«كيف يرى الشباب اللبناني مستقبلهم في هذه البلاد؟ هو السؤال الواجب طرحه حالياً في ضوء المخاطر التي يواجهها لبنان. هل يجب أن يكونوا متفائلين أم متشائمين؟».

هذه الإشكالية طرحها مدير دائرة المشرق في البنك الدولي ساروج كومار جا، أمس، خلال ندوة نظّمها البنك الدولي في الجامعة الأميركية في بيروت، لتقديم تقرير «المرصد الاقتصادي: تقليص مخاطر لبنان»، الذي أعدّته مجموعة من الخبراء الاقتصاديين في البنك (وسام حركة وناجي أبو حمدي، بتوجيه من كريستوس كوستوبولوس وكيفن كاري، ومساهمة سامح مبارك)، يستعرضون فيه مخاطر يواجهها لبنان واقتصاده وتترتّب عنها آثار سلبية في المستقبل، ويعيدونها إلى أسباب ينطوي عليها الاقتصاد اللبناني، تتطلّب تصحيحات هيكلية باعتراف البنك الدولي نفسه.
إلّا أن كومار جا حصرها بالكهرباء، بوصفها أم المشكلات وأبيها، والتي تتطلّب إصلاحات لا بدّ منها لإعادة الأمل إلى الشباب! فوفقاً للمسؤول الدولي «مشكلة البلاد تكمن بالكهرباء. وهذا القطاع هو أولوية الأولويات للبنك الدولي والمجتمع الدولي. لقد أجرينا اجتماعات مع الكلّ. هل حدث تطوّر؟ كلا. هل استسلمنا؟ كلا. ولن نستسلم. فآمال الشباب معلّقة بالكهرباء كون هذا القطاع يولّد استثمارات ووظائف ومشاريع».
هذا السيناريو المعدّ بأسلوب مثير، بدأ باستعراض الأسباب الهيكلية لأزمة النموذج اللبناني، والآثار السلبية التي تراكمت على مدار سنوات بحيث بات «تطوّر النظام المالي الكلّي في لبنان وتحوّله إلى بنية قوّية تفتقد للّيونة»، بمثابة السبب الذي يمكن من خلاله «لأي فشل في أي من مكوّناته أن يشكّل تهديداً نظامياً»، ومن ثمّ استكمل بتقديم مدير العمليات المالية في مصرف لبنان يوسف الخليل توضيحات لسياسات المركزي وآخرها زيادة الفوائد التي «بقيت أقل من المعدّلات في اقتصادات المنطقة، وسبقتها زيادة فترة الاستحقاق على الودائع لدى المصارف وموجودات المصارف من سندات الخزينة وشهادات الإيداع»، ولينتهي السيناريو بتقدّم أحد خبراء البنك الدولي (معني بقطاع الكهرباء) من بين مقاعد الحضور إلى منصّة العرض، ليقدّم الوصفة السحرية مشيراً إلى أن «هناك خطوات معروفة وتمّت مناقشتها مطوّلاً لما يمكن فعله بقطاع الكهرباء. تبدأ باستبدال الفيول الذي يشكّل الكلفة الأكبر لإنتاج الكهرباء بالغاز الطبيعي، ومعالجة الهدر التقني وغير التقني، وزيادة الإنتاجية كمقدّمة لرفع التعرفة».

صورة قاتمة للمستقبل
بعيداً من العرض السردي لمجريات الندوة، واستخدام الخلاصات التي توصّل لها التقرير لاعتبار أن الحل لا يتعلّق بإصلاحات هيكلية ترتبط بالنظام الضريبي وخفض خدمة الدين وتفعيل القطاعات المنتجة، بل مرتبط حصراً بزيادة التعرفة الكهربائية وتطبيق التزامات لبنان في اجتماع «سيدر» وتشكيل حكومة، يرسم التقرير صورة قاتمة عن لبنان، ويشير في خلاصاته إلى أنه معرّض لمخاطر الحدّ من قدرته على تمويل العجوزات المالية والتجارية، كنتيجة لتراجع قدرته على جذب الودائع، بالإضافة إلى أن استمرار التباطؤ في النمو الاقتصادي الذي يحرّك بالاستهلاك وبالقطاعات الخدماتية، إذ من المرجّح أن يبقى دون 2%، بما سيؤدي إلى استمرار تصاعد خدمة الدين، ونسبته إلى الناتج المحلي.

ووفقاً للتقرير فإن «سياسة التشديد النقدي التي اتبعها مصرف لبنان، بدءاً من وقف القروض المدعومة، ورفع الفائدة على الودائع ذات آجال الاستحقاق الأطول، ورفع متوسط استحقاق الودائع من 45 يوماً (التي استمرّت لحوالى 20 عاماً) إلى 4 ــــ 5.7 شهراً للودائع بالليرة و7 أشهر للودائع بالدولار، ورفع متوسّط استحقاق موجودات المصارف من سندات الخزينة وشهادات الإيداع من 14.5 إلى 15.5 سنة، وحتى عندما نجحت فهي لم تقدّم إلا حلولاً مرحلية لا تخلو من مخاطر مالية إضافية، بدليل تزايد هذه المخاطر خلال العام الماضي وزيادة احتمال التعرّض للصدمات مستقبلاً». ويضاف إلى ذلك، رفع احتمال «تعريض القطاع المالي لمخاطر الأسواق العالمية نتيجة الاعتماد المتزايد على المحفظات المالية الأجنبية للمستثمرين بهدف زيادة العملات الأجنبية، فبعد أن كانت المصارف تحتفظ بـ18.5مليار دولار (73.9%) من مجمل سندات اليوروبونذز اللبنانية في آذار 2016، باتت تحمل 16.1 مليار دولار مع انخفاض نسبة إجمالي السندات المستحقة إلى 48.9%».

أساسات المخاطر
يعيد التقرير المخاطر التي يواجهها لبنان ونموذجه الاقتصادي إلى 3 أساسات هيكلية ويشرح العوامل المترابطة بها، وهي:
1ــــ نموذج النمو الذي يسيطر عليه الخلل
تعدّ تنافسية الاقتصاد اللبناني ضعيفة إذ يحتلّ لبنان المرتبة 105 من أصل 137 دولة، ويعود ذلك إلى نموذج النمو المتقلّب، فبعد أن نما الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بمتوسّط 5.6% بين عامي 1993 و2010، عانت المحرّكات التقليدية للنمو (العقارات والبناء والتمويل والسياحة) منذ عام 2011 من الاضطرابات الإقليمية، بحيث تباطأ نمو الناتج وبلغ 1.7% كمتوسّط سنوي، كما حدّ من إمكان توليد الوظائف بحيث بلغت مرونة نمو العمالة في الأجل البعيد نحو 0.2 درجة مقارنة مع 0.5 في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. فضلاً عن أن اعتماد النمو بشكل أساسي على الاستهلاك الذي بلغ متوسّطه بين عامي 2004 و2016 نحو 88.4% أدّى إلى تباطئه بعد وقف القروض المدعومة وتراجع الواردات نتيجة سياسات مصرف لبنان.
2ـــ تقلّص المساحة المالية
بلغ متوسّط الإنفاق على خدمة الدين والتحويلات إلى كهرباء لبنان والأجور 76% من إجمالي الإنفاق العام خلال العقد الماضي، وهو ما أدّى إلى انعدام المرونة في نفقات الميزانية، وبالتالي حدّ من الحيّز المالي للتفاعل مع الصدمات ومن إمكان الإنفاق على الاستثمار العام.
3ـــ الحاجة إلى اجتذاب الدولار

إن اعتماد لبنان نظام سعر الصرف الثابت، وانخفاض حجم الصادرات بدءاً من عام 2008 وتفاقمه بعد الحرب السورية، وبالتالي ارتفاع العجز التجاري من معدّل 16.3% من الناتج المحلي (2002-2010) إلى 20.1% (2011 ــــ 2017)، يجعل لبنان مُلزماً تأمين تراكم فائض في الأصول الأجنبية الصافية من خلال الودائع والاستثمار الأجنبي المباشر والتحويلات، لتمويل عجوزاته وتثبيت سعر الصرف. إلا ان تراجع هذه التدفقات المالية جميعها منذ عام 2011 أدّى إلى تراجع تراكم هذه الأصول من متوسّط سنوي بنسبة 9.3% من الناتج بين عامي 2002 و2010 إلى 4% بين عامي 2011 و2017. وهو ما أدّى إلى إطلاق مصرف لبنان سلسلة الهندسات المالية الكبيرة، التي لم تمنع معاودة تسجيل انخفاض في صافي الأصول الأجنبية.

المصدر: فيفيان عقيقي - الاخبار