تسجيلات مسرّبة للموقوف اللبناني في سجون الإمارات أحمد مكاوي

لم تتوقف تداعيات قضية ما عُرف بـ«خلية حزب الله ـــ فرع الإمارات» التي اتُّهم فيها ـــ عام 2016 ـــ 15 شخصاً بالتجسّس لصالح الحزب. الموقوفون أُدينوا بتسليم أسرار الدولة لأعضاء تابعين لحزب الله ليُحكموا بالسجن لمدة طويلة. جديد القضية تسجيل صوتي منسوب للبناني أحمد مكاوي حصلت عليه «الأخبار»، يناشد فيه حكّام الإمارات من داخل سجنه رفع الظلم عنه، ويتحدث عن تعذيب وحشي تعرّض له، مطالباً بالتحقيق في ادعاءاته.

«لا أُريد أن يبكي أحدٌ علي. أريدهم أن يعرفوا أني مظلوم وأن يقفوا لرفع الظلم عني. لقد تم تعذيبي بصورة مرعبة تقشعرّ لها الأبدان. سلخوا فروة رأسي. وهتكوا عرضي عبر إدخال قطعة حديد في دُبري ما أدى إلى حصول تمزّق وأجريت لي عملية. خلعوا أظافر قدمي أثناء التعذيب وكسروا أربعة من أصابع يدي. تعرضت لكسر في الأنف ولضرب شديد في الرقبة أدى إلى بروز ورم جرى استئصاله بعملية جراحية في المستشفى. حاولوا قطع شرايين في يدي اليُسرى. وأُصبت بانتفاخ في الوجه من شدة الضرب أدى إلى فقداني البصر بشكل كامل لمدة شهر. لقد منعوني من النوم لمدة أسبوعين ومنعوني من الاستحمام والنوم على الأرض لمدة شهرين ونصف شهر. والله على ما أقول شهيد». أثناء تسجيل هذه الكلمات بكى اللبناني أحمد مكاوي، الذي انقضت أربع سنوات على وجوده في سجون الإمارات العربية المتحدة. ابن مدينة طرابلس، واحد من بين 16 شخصاً (إماراتيين وعراقيين ولبنانيين) أوقفهم جهاز أمن الدولة في الإمارات العربية المتحدة في عام 2016 (راجع «الأخبار»، 14 تشرين الثاني 2016) بجرم تأليف خلية متّهمة بالتجسّس لحساب حزب الله وتسليم أسرار الدولة لأعضاء تابعين للتنظيم اللبناني. وحُكم مكاوي بالسجن 15 عاماً بتهمة الانتماء إلى هذه الخلية.
مكاوي الذي سجن 13 شهراً من دون أن تعلم عنه عائلته شيئاً في بداية القضية، بات يُسمح له مؤخراً بالاتصال بأهله مرة واحدة كل أسبوع لمدة 11 دقيقة، بعد صدور حُكم المحكمة بحقه. مكاوي طلب إلى عائلته إثارة قضيته إعلامياً لرفع المظلومية عنه قائلاً: «السفارة اللبنانية في الإمارات لم تسأل عني يوماً». حصلت «الأخبار» على عدة تسجيلات صوتية منسوبة إليه جرى التثبت من صحّتها عبر وكيله القانوني المحامي محمد صبلوح. وتضمنت التسجيلات قسماً من المرافعة التي قدّمها المعتقل اللبناني أمام القاضي وجاء فيها: «سيدي القاضي. قبل البدء بالمرافعة، وخلال فترة عيشي في دولة الإمارات، أُحبّ أن أؤكد أنّي أُكنُّ كل الحب والإخلاص لحكامها ولشعبها الكريم. وجميع من يسكن فيها وأنا أعيش على هذه الأرض منذ ثلاثين سنة، لم أعرف عنها إلا إحقاق العدل وإنصاف المظلوم. سيدي القاضي، لقد تم توقيفي وإيداعي في سجونٍ لا أدري أهي فوق الأرض أم في جوفها. وقد تعرضت لشتى أنواع التعذيب حتى كدت أفقد حياتي لولا لطف الله».
وقد تقدم الموقوف بطلب استرحام إلى المحكمة، راجياً إعفاءه من مدة محكوميته أو السماح له بإتمام باقي محكوميته في لبنان بالقرب من عائلته. وفي تسجيل آخر، قال مكّاوي لشقيقته: «لماذا لا يجرؤ أحد على أن يقف أمام السفارة الإماراتية ليُطالب برفع المظلومية عني. أنا بريء ومظلوم. ضعيف ولست ابن رئيس أو وزير ليسأل عني أحد. أشبعوني وعوداً حتى أنّ أحدهم تحدث عن طلب وساطة من سمير جعجع لدى الإمارات. الحمد لله لقد أراحني الله من العذاب اليوم، لكن ما أطلبه اليوم من دولة الإمارات التي أحترم تشكيل لجنة تحقيق للتحقيق في أقوالي. أقوالي التي انتُزعت مني بالقوة. وإلى الآن لا تزال آثار التعذيب موجودة». مكّاوي تحدث عن خضوعه لتحقيقين؛ الأول أجراه جهاز أمن الدولة، والثاني أجراه ضابط «سيّئ جداً أساء إلي. كان لديه شذوذ. أنا أثق بالتحقيق الأول لأنّه كان شفّافاً وعادلاً. لكني حُكمت بموجب أقوالي في التحقيق الثاني. لا أُريد التشهير بدولة الإمارات، لكني أطلب العدالة. أُحبك كثيراً».
وخلال اتصال هاتفي مع وكيل السجين، أكّد المحامي محمد صبلوح لـ«الأخبار» أنّ «الاتهامات التي سيقت لموكّلي مكّاوي غير صحيحة. أحمد لا يعرف الموقوفين الـ15 الذين قيل إنّهم يتبعون لحزب الله ولا علاقة له بهم».

تحدث صبلوح عن اثنين من المتّهمين في القضية نفسها خرجا من السجن، هما محمد كعدي وحسن حمّاد. وذكر أنّه تقدّم بشكوى ضد الإمارات في الامم المتحدة، متّهماً بانتزاع الاعترافات من موكله تحت التعذيب. وكشف صبلوح عن صدور قرار لجنة حقوق الإنسان في الأمم المتحدة الذي قضى بإلزام السلطات الإماراتية بالإفراج فوراً عن موكله بعد ثبوت واقعة التعذيب. غير أنّ القرار الصادر اعتُبر معنوياً، كاشفاً عن متابعة القرار في الأمم المتحدة لتحويله إلى قرار ملزم. كذلك تحدث صبلوح عن «ضياع على المستوى الرسمي اللبناني»، مؤكداً أنّ السفارة في الإمارات لا تكترث لمصير مواطنيها. وذكر أنّه راجع النيابة العامة التمييزية، طالباً إرسال مذكرة لاسترداد السجين اللبناني ليستكمل محكوميته في لبنان، بعد استناده إلى اتفاقية جامعة الدول العربية. غير أنّ النائب العام التمييزي رفض الطلب، بذريعة عدم وجود اتفاقية بين الإمارات ولبنان. وذكر صبلوح لـ«الأخبار»: «طلبت تسليمي طلب الرفض خطياً، فرفض ذلك النائب العام التمييزي أيضاً».
مصادر في وزارة الخارجية قالت لـ«الأخبار» إن المشكلة في غالبية دول الخليج أن السفراء اللبنانيين المعينين من خارج الملاك هم غير نشيطين، وعندما يتحركون ليراسلوا الدول المعنية، كدولة الإمارات مثلاً، فإن وزارة خارجيتها تتجاهل مراسلاتهم، أو انها تؤجل الرد لنحو أربعة أو خمسة أشهر، ما يعني تمييع القضية.

المصدر: رضوان مرتضى - الاخبار