ثمّة أمور قد تكونُ أقربَ إلى الخيالِ من الواقع أو إلى الحلم والسّراب من الحقيقة. ومن تلك الأمور عودةُ الأموات إلى الحياة. لربّما شاهدنا ذلك في بعض الأفلام أو المسلسلات إنّما على أرض الواقع والحقيقة لم نشهد مثلما نشهده اليوم وكأننا أمامَ فيلمٍ أمريكيّ هوليووديّ مُتقَنِ النّصّ ومُخرَج بصورةٍ فنيّةٍ رائعةٍ .
فمن كان منّا يتوقّعُ في يوم من الأيّام عودة  الرّئيس صدام حسين إلى العراق بعد إعدامه في الثّلاثين من كانون الأوّل/ديسمبر عام 2006؟ بالطّبع لم يكن في الحسبان عودة الرّجل الذي أفنى حياته في الدّفاع عن عرشه دفاعاً مستميتاً خائضاً عدّة حروبٍ من أجل بقائه مُدمّراً جيشَ العراق وشعبه وبناه التّحتيّة في سبيل بقائه على رأس السّلطة رغم ما دفعه العراق وشعبه من ثمنٍ باهظٍ في سبيل أن يحيا (القائد) الذي تولى الحكم لفترةٍ زمنيّةٍ ناهزت ربعَ قرنٍ سجّل فيها العديد من (الإنجازات التّاريخيّة). 
فبعد سقوط نظام شاه إيران الذي كان القبضة الفولاذيّة الأمريكيّة الضّاربة في منطقة الخليج إثر انتصار الثّورة الإسلاميّة بقيادة آية الله روح الله الموسوي الخميني في السّادس عشر من يناير عام 1979، كانت الولايات المتحدة الأمريكيّة  أول المنهزمين بتلقيها صفعة هزيمتها التّاريخيّة بانتصار الثّورةِ الإسلاميّة التي أحدثت زلزالاً في المنطقة، لكنّها لم تكن بحاجة لبذل جهدٍ للبحث عن بديلٍ يقوم بدور الشّاه المخلوع. فالرّئيس صدام حسين كان النّسخة الاحتياطيّة بعد شاه إيران وفيه مواصفات شرطيّها الجديد في منطقة الخليج إذ كان اختباره الأوّل من خلال شنّه حرباً عدوانيّةً على الثّورة الوليدة التي كان أولى انجازاتها إغلاق سفارة الكيان الصهيوني وفتح أوّل سفارةٍ فلسطينيّةٍ في طهران وحلّ حلف بغداد الذي هو أحد الأحلاف التي شهدتها حقبة الحرب الباردة، والذي أُنشئ عام 1955، وكان لايران الشّاه الدّور الفعّال فيه. وتحت عنوان (القادسية) شنّ صدام حسين عدوانه على إيران في أيلول 1980 في ظِلّ مقاطعةٍ دوليّةٍ وعربيّةٍ لإيران الثّورة ودعمٍ مُطلَقٍ لصدام في عدوانه على مدى ثمانية أعوام ٍ لينتهي ذلك العدوان  في العشرين من آب سنة  1988، فتخرج إيران الثّورة بقوّةٍ أكبرَ من ذي قبل ويخرج صدام حسين أمام العرب بصورة المدافع والحامي للعروبة والمتصدّي ( للأطماع الفارسيّة) في المنطقة والسّد الأمنع في وجه التّمدّد الإيرانيّ، وبالتّالي فإنّه على الحكّام العرب أن يخضعوا لما يمليه وأن يدفعوا ثمن الحرب التي شنّها وحده دفاعاً عنهم. لكنّه لم يجد حساباته موافقة لحسابات الأنظمة الخليجيّة فلجأ إلى غزو الكويت في الثّاني من أغسطس عام 1990 ليشكّل اجتياح الكويت الحلمَ القاتل لصدام حسين الذي خرج عن طاعة سيده الأمريكي. وبعد طلب الأمم المتحدة  والجامعة العربيّة من العراق الخروج من الأراضي الكويتيّة وبعد فشل المبادرة الرّوسيّة  ورفض صدام حسين الانسحاب شنّت قوات التّحالف المكوّنة من 34 دولة بقيادة الولايات المتحدة الأمريكيّة عمليّة درع الصّحراء، وذلك في السّابع عشر من يناير عام 1991 لتحرير الكويت من الاحتلال العراقيّ. 
دفع الشّعب العراقيّ ثمن مغامراته صدام مجدداً. وبالرّغم من شراسة الهجمة على الابن العاق لأمريكا وفي اللّحظة الصّعبة استذكر صدام حسين فلسطين المحتلّة منذ عام 1948 في محاولة لكسب تعاطف الشّارع العربيّ في ظلّ هجمة التّحالف عليه مطلقاً العنان لصواريخ السّكود على الكيان الغاصب لفلسطين محاولاً إظهارالمعركة على أنّها معركة بين العرب والكيان الصّهيوني أو بين المسلمين واليهود . غير أنّ تلك المحاولة لم تفلح في استنقاذه من براثن الأمريكيين الذين خرج عن طوعهم وليتحمّل  بعدها الشّعب العراقيّ سنوات عجافاً وطِوالاً من الحصار الأمريكيّ والغربيّ على العراق ولم ينتهِ ذلك الحصار الا بعمليّة غزوٍ أمريكي انتهت بسقوط بغداد في اوائل نيسان من العام 2003 وبالتّالي سقوط نظام صدام حسين الذي ما لبث ان  اختفى ليتمَّ اعتقاله على يد جيش الاحتلال الأمريكيّ في عمليّة (الفجر الأحمر) في سردابٍ حيث كان يختبئ ثمّ إعدامه بعد ثلاث سنوات من الاعتقال.
اليوم وبعد اثني عشر عاماً من إعدامه يعود صدام حسين إلى العراق بوجهه الجديد مستشرساً في الدّفاع عن عرشه فاتحاً البلاد على مصراعيها للنّازيين الجدد ممن اجتاحوا العراق من أمريكيين وبريطانيين وحلفائهم المحتلّين الذين قتلوا وشرّدوا الملايين من أبناء الشّعب العراقيّ بحجّة حماية العراق والدّفاع عنه.
اليوم يعود صدام حسين إلى العراق من معابر الأمريكيين ليشكل حلفه الأكبر في مواجهة إيران التي كانت أول المدافعين عن بغداد في مواجهة داعش وغيرها من عصابات حكّام الخليج، وليبدأ حربه من الدّاخل من خلال محاولته إضعاف الحشد الشّعبي وليشكّل غطاءً شرعياً للأمريكيين بمزيدٍ من التّوسع رافضاً تسميتهم بالمحتلّين.
اليوم يعود صدام حسين وفي يده فصل من الفيلم الأمريكي الصهيوني (صفقة القرن) لحصارالمقاومين والشّرفاء  من الذين دافعوا عن العراق ولا يزالون وفتح الطّريق أمام الغزاة لإغلاق المعابر الحيويّة لمحور المقاومة عند المثلث الحدوديّ بين سوريا والعراق والأردن، في في محاولة للسّيطرة على الطّرقات الدّوليّة، في تلك المنطقة الاستراتيجيّة التي تشكّل الشّريان الحيويّ لـمحور المقاومة. متزامناً ذلك كلّه مع دعوة الرّئيس الأمريكيّ دونالد ترامب إلى ضرب سوريا وتحديده للأهداف التي سيشنّ عدوانه عليها بالإضافة إلى تلميح ولي العهد السّعودي محمد بن سلمان بنقل حربه العدوانيّة من اليمن الى لبنان وأخيراً  إعلان ترامب قطع تمويل الأنروا .
اليوم يعود صدام حسين على جثث شهداء العراق من الشّعب والحشد الشّعبيّ وعلى أنين الثّكالى وأوجاع ضحايا الهدايا السّعودية من السّيارات المفخّخة. لم يقرأ صدام الجديد التّاريخ جيداً ولم يتعلّم من تجارب أسلافه، فإن لم يدرك أنّ استهداف ايران هو استهداف لكلّ المقاومين الشّرفاء وهو استهداف لفلسطين وسوريا ولبنان واليمن، فإنّه يعلم يقيناً بأنّ من هزم الصهاينة في لبنان وفلسطين وقهر الجيش الذي لا يُقهر ودحر داعش ودمّرها على أبواب دمشق وبغداد وصنعاء، وكسر هيبتها لن تهزمه زمرة مجنون البيت الأبيض ومراهق الرّياض وسفيه أبو ظبي والأيام سجال.
 
اعلامي وكاتب لبناني

المصدر: خاص شاهد نيوز

المقالات الواردة في الموقع تعبر عن آراء أصحابها ولا تعبر عن رأي إدارة الموقع