر ازدهاراً قبل حقب الاستعمار والانتداب الأوروبي كان ثمة جاليات أوروبية نشطة كثيرة، أبرزها الجالية الأوروبية في تونس خلال القرن التاسع عشر التي شرح ظروفها الفرنسي جون غاتياج في دراسته الشهيرة عن جذور الحماية الفرنسية في تونس.


كان معظم الأوروبيين في تونس هم من الفارين من التجنيد وقطاع الطرق ممن يصلون على متن بواخر الصيد بدون جوازات سفر ويتهربون من تسجيل أنفسهم لدى قنصلياتهم، أما الحي الإفرنجي في أسفل المدن التونسية الكبيرة كتونس وسوسة وصفاقس فقد كان تجمعاً لمياه الأمطار وتغوطات المدينة العليا، ومرتعاً للخنازير المنتشرة على أكوام الفضلات المنزلية. وحدهم تجار الجملة المرسيليون كانوا يمثلون الطبقة القائدة (حوالي 30 أسرة ثرية) فيما شكلت جموع السكان الباقين طبقةً تعيسةً حيث كان المالطيون يعملون كسائقي عربات خصوصا عربات تهريب القطنيات والأسلحة إلى القبائل، أما الطليان فقد عملوا كصيادي أسماك وإسكافيين وبنائين وعملت نساؤهم كعاملات منازل أو مرضعات عند تجار الجملة، بينما عمل أطفالهم الحفاة ذوي الملابس الرثة كماسحي أحذية وسقائين وحمالين.
كانت عائلات الأوروبيين تتكدس في الليل على القش، كل ثمانية أو عشرة في عرفة من غرف الأكواخ القذرة بالحي الإفرنجي حيث تنتشر الأوبئة والأمراض. وكان عدد الرعايا السيئين المطلوبين للعدالة بتهم البغاء والسرقة كبيرا جداً في أوساط الجاليتين الايطالية والإنكليزية وكانوا يختفون تحت أسماءٍ مستعارة ويفتعلون المشاجرات بعد الشرب والاعتداءات الليلية وغزوات نهب المخازن وغيرها من الأخبار التي جعلت الحي الإفرنجي أقل الأحياء أماناً في المدينة.


أما وقد تبدلت أحوال الأمم جريا على عادة سنن التاريخ فقد باتت تونس وشقيقاتها في الشمال الأفريقي بوابة عبور المهاجرين إلى أوروبا حيث يظفر الناجون من الموت غرقا في المتوسط بفرصة اللجوء على أراضيها، فتستقبلهم خطط الحكومات الأوروبية لدمجهم في برامجها الإقتصادية أو تستقبلهم إحتجاجات اليمين الداعي إلى ترحيلهم قسرا، وبين هذا وذاك يفرط المهاجر- أو الراغب بالهجرة- في تقديم فروض التذلل وإثبات الولاء والمزايدة على أبناء جلدته بالتنكر لتاريخه وبلاده ظنا أن كل هذه يمنحه بطاقة الاقامة في الأرض السعيدة، فيما مصيره الحقيقي على طاولة صناع القرار الاقتصادي الذين لا يرون في المهاجر إلا آلة تضاف إلى ماكيناتهم الدافعة للاقتصاد فإن اكتمل العدد اللازم توصد الأبواب في وجه الباقين.

المقالات الواردة في الموقع تعبر عن آراء أصحابها ولا تعبر عن رأي إدارة الموقع