إذا أردنا أن نتذكّر في كل يوم شهيدًا، قد لا تكفينا الأيام ولا الأعمار. إلّا أن اسم "أبو حسن سلامة"، يستطيع أن يختصر حكايات كلّ الشهداء على امتداد أرض المقاومة وعاصمتها فلسطين. صاحب الوجه القريب كما لو أنّه فردٌ من كل عائلة، واللّطف الأبيّ الذي لا شيء يشبهه، ما زال يستقبل في "كونين" كل العابرين إلى القرى المحرّرة، ببسمة تذهب بنا إلى حيث حطّ قلبه منذ كان فتىً في الشياح.. بنظرة تشير إلى فلسطين.
في أيار عام ٢٠٠٠، عندما أذّن الانتصار بنا أن حيّ على الحرية، تقاطرنا جميعا إلى الجنوب مكلّلين بكل ما اوتينا من شوق ومن فرح، وكان قد سبقنا إلى سدرة الحرية شهيدًا قبل التحرير بعام تقريبا، فقد اغتاله الموساد بتفجير عبوّة ناسفة استهدفت سيّارته شرق صيدا في شهر اب من العام ١٩٩٩، فارتفع شهيدًا بعد عدة محاولات فاشلة في اغتياله. استشهد "اللّيث الحيدري" وغفا مطمئنًا إلى اقتراب موعد التحرير، وربما استراح في غفوته تلك بعد اعمار عاشها مقاومًا حدّ التعب، وحدّ العشق الذي لم يحدّه شيء.
سُمّي بـ"ابو حسن بلاتين" نسبة إلى إصاباته المتعددة التي تركت في جسده ندوبا وقضبان بلاتين رمّم بها عظامه كي يكمل الطريق مقاتلا. نجهل الكثير من مآثره، ولم نعلم عنه إلا القليل القليل، لكنّه القليل الكافي لأن تكون حكايته تاريخا يروي المقاومة من جانبها الأقرب إلى الفطرة، والأشدّ تعلّقًا بكل مكوناتها، والأكثر قربًا من سلاحها، سواء ذلك الذي زناده لصق اصبعه، او السلاح الذي تولّى مسؤولية نقله وايصاله إلى المقاومة في فلسطين. هناك، خلف الحدود التي آمن انها زائلة وأن الاحتلال مسألة وقت، وعزم، وروح تقاتل.
في الصورة التي انتشرت له مؤخرا، كتفه إلى كتف الحاج عماد مغنية، رفيقه في العشق الفلسطيني وفي ساحات القتال، حكاية عن روحين تقاتلان حتى الآن وحتى زوال "اسرائيل" من الوجود.
ابو حسن، الاسم الذي ارعب الصهاينة ووكلاءهم، منذ سلاح "فتح" إلى سلاح "حزب الله"، منذ الشياح إلى قلب فلسطين، منذ ريعان الشباب حتى حنّاء الشهادة، ما زال بيننا.. ككل الشهداء ما زال شاهدًا على كل خطوة تقاوم، على كل عين ترصد القبّة المقدسة في فلسطين وتتوضأ بالبارود كي تصلّي هناك.. ما زال حارسًا فوق ثرى الجنوب كأسد أمام عرينه.. ولا بدّ أنّه في حارات الشام يطمئن الياسمين أن لا التكفير ولا أيّ وكيل عن الصهاينة سيقدر على كسر صدى العطر، ودرب الشهداء.. وربما، لو أمعنا النّظر في عيون المقاومين في اليمن العزيز، لاستطعنا لمس ملامحه العامليّة الأبية اذ ترمق السعودي المتصهين بنظرة تقول: سلّم نفسك.. أنت محاصر.. كذلك، هو حاضر عند جسد كل شهيد، يجول بينهم ويضمهم بذلك الحب الأبويّ السّاحر.. يمضي إلى جثامين مفقودي الأثر ويوصل لهم من كل قلب شريف ألف سلام.. أبو حسن، ما زال هنا، في شوارع الضاحية الشريفة، بين صخور وادي الحجير، في جرود البقاع.. ما زال هنا، في فلسطين.. في اليمن.. في سوريا.. في العراق.. في كل أرض تقاتل.. وتنتصر.
المقالات الواردة في الموقع تعبر عن آراء أصحابها ولا تعبر عن رأي إدارة الموقع