يشكّل الإعلام اليوم قوّة مؤثّرة، ليس في تشكيل الرأي العام، بل في تكثيف الرأيين العامّين المتشكّلين أصلًا في إطار الصراع العالمي الذي نعيشه وقد اختار كل فرد منّا إلى أيّ المحورين ينتمي.
وإن كان محور المقاومة قد أنتج ما يسمى بالإعلام الحربي، الذي تشكّل في بدايته من اعلاميين حربيين، ينقلون الخبر ويلاحقونه في ساحات القتال، ثم من اعلاميين يتولون مهمة توثيق وتفنيد الحدث المقاوم، وبعدها من محاورين بخلفية ثقافية مقاوِمة، يناقشون ضيوفهم الذين قد يكونوا من المحور الآخر.. كل ذلك قبل ان تتسع ساحات المعارك لتصل إلى شاشات هواتفنا المحمولة وتأخذ شكلًا افتراضيا يضعنا جميعًا أمام مسؤولية كبيرة تتعلّق في كل ما ننشر. في كل هذا المسار، لا يمكن أن ندّعي أن محور المقاومة تمكّن من صناعة "جيش اعلامي" متماسك ومتين كما فعل عسكريًا. فبقي اعلاميو المقاومة حالات قد تنجح في مكان وتتأخر في مكان اخر.. بالإضافة طبعًا إلى بعض الأسماء الإعلامية التي تسلّقت شجرة الموقف المقاوم للوصول إلى الشهرة، أو إلى حصانة ما، يمنحها الجمهور طوعًا لكل من يقدم نفسه اعلاميا في محور المقاومة.
بالمختصر، على الرغم من سمو اهدافها وسياقها ومسارها، لم تسعَ "المقاومة" في لبنان على الأقل لصناعة "جبهة اعلامية" متجانسة الافراد والخطاب، لأسباب عديدة أهمّها الأولويات التي تضع أمرا كهذا في مرتبة أدنى بكثير من غيره، وربما بسبب ثقة الجسم المقاوم بناسه بحيث لا يحتاج إلى تدريب حقيقي وفعّال لصناعة "جبهة مقاومة اعلامية".
في المقلب الآخر من الصراع، بنى آل سعود ما يشبه المنظومة الاعلامية التي قوامها المرتزقة تماما كما هو حال منظومتهم العسكرية. موّلوا ودرّبوا أسماء إعلامية لتكون جبهة متكلّمة تعمل بأجر يتحرك صعودا وهبوطا حسب الحاجة. المهمة الأساسية لهذه الجبهة هي محاولة تلميع صورة السلالة النتنة، وتكرار الاكاذيب حول نظافتها بحيث يصدق الناس، بفعل التكرار، الكذبة. صحافيون واعلاميون ومستكتبون سقطوا في مستنقع الدفاع عن آل سعود، فدخلوا الشهرة من أقذر أبوابها: الكذب. بعضهم تفوّق على نفسه بالمزايدة في الحديث عن طهر ال سعود، بحيث بدا ملكيًّا أكثر من الملك، في مواقف عديدة، وآخرها الموقف "الاعلامي" من قضية اختفاء زميلهم في المهنة وفي الارتزاق الخاشقجي. حاولوا تبرئة ال سعود من الوقوف وراء اختفائه حتى قبل أن يبدأ الحديث عن جدية اتهام البلاط السعودي بتدبير مقتله الذي احتل حياتنا الاخبارية في الآونة الأخيرة. بدا المشهد التزلّفي مضحكا حد تخيل الداشر بن سلمان خارجاً إليهم وطالبًا منهم الكفّ عن محاولة تبرئته بالأكاذيب الشديدة الوضوح والاستعاضة عنها بأخرى أكثر قابلية للتصديق.
هذه الجبهة القائمة على الارتزاق، قوامها ليس فقط من الاعلاميين، بل للسياسيين قسم خاصّ فيها، هذا القسم قد لا يتقاضى أجراً ماليًا مباشرًا، لكنه يتقاضى دعمًا سعوديا مقابل تزلفه. هذا الدعم قد يكون ماليًّا أو سياسيًا أو انتخابيًا او يتخذ شكل المعبر الضروري للحصول على رضا الأميريكي. وبالنسبة للبعض، هذا الرضا بحد ذاته هو معبر إلى كثير من الصفقات.
اذًا، ترفّعت المقاومة عن صناعة وإدارة جبهة اعلامية مباشرة، واقتصر العمل الاعلامي المقاوم الموسّع على مجموعات وافراد اتخذوا خيارهم السياسي والوطني وترجموه صحافة واعلامًا، بجانب المنظومة الاعلامية المباشرة لحزب الله والمتمثلة بقناة المنار على الصعيد المرئي وإذاعة النور على الصعيد المسموع والعهد على مستوى الصحافة المكتوبة. أما محور القتل والإرهاب، فقد أمعن في شراء العيون التي لا ترى إلا من وجهة نظر المموّل، والألسن التي تنطق كفرًا وتزيد كلّما زادت الارقام في المبالغ المدفوعة، والأقلام التي ما عادت تبيع مواقفها في محطات يومية أو أسبوعية، بل باتت غبّ الطلب وعند الحاجة عبر وسائل التواصل، وكمية هذه المواقف على موقع تويتر كفيلة بإظهار وجوه كل المرتزقة من اعلاميين وسياسيين، يتمحور كل ادائهم "الوظيفي" على مهاجمة المقاومة من جهة، والدفاع عن آل سعود تحت مسمّى "مملكة الخير"!
يطول الحديث، تتشعّب الأمثلة وتكثر الأسماء التي بلا حد أدنى من الخجل ومن الكرامة ومن المصداقية، تغوص في مستنقع الارتزاق ولا ترجو خلاصًا ولا تحرّرا ولا لحظة شرف مهني. شاهدوا "تغريداتهم" بكل ما فيها من تملّق وانسحاق، لتدركوا كم كبير جميلُ المقاومة علينا. على الأقل، حصّنتنا بالكرامة الوطنية لنصدق مع ذاتنا ومع الأخرين، لنكون أحرارا في الموقف والكلمة والصورة، ولنتفرّج على نهاية المرتزقة في غرف القنصليات التابعة لأرباب ارتزاقهم.. لنشهد كيف يرخص دم من رخصت كرامته، ولنتباهى بأننا نقول الحق، بكامل حريتنا.. حريتنا التي تحميها عيون صادقة تقاوم، تحمي وتنتصر.
ختامًا، يحق لنا نحن الأحرار أن نختار لختام كلماتنا: اللعنة على آل سعود ومرتزقتهم واعلامييهم وغلمان بلاطهم وجواري شاشاتهم، بالأمس اليوم وحتى زوالهم.. والزوال قريبٌ قريب.
المقالات الواردة في الموقع تعبر عن آراء أصحابها ولا تعبر عن رأي إدارة الموقع