وارتحلت بسمة الصبر الجميل.. يقف الخبر غصة بين القلب والعين.. تمر الصور كلها أمام الدمعة، صورة شموخ الوجع أمام وداع تلو وداع.. صورة الأم التي هي مدرسة مقاومة وإباء.. صورة القوة التي هي جبل لا يكسره الفراق، لكن يبلله بشوق لم يُقل ربما إلا في النبضات اذ تنهمر أمام صورهم. الحاجة أم عماد مغنية.. في ذمة الله.
يحتار القلب يا أمّنا.. يبكيكِ ويخجل من دمعه في حضرة ارتحالك، وأمام طيف فرسانك الشهداء عند أعتاب السماء يستقبلون حضنًا اشتاقوه حتمًا.. هم يفرشون الغيم وردًا يهدونه لأمهم، أجمل الأمهات.. كيف لنا أن نسألكِ لو بقيتِ معنا أكثر، ونحن نعرف أن قلبك يشخص إلى عيونهم التي تبادلكِ الشوق بالشكر على صبرك واحتسابك.. ونعرف أنْ أتعبكِ الغياب، وأن استطعت، بحنانك الجبّار، أن تحوّلي التعب إلى طاقة عز ومواساة، إلى أمومة احتوت كل بيت شهيد، واحتوتنا نحن المقصرين دائما في الانتساب لشرف الشهادة.. يا أمّنا جميعًا، عجزنا دوما في حضرتك عن البوح بما لك في قلوبنا من حب.. من حب يخجل أن يقال لك لأنك من كل حب أكبر.
ما زالت عيناكِ تمرّان على صور الغوالي، تلامسان بالأجفان وجوههم.. وتبتسم. هنا عماد، بكرك الذي قبّل يديكِ قبل أن يهزّ العالم بسطوة يقينه، فصنع النصر راية حفظ طريقها من صدى كفك.. وهذا جهاد الحفيد، يقبّل فيك رائحة أبيه قبل أن يلتحق به وبعمَّيه شهيدا.. هذا فؤاد وجهاد بجانبه وقد طال شوقهما يحدقان بخطوك من عليائهما، يرجوان أن لا يقربك الوجع ويعلمان أن قلبك واحة الموجوعين.
ورد الخبر، وهطلت الأرواح من العيون تود لو تلتحق بطهر عباءتك، تلامس منك التفاتة تبقى لنا ذخرًا منك، او تترك عندك اثرا عسى توصلين إليهم السلام.. وتبلغيهم عنا اننا في صدى بطولتهم ما زلنا احياء اعزاء..
اليوم، هذا المساء، فقد كل بيت شهيد أمه.. اليوم نبكي، والحرقة في قلوبنا لا يبردها الا خيال يرسم ضحكتك تحتضن الأبناء والحفيد، والحاج فايز مغنية، وتنهيدة دامعة تقول: التمّ شمل العائلة المقاومة.
المقالات الواردة في الموقع تعبر عن آراء أصحابها ولا تعبر عن رأي إدارة الموقع