بعيدا عن الشماتة المستحبة في مواقف كهذه، وبغض النظر عن بشاعة القتل، وسفالة القاتل، إلا أن الحديث عن مقتل الخاشقجي داخل قنصلية بلاده في تركيا يضعنا أمام واجب تبرير عدم تعاطفنا مع "ضحية" جديدة لمجرم شابه أباه وأجداده. وليس المقصود بالتبرير هنا ارضاء اي طرف يرى أنه من الواجب علينا أن نتعاطف، إنما كي لا نقع في خطيئة التشفّي، ونحن، أي بيئة المقاومة، أصحاب النظرة الاجمل والأعلى لقيمة حياة الانسان وحريته.

تداولت أمس معظم الحسابات والصفحات الالكترونية خبر مقتل الصحفي السعودي جمال الخاشقجي، بعد أنباء توالت عن اختفائه بعد دخوله قنصلية مملكة آل سعود في تركيا، حيث دخل بكامل صحته وقواه لانهاء معاملة له هناك كمواطن سعودي. تضاربت الأحاديث وتنوعت بحيث تكلم البعض عن تعذيبه وتقطيع جثته، وهو أمر اعتاده نظام آل سعود وقد شهدناه في سوريا كثيرا منذ أن بدأت السعودية الوهابية بتصدير الارهاب الى بلاد الشام. هذا الارهاب الذي وصفه الخاشقجي يومًا بأنه "فعّال" حتى اختبر فاعليته بنفسه على ما يبدو.
لم يكن من الممكن لخبر القتل وتشويه جثة القتيل أن يتحوّل إلى ما يشبه طرفة نتداولها لو لم يكن القاتل قد عوّدنا على المشهد بتقطيع قلوبنا يوم أوفد من يستخرج قلب جندي باسل سوري ويلتهم قلبه، ولو لم يكن القتيل من المؤيدين لقتلنا وتقطيعنا كي يسود نظام بلاده المتصهين، ويلغي اخر معاقل العروبة والكرامة. 
نعم، لم يكن ممكنا لنا أن نتحلى بترف التعاطف مع من صفّق لمشهد أشلائنا لأن فينا جرحاً من كل سكين أرسلتها ومولتها سلالة القتل السعودية.
أما حكاية كونه "معارضًا" لبن سلمان فهي لا تعنينا لكون خلافه مع الدب الداشر كان ذا حيثية داخلية سعودية لا شأن لنا بها. فهو لم يعارض ولي أمره دفاعا عن دمنا، ولا حرصًا على قلوبنا، ولا هو نفى نفسه إلى الحضن الأميركي كي يقنع أحمق البيت الأبيض بأن يكف يده وسلاحه عن ارضنا وبيوتنا وسمائنا وحياتنا.. يشبه الخلاف بين الخاشقجي وبن سلمان إلى حد بعيد الخلافات التي تقوم بين مختلف الاحزاب في كيان العدو، يختلفون على تفاصيل تخصهم لكن يتفقون على قتلنا. وكما لا يمكننا التعاطف مع نتنياهو اذا قام بقتله وتقطيعه صهيوني اخر يختلف معه بالرأي، حكما لا يمكننا التعاطف مع صحفي أضحكته عبارة النصر الالهي واعتبرها كذبة وبشرنا بهزيمة ستلي النصر، وفق احلامه وامنياته.
لذلك، لأننا طرف في الصراع، الصراع الذي لا تنهيه تسوية ولا عبور فوق جثثنا، لا يمكن أن نقف ولو ثانية صمت حزين على التنكيل بجثة سعودي موالٍ لآل سعود، يختلف بالرأي مع بن سلمان. ولأننا الطرف الذي يقاتل من أجل حقه بالحياة وبالحرية، والذي يقاوم آلة القتل الصهيونية وان كانت في اليمن طائرة تقصف الأطفال وتحاصرهم، وفي سوريا سيفاً يقتلع القلوب ويبقر البطون، وفي فلسطين رصاص يتوجه إلى الصدور الحرة، لا يمكننا بأي حال من الأحوال أن نتضامن مع شخص ينتمي إلى الخط السياسي الذي نقاتله ونقاتل ادواته في كل هذه الميادين. بالتالي، نعم، إن صحّ خبر قتل بن سلمان للخاشقجي داخل القنصلية السعودية في تركيا، فإن هذا الخبر يبقى شأناً سعودياً داخلياً ننأى بأنفسنا عن شجبه واستنكاره. أما حكاية كون الخاشقجي صحفيّاً، فللعلم فقط، ثمة الكثير من الصحفيين المجندين في جيش العدو، هل يمكننا أن ندين قتلهم بحجة نيلهم رتبة "صحفي" قبل أن يصبحوا جنودا؟ بالطبع لا. فجميعنا أبناء مواقفنا واختياراتنا، وعلى كل منّا أن يختار موقعه من الصراع، وبناء على موقعه من هذا الصراع، يمكن للآخرين أن يحددوا موقفهم منه، حيّا أو ميتًا. وقد اختار الخاشقجي موقعه وعبّر عن موقفه جهرًا. هو حرّ في ذلك؟ حسنًا، ونحن أحرار في عدم التعاطف، ولو قولاً عابرًا، مع خبر قتله وتقطيعه.

المصدر: خاص

المقالات الواردة في الموقع تعبر عن آراء أصحابها ولا تعبر عن رأي إدارة الموقع