منذ أسبوعين وقضية الكاتب السعودي جمال خاشقجي تحتل صدارة الصحف المحلية والعالمية وتستقطب القنوات الفضائية والمحللين والسياسيين والآراء المختلفة. وقد أثارت هذه الحادثة زوبعة من التناقضات في الروايات لتستقر أخيرا على ما أعلنته المملكة اليوم من أن جمال خاشقجي قضى جراء إشكال داخل مبنى قنصليتها في تركيا. وقد ترافق مع أوامر الملك سلمان إعفاء اللواء أحمد عسيري نائب رئيس الاستخبارات العامة وسعود القحطاني المستشار بالديوان الملكي وإنهاء خدمات عدد من الضباط بالاستخبارات العامة. تأخر المملكة 18 يوماً لاعلان هذه النتائج يضعنا أمام عدة إشكاليات أهمها: لماذا تأخر الاعلان السعودي هذا الوقت كله؟ وما الدور الأمريكي في القضية؟ وما سر الصمت التركي حيال ما بث عن القضية؟
من أجل فهم ما كان يدور بشأن قضية اختفاء الكاتب جمال خاشقجي بعد دخول قنصلية بلاده في تركيا يجب أن نراقب مجريات الأمور منذ اليوم الأول لاختفائه حتى صدور البيان السعودي الذي أقر بوفاته، وفي ثنايا هذه الأيام الـ 18 لا بد من الوقوف عند ثلاث حلقات مهمة جداً وهي المواقف السعودية المتناقضة، والحراك الأمريكي على خط الأزمة، وكذلك الصمت التركي المريب.
المواقف السعودية المتناقضة:
منذ اليوم الأول نفت السعودية اختفاء جمال خاشقجي في قنصليتها وقالت بأنه دخل القنصلية وأتمّ معاملاته وخرج، وبعدها بأيام ومع توجه أصابع الاتهام الى شخصيات مقربة من الأمير محمد بن سلمان خرج وزير الداخلية السعودي لنفي وجود أي أوامر بقتل جمال خاشقجي، وبعدها أعلن الأمير محمد بن سلمان بدء التحقيق بالقضية بالتعاون مع الدولة التركية وكذلك الولايات المتحدة الأمريكية. الارباك السعودي بدا واضحا وجليا لكل من يراقب الاعلام السعودي الذي سارع للدفاع عن السعودية ومهاجمة الاعلام القطري والدعوة الى نصرة المملكة، وترافقت مع مواقف عدد من الدعاة والخطباء بوجوب الدفاع عن السعودية بوجه ما تتعرض له من الاشاعات المغرضة والابتزازات، وهذه الابتزازت هي بيت القصيد في قضية جمال خاشقجي والتي تفوح منها رائحة صفقة تمت بين المملكة وكل من الولايات المتحدة الامريكية وتركيا.
الابتزاز الامريكي والثمن المقبوض:
من اليوم الاول للقضية دخلت الولايات المتحدة الامريكية على خطها وبدأت بحملة الابتزاز للسعودية من أجل الحصول على مكاسب مالية، ولم يخفِ الرئيس الامريكي دونالد ترامب هذا الامر بل أعلنه مرارا وفي خمس مناسبات متتالية يجب على السعودية أن تدفع مقابل حمايتنا لها، والمراقب يستطيع أن يلاحظ التناقض بخطابات ترامب بشأن قضية جمال خاشقجي بين نفي مسؤولية السعودية عن القضية وتأكيده ضلوع المملكة بالحادث ما يشبه الضغط على الخصم لتقديم التنازلات المرجوة وهذا الذي حصل عندما زار وزير الخارجية الامريكي مايك بومبيو المملكة واجتمع مع الملك سلمان وكذلك الامير محمد بن سلمان وعرض معه صفقة إخراج السعودية من مأزق قضية جمال خاشقجي مقابل حصول الولايات المتحدة على التنازلات من السعودية التي ستظهر فحواها في الايام القادمة لتنتهي معها الحلقة الثانية من القضية، وبعدها انتقل بومبيو الى تركيا وهنا الحلقة الثالثة وأجرى مشاوراته مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وفيما يبدو أنه تم التوافق على إخراج القس الأمريكي مقابل رفع العقوبات الامريكية عن تركيا ولكي تسمح أميركا لتركيا أخذ حصتها من صفقة جمال خاشقجي.
ثمن صمت تركيا: 
 لعبت تركيا بذكاء شديد في قضية اختفاء الكاتب جمال خاشقجي من خلال الصمت الرسمي الذي التزمته حيال القضية مع سماحها لبعض إعلامها تسريب المعلومات عن القضية وطبعا من أجل ابتزاز السعودية كما ساهمت بصمتها هذا بفتح الطريق أمام حليفتها قطر من أجل أن تشفي غليلها من المملكة، ولهذا جندت قطر كل ما تملك من الوسائل الاعلامية من أجل فضح السعودية وتشكيل الضغط عليها وإحراجها في المحافل الدولية من خلال البث المتواصل للتقارير والتحليلات والمعلومات. ويأتي التحول في الموقف التركي بعد زيارة بومبيو الى أردوغان إذ خرج وزير العدل التركي داعيا إلى تجاهل ما يدور في وسائل التواصل وغيرها لأن التحقيقات سرية، شكل رسالة إلى المملكة بأنه نحن لدينا المعلومات والى هذه اللحظة صامتون فعليكم دفع ثمن صمتنا، لكي يأتي الرد السعودي سريعا عبر الاشادة بالتعاون التركي السعودي في القضية وبعدها وفي إقرار للصفقة إاصال بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والملك السعودي لكي تعلن رواية مقتل جمال خاشقجي.
لقد ضحت السعودية في سبيل إنقاذ الأمير الشاب محمد بن سلمان بعدد من المستشارين وبالشبكة  المتهمة وكذلك الصفقات المالية لأميركا وتركيا معاً، وهذا ما جعل الأميركي مقتنعاً بالرواية السعودية كما صرح ترامب. ولن يكون التقرير التركي عن قضية مقتل جمال خاشقجي خارج إطار ما أعلنته السعودية، بعدما حصلت على نصيبها من الصفقة، أما بنود الصفقة فستنكشف فصولها في الأيام القادمة.

المصدر: خاص شاهد نيوز

المقالات الواردة في الموقع تعبر عن آراء أصحابها ولا تعبر عن رأي إدارة الموقع