تتهيأ الضاحية لأيام عاشوراء، يلفّها السواد الثوري والحزن الأبيّ. تبدو كمدينة نذرت نفسها للشهادة: ناسها، الملتزمون دينيًا وغير الملتزمين، يعرفون أنهم أمام أيام عشرة من استذكار الشهداء، ومن تجديد الولاء للخط الذي يرفع راية الحق بالدم وبالنار.
بدأ النهار بالحديث عن توقيف ارهابيّين انغماسيّين كانوا يخططون لعمليات تستهدف الجيش في الضاحية الجنوبية. وكان ذلك متوقعًا، فالجميع يعرف أن هذه المدينة التي تحتضن المقاومة هي هدف دائم الإرهاب، كما كانت ولا تزال هدفًا للصهاينة. إلا أن ناسها الذين عادوا إليها مدمّرة بعد حرب تموز ٢٠٠٦ وقالوا إن بيوتهم فداء للمقاومة، لم تخفهم التفجيرات الارهابية التي طاولت شوارعها، ولا التهديدات التكفيرية التي تتمثل بالخلايا التي تخطّط لاستهدافها.
لم يغيّر الخبر الصباحي شيئاً في وجه الضاحية. بل على العكس، شكّل حافزًا إضافيًا لإحياء ليالي عاشوراء، واستقبال كلمة السيد حسن نصر الله في المجلس المركزي الذي يقيمه حزب الله في مجمع سيد الشهداء.
في هذه الأيام، تصبح صور الشهداء أكثر قربًا، تصبح ابتساماتهم أشد وقعًا في القلوب.. يصبحون المثال الحي عن السيرة الحسينية، ويتخذون مواقعهم في صدور البيوت، وفي عيون المشاركين في المجالس وكأنهم هنا يحيون ليالي عاشوراء، يجددون العهد الذي قطعوه وكانوا له أوفياء بالدم وبالروح وبالفداء. تستطيع من نظرة أن تميز أمهاتهم في المجالس. فالعزّ الذي يفيض من عيونهنّ دمعًا ومن حناجرهنّ حشرجات من وجع وفخر، لا يمكن أن يبدو عاديًا. فهنّ أكثر من يستطيع أن يعي "عاشوراء" بعد أن لامست قلوبهن أعلى حدود الصبر، وأرفع أسوار الوجع.. تراهن حاضرات وصور أبنائهن هوية تعرّف عنهنّ، ورفيقة تواسي الافتقاد الذي مهما سوّره المجد، يبقى موجعًا وحزيناً.
أما أطفال الشهداء في عاشوراء، فحديث آخر، حديث يختصر معركة الحق ضد الظلم منذ كربلاء حتى يومنا هذا. تراهم في مقدمة كلّ حضور، يصغون إلى السيرة الحسينية كما لو أن أباءهم يحكون لهم حكاية المجد.. يتفاعلون كما لو أنهم يريدون القول إنهم بفطرتهم يعرفون كل تفصيل في هذه السيرة..
قد تلمح بين الحاضرين جرحى المقاومة.. سترى كم هم خجولون بما قدّموه،. وكأنهم يعتذرون أنهم لم يبذلوا أكثر. وكلنا نعرف أنهم الصورة الحية عن الفداء، وعن التضحية التي بلا شروط وبلا حدود.
عاشوراء في الضاحية، ضاحية العزّ الكريم، أيام يتجدّد فيها الحزن العالي الذي ينضح مجدًا وعشقاً.. وأيام يتحلق فيها ناس المقاومة حول راية الحق، ويرعبون العالم بقدرتهم على الصبر الجميل، وعلى الوفاء.. يقولون، بملء إبائهم، نحن بيئة المقاومة ومدرسة الشهداء، جاهزون في كل ساحة لنصرة الحق وقتال الظالمين..
المقالات الواردة في الموقع تعبر عن آراء أصحابها ولا تعبر عن رأي إدارة الموقع