بعد أقل من ثلاث ساعات على إعلان اتفاق وقف إطلاق النار في مخيم المية ومية بين فتح وأنصار الله، تجددت الاشتباكات بعد ظهر أمس مكررة المشهد ذاته الذي غفت عليه منطقة صيدا ليل الخميس: تبادل القصف بالقذائف الصاروخية وتطاير للرصاص الطائش في سماء صيدا وشرقها وسقوط قتلى وجرحى في صفوف قوات الأمن الوطني الفلسطيني. وفق مصدر أمني، فإن «عناصر من فتح خرقوا الاتفاق وأطلقوا النار باتجاه المربع الأمني لأمين عام أنصار الله جمال سليمان. والعناصر هم من أهالي ورفاق المقاتلين الثلاثة الذين سقطوا في اشتباكات الخميس، التابعين لقوات الأمن الوطني. هؤلاء رفضوا المصالحة التي تمت برعاية حزب الله بين قياديي الحركة والأنصار وقرروا الاستمرار باستهداف سليمان حتى إخراجه من المية ومية». لكن قرابة العاشرة ليلاً، التزم المتحاربون بوقف إطلاق النار.

للمرة الثانية في أقل من 24 ساعة، يتمظهر التباين داخل صفوف فتح حول وقف الاشتباكات والموافقة على بقاء الوضع كما هو عليه وبين الاستمرار حتى القضاء على مربع سليمان. الغلبة في المرتين كانت للفريق المؤيد لتصفية الحسابات نهائياً مع سليمان الذي «لطالما كان يبادر في السنوات الماضية لاستهداف فتح من اغتيالات إلى تصفية مجموعة أحمد رشيد لإفراغ المية ومية من أي قوة أخرى سواه». لكن ذلك الرأي تسبب بإحراج لدى القيادة الرسمية لفتح التي تعهدت بوقف الاشتباكات، أمام المرجعيات اللبنانية والفلسطينية، لا سيما حزب الله والرئيس نبيه بري اللذين رعيا الاتفاق الذي أدى إلى وقف النار.
وكان يوم المية ومية قد بدأ في الضاحية الجنوبية باجتماع استضافه حزب الله في مقر مجلسه السياسي بحضور ممثلين عن فتح وأنصار الله والفصائل الفلسطينية. مسؤول الملف الفلسطيني في الحزب حسن حب الله أعلن في ختام الاجتماع عن عقد مصالحة بين المتقاتلين، أكد عليها كل من نائب أمين عام أنصار الله ماهر عويد وأمين سر الحركة فتحي أبو العردات. حب الله أذاع بنود الاتفاق التي شملت تثبيت وقف إطلاق النار وإزالة المظاهر المسلحة فوراً وتأكيد الالتزام ببنود ورقة العمل الفلسطيني المشترك القاضية بتسليم أي مطلوب أو متهم أو مخل بأمن المخيمات إلى الأجهزة الأمنية اللبنانية ورفع الغطاء عنهم والعمل على إعادة الحياة في المخيم.
لم يكد المشاركون في الاجتماع أن يعودوا إلى صيدا، حتى تجددت الاشتباكات، حاصدة قتيلاً فتحاوياً رابعاً. الانتشار العسكري ميدانياً لم يتغير، إذ لم يحقق أي من الطرفين تقدماً نحو مربع الآخر. مرجع أمني أكد أن الجيش «مصرّ على عدم الدخول إلى قلب المخيم، والبقاء حالياً عند الحاجز الذي تموضع فيه يوم الثلاثاء عند المدخل الغربي للمخيم». وأشار المصدر إلى أن الجيش لن يكون بمواجهة عسكرية مع أي من القوى الفلسطينية. ولفت إلى أن الجيش أحكم إقفال المنافذ المؤدية إلى داخل المخيم، مانعاً دخول إمدادات للمقاتلين، سواء لفتح أو لأنصار الله. علماً أن المعطيات الميدانية تفيد إلى أن أنصار الله أكثر ارتياحاً في المعركة التي تدور في عرينها.

النائب سعد: السلاح العبثي هدّد أمن الشعبين اللبناني والفلسطيني


الدوران في دائرة مقفلة أثار استياء أهالي المية ومية والمرجعيات الصيداوية بسبب التعطيل القسري للمؤسسات والمدارس لليوم الثاني على التوالي (ويستمر اليوم) والأضرار في الممتلكات التي تسبب بها القصف في بلدة المية ومية وجوارها حيث نزح عدد من أهاليها. رئيس بلدية المية ومية الذي استقبل مدير وكالة الأونروا كلاوديو كوردوني، اعتبر أن «الوضع لم يعد مقبولاً»، مطالباً بـ«سحب السلاح وبأن يدخل الجيش إلى المخيم ليمسك زمام الأمور ويضبط الوضع ويعيد الهدوء». من جهته، قال راعي أبرشية صيدا ودير القمر للروم الكاثوليك المطران إيلي حداد: «إذا طالت مدة المعارك، فستؤدي إلى تهجير الأهالي، وهذا أمر غير مقبول. وستكون لدينا زيارة قريبة لقائد الجيش العماد جوزف عون للبحث في الوضع المستجد». من جهته، تساءل إمام مسجد القدس في صيدا الشيخ ماهر حمود: «من أين يأتي هذا الحجم من السلاح وما هو دوره وكيف يصل؟ ما هو المشروع: التهجير أم التوطين أو الإبادة؟».
أما النائب أسامة سعد، فقد غرد قائلاً: «السلاح العبثي هدّد أمن الشعبين اللبناني والفلسطيني. كلاهما السياسة والسلاح فتحا الطريق لتشرد جديد».

المصدر: جريدة الأخبار - آمال خليل